هذا كتاب جميل في أدب الرحلات للكاتبة المصرية شيرين عادل، أذهلتني بثقافتها وحلاوة سردها، وقبل ذلك بروحها اللطيفة التي تتفاعل بصدق إنساني حقيقي مع ما حولها! قضيت مع هذا الكتاب الجميل إجازة نهاية أسبوع، جذبني الكتاب فيها بعيدًا عن كآبة الأحداث السياسية، التي لونت أيامنا بالسواد وما زالت تنذر بالمزيد.
رغم إعادة الكاتبة اكتشاف رومانسيات بلادنا وجمالها، فإن الجو السياسي المعتل يظل في الكثير من الزوايا ناشرًا علينا أجنحته الكئيبة
رحلة لمدة اثنتي عشرة ليلة بدأتْها من القاهره برًا إلى الأردن، فسوريا، فلبنان.. سجلت فيها ما شاهدته في الأماكن التي زارتها، والتي خططت لزيارتها، مستفيدة من الدليل الشهير للرحلات المعنون "لونلي بلانت".
دقة الكاتبة في التسجيل وبراعتها في السرد لم يتفوق عليهما إلا ثقافة الكاتبة العميقة، التي شحنت كل التفاصيل الصغيرة بدلالات تاريخية وجغرافية وأدبية شديدة الثراء؛ فكل مكان زارته فسرت لنا اسمه وتاريخه الموغل في القدم، وكل أثر وقفت عليه تكلمت عن مؤسسه ودولته، والظروف السياسية لدولته، وطريقة بنائه المعمارية، ومعيدي اكتشافه في العصر الحديث… إلى آخره.
ورغم كل ما أبرزته الرحلة من عوالم بالغة الثراء بمعانيها الحضارية، وإمكاناتها المستقبلية، على مستوى البشر والتاريخ والمضمون الفكري، ورغم إعادة الكاتبة اكتشاف رومانسيات بلادنا وجمالها، فإن الجو السياسي المعتل يظل في الكثير من الزوايا ناشرًا علينا أجنحته الكئيبة.
في مقدمة الكاتبة استوقفتني هذه الفقرة: "أما أنا يا سادة، فلم أعاصر عبد الناصر ولم أرَ السادات، أنا من جيل لسانُ حاله يقول كما قال السيد المسيح (مبارك): شعبي مصر!. فالقومية بالنسبة لي هي مدرسة تقع بحي العجوزة، والعربية هي دايو لانوس موديل 2002، يطلق عليها أصدقائي اسم صابرين تهكمًا على حالتها المتهالكة! أنا من جيل يسمع منذ نعومة أظفاره كل من حوله يرددون عبارات مثل: "العرب جرب"- على اعتبار أننا هنود حمر مثلًا-، و"الفلسطينيون باعوا أرضهم"!.
"نعم، باعوا أرضهم كي يشتروا ثمن التذكرة التي ستأخذهم إلى بلاد، يوصمون فيها بلقب لاجئين، ويعامَلون كمواطنين من الدرجة السادسة، ويا لها من حياة رائعة تستحق أن يبيعوا أرضهم من أجلها!، كأننا لو ضربنا أرضنا فأخرجت ربع صفيحة لفرقناها على الدول العربية الشقيقة! و"بنات لبنان جميلات"، على اعتبار أن لبنان -كما اتفقنا- هو مصنع دُمى ينتج الموديلات الثلاثة المذكورة سابقًا!. إلى آخر هذه العبارات العنصرية الفجة".
المقطع الافتتاحي يبرز لنا الضرر الذي ألحقته السياسة وإعلامها الموجه إلى إنسانيات العلاقة العربية العربية، وقدر التشويه المتعمد للأخلاقيات والقيم التي حملناها عبر تاريخنا وحضارتنا.. لكن المقطع الختامي لهذه الرحلة لا يقل سوداوية عن افتتاحيتها:
يقول سائقنا ماهر كعابنة، الذي ملأ رؤوسنا بالحديث عن شرف نسبه في قبيلته، وهي إحدى أعرق القبائل العربية، حتى ظنناه المتنبي هاتفًا: سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا .. بأنني خيـر من تسـعى به قـدم..
وللحديث بقية..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.