شعار قسم مدونات

حرب "الدبلوماسيات" على القارة السمراء.. هل ستنجح فيها كييف؟

دبابة روسية مدمرة في ساحة ميخايلوفسكا وسط كييف (الجزيرة)

ذكرت صحيفة بوليتيكو أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شعر بالإحباط بعد لقائه الرئيسَ الأميركي جو بايدن في واشنطن. فالرئيس شعر بخيبة أمل شديدة بعد المفاوضات التي أجراها في ختام قمّة الناتو في واشنطن التي انعقدت ما بين 9 و11 يوليو/تموز الماضي بمناسبة مرور 75 عامًا على إنشاء الحلف، بعدما شعر بمماطلة حلفائه بشأن انضمام بلاده إلى الحلف.

إن خيار كييف الاصطفاف إلى جانب الغرب في الحرب الهادفة إلى "خربطة" النظام العالمي، وإعادة بنائه بحسب القوى التي ستنتصر فيها، على ما يبدو لن يخرجها منتصرة. لهذا كان خيارها التنويع في العلاقات والاعتماد على الدبلوماسية "التوسعية"، إذ قال أحد الدبلوماسيين الأوكران في معرض جوابه عن علاقة بلاده بالقارة الأفريقية: "تعلمت كييف، أنها بحاجة إلى دول أخرى من خارج المدار الغربي لبناء حوار يرمي إلى تعزيز موقفها في سياق الحرب مع روسيا".

إنها حرب من نوع آخر تقودها كييف على روسيا، لا سيما بعدما فشلت في ردعها ميدانيًا، حيث تتقدّم القوات الروسية على أكثر من جبهة، مع تلكؤ حلفاء كييف في إعطائها الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي بأسلحة غربية.

قالت صحيفة لوموند الفرنسية: إن لواء الدبّ بات يدًا عسكرية روسية جديدة غرست في القارة الأفريقية، تكمل الأدوار التي تقوم بها وحدات أخرى وبينها مجموعة فاغنر

ركّزت أوكرانيا جهودها الدبلوماسية، تحديدًا بعد اجتياح القوات الروسية أراضيها، على دبلوماسية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. لكنّ هذه الجهود لم تصل بها إلى تحقيق النتيجة المنشودة وسط عقبات يضعها أعضاء حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تحت ذرائع مختلفة، لكنّ السبب واحد هو عدم الرغبة لأي دولة بمواجهة عسكرية مع روسيا.

إعلان

فشلت كييف في التركيز على دبلوماسية الانضمام، فاستبدلتها بدبلوماسية "التوسّع"، أي الذهاب بعيدًا عن القارة الأوروبية، تحديدًا إلى أفريقيا، بعدما وجدت أن روسيا تعمل هناك على تمتين تواجدها من خلال بناء شراكات مع الدول الأفريقية على حساب العلاقات التقليدية مع الدول الغربية، تحديدًا فرنسا والولايات المتحدة.

فهل ستنجح دبلوماسية التوسّع التي تتّبعها أوكرانيا في حين فشل في تطبيقها حلفاؤها: فرنسا والولايات المتحدة؟ أم سيكون النجاح حليف دبلوماسية القمح والشراكة التي تتّبعها روسيا في القارة السمراء؟

العلاقة الروسية مع القارة السمراء ليست مستحدثة، ولكنها شكّلت حاجة أساسية لتطويق المدّ الغربي، منذ زمن الاتحاد السوفياتي الذي قدّم دعمًا لبلدان أفريقية في نيل الاستقلال. لقد أعادت روسيا تموضعها في أفريقيا من خلال تركيزها على مسارين: أمني عسكري، وأمني غذائي.

قالت صحيفة لوموند الفرنسية: إن لواء الدبّ بات يدًا عسكرية روسية جديدة غرست في القارة الأفريقية، تكمل الأدوار التي تقوم بها وحدات أخرى وبينها مجموعة فاغنر. أُسّس لواء الدب في مارس/ آذار 2023 في شبه جزيرة القرم، ويضمّ جنودًا روسًا متطوعين يجمعون في وحدات مختلفة وخدموا جنبًا إلى جنب في الحرب على أوكرانيا.

اتّبعت روسيا مع الدول الأفريقية "دبلوماسية القمح" لدخول عمق القارة السمراء، وبناء علاقات متينة مع نظام الحكم القائم، حيث برزت من خلال تبادل الخبرات العسكرية بينهما

بذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السنوات الأخيرة مساعي حثيثة في إحياء العلاقة التي ربطت الاتحاد السوفياتي بأفريقيا، مع إعطاء الأولوية لبناء علاقات جديدة سواء عن طريق تقديم الدعم العسكري أو الأمن الغذائي عبر تقديم ملايين الأطنان من القمح الروسي، في شكل مساعدات مجانية في القارة السمراء.

لم تستطع كييف أن ترث العلاقة السوفياتية رغم أنها كانت تشكّل جزءًا منها، لهذا كان حضورها الدبلوماسي – قبل الهجوم الروسي على أراضيها – في أفريقيا هزيلًا، إذ كانت لا تمتلك سفارات في عشر دول أفريقية في مقابل 43 سفارة روسية.

إعلان

تعيش القارة الأفريقية اليوم على وقع أزمات تنعكس نتيجة "تلبّد" الأجواء العالمية من حرب أوكرانيا إلى الحرب في الشرق الأوسط، وصولًا إلى التوتّر القائم في جنوب آسيا بين شبه جزيرة تايوان والصين. لهذا هي تحتاج إلى دعم يحافظ على أمنها الاقتصادي، وهذا ما لمسه الرئيس بوتين في القمة الروسية – الأفريقية التي انعقدت في سان بطرسبورغ عام 2023، حيث أعلن بوتين خلالها عن بدء بلاده بتوريد الحبوب مجانًا إلى ستّ دول بالقارة في غضون أشهر.

اتّبعت روسيا مع الدول الأفريقية "دبلوماسية القمح" لدخول عمق القارة السمراء، وبناء علاقات متينة مع نظام الحكم القائم، حيث برزت من خلال تبادل الخبرات العسكرية بينهما. فتجارب الدول الأفريقية مع الوجود الغربي لا سيما الفرنسي والأميركي لم تُبنَ على أساس الاحترام ولا على أساس بناء شراكة، بقدر ما كانت المصالح الغربية هي الطاغية والمسيطرة، الأمر الذي سمح بإيجاد تباعد في العلاقات.

جهود كييف قد لا تؤتي ثمارها خصوصًا وهي تصنّف من ضمن المعسكر الغربي الذي يشكّل جبهة مواجهة مع سلسلة الانقلابات الحاصلة في أفريقيا

في السادس من يوليو/ تموز الماضي أعلنت 3 دول في غرب أفريقيا، وهي: بوركينا فاسو ومالي والنيجر، عن إنشاء تحالف كونفدرالي تحت اسم "تحالف دول الساحل". لعبت موسكو دورًا مهمًا في التوقيع على ميثاق إنشاء التحالف، وقد أجرى وفد من وزارة الدفاع الروسية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكروف مفاوضات مع ممثلي الدول الأفريقية الثلاث، نوقش خلالها التعاون العسكري التقني بين هذه الدول وروسيا.

جهود كييف قد لا تؤتي ثمارها خصوصًا وهي تصنّف من ضمن المعسكر الغربي الذي يشكّل جبهة مواجهة مع سلسلة الانقلابات الحاصلة في أفريقيا. هذا ما يضع عائقًا أمام دبلوماسية كييف مع بعض الدول الأفريقية، بحيث أصبحت القارة مركز تجاذبات لدول على الطاقة.

لهذا قد تكون دعوة زيلينسكي للمرة الأولى عن تأييده لمشاركة روسيا في قمة مقبلة حول السلام في أوكرانيا تنظمها كييف، اعترافًا منه بأنّ عليه التفكير جديًا في إيجاد البديل عن لغة الحرب، بدبلوماسية مغايرة، أو هي مجرّد خدعة لاستفزاز الغرب وابتزازه للسماح له بضرب العمق الروسي.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان