شعار قسم مدونات

الجامعة العربية.. "إكرام الميت دفنه"

القاهرة.. انطلاق أعمال مؤتمر "القدس صمود وتنمية" بمقر الجامعة العربية، ومشاركة عربية وإقليمية ودولية رفيعة المستوى
عرى العدوان الإسرائيلي الجامعة العربية، وأبان عجزها أمام الآلة الوحشية لجيش الاحتلال (وكالة الأناضول)

لنبدأ بسؤال حرج عن دور جامعة الدول العربية في حماية غزة من عدوان جيش الاحتلال، وما الذي قدمته؟ وما الغاية من وجودها في ظل استمرار الحرب على القطاع، وعلى الشعب الفلسطيني الذي تجاوز عدد الشهداء فيه 40 ألفًا؟

أسئلة عسيرة تصعب الإجابة عنها من طرف أعضاء هذه الجامعة، التي تحولت إلى جسد بلا روح، في حين أن كل المؤشرات تؤكد أن لا دور لهذه الجامعة، ولا مكانة ولا قوة لها على المستوى الدولي في اتخاذ قرار فعال، لوقف التهجير القسري للشعب الفلسطيني وإبادته أمام أنظار عالم متوحش لا يؤمن إلا بالقوة.

العدوان متواصل بشكل همجي على غزة، وهو مستمر في حصد أرواح الأبرياء، ويتواصل ارتفاع عدد الشهداء من الأطفال والنساء، وتستمر عملية الحصار والتجويع، والدول الأعضاء في الجامعة تكتفي بإصدار بلاغات وبيانات فارغة، لا تسمن ولا تغني من جوع.. ما يدل على أن هذه المنظمة في أرذل عمرها، وتعيش موتًا سريريًا، وبعيدة عن هموم محيطها العربي والجيوسياسي، ولم تقدم أي إضافة في الحروب التي شهدتها دول الشرق الأوسط وأفريقيا.

استمرارية العدوان الإسرائيلي على غزة بشتى أنواعه، تعطي إشارات واضحة أن الدول الأعضاء في الجامعة العربية في سُبات عميق، كأن شيئًا في غزة لم يقع، وأصبحت هذه الحرب بالنسبة لها مجرد حدث بارز لا يحتاج أي تحرك جاد وفعليّ

عرى العدوان الإسرائيلي الجامعة العربية، وأبان عن عجزها أمام الآلة الوحشية لجيش الاحتلال، وعن فشلها في الردع لحماية شعب أعزل يواجَه بأعتى الأسلحة. وهكذا اختارت بعض الدول العربية الإدانة الفردية، وهي الإدانات التي لا أثر لها على أرض الواقع، وتبقى مجرد حبر على ورق، إذ لم تقطع هذه الدول علاقاتها مع إسرائيل، رغم أنها كل يوم تقدم بيانات وبلاغات تدعو فيها إلى وقف إطلاق النار، غير أنها لم تفعل ما يجب فعله، بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل ووقف صادراتها.

وهكذا فشلت الدول العربية في اتخاذ خطوة قوية، وتوجيه صفعة لجيش الاحتلال، الذي أثبت أن لا شيء يردعه، وانحرفت الجامعة بذلك عن تحقيق أهدافها المسطرة؛ فلا وجود لقرار مسؤول، ولا لضغط فعلي مجدٍ، ولا لقوة في اتخاذ القرار في ظل تمزق جماعي.

إن استمرارية العدوان الإسرائيلي على غزة بشتى أنواعه، تعطي إشارات واضحة أن الدول الأعضاء في الجامعة العربية في سُبات عميق، كأن شيئًا في غزة لم يقع، وأصبحت هذه الحرب بالنسبة لها مجرد حدث بارز لا يحتاج أي تحرك جاد وفعليّ.

إنّ وضع الجامعة العربية حاليًا يدل على أنها في أضعف حالاتها، رغم بلاغتها المطاطية وبعض مراسلاتها لمجلس الأمن؛ فما يقع في المنطقة يدقّ ناقوس الخطر، ويفتح القوس للمساءلة عن دور هذه الجامعة، ودور الدول المنخرطة فيها، لتحقيق اتحاد من أجل مواجهة هذه الظروف، وإنقاذ ما تبقى من القطاع المحاصر.

فهذا الوضع ليس إلا إشارة للإسراع في إصلاح الجامعة، فأصبح الأجنبي عنها يتحكم في قرارات المنطقة ويعيث فيها فسادًا، وهكذا برزت إيران بأيديولوجيتها السياسية الخفية كفاعل مركزي لعب دور "الجوكر" في المنطقة، استعدادًا لاستعادة سردية أمجادها وقوتها، ولو على حساب الآخرين بتشتيتهم.

نصرة القضية الفلسطينية تبدأ أولًا من نبذ الخلافات بين الدول العربية، والتوجه حالًا إلى وحدة عربية قوية، وتفعيل دور الجامعة العربية، وهو أمر مستبعد حاليًا في ظل الوضع الذي تعيشه غالبية الأقطار العربية

إيران بمصلحتها المطلقة، والتي يخدمها هذا الوضع المتشرذم للدول العربية، قد صارت تتدخل في شؤون دول أخرى لتصفية حساباتها، فاستغلت فراغ الجامعة العربية، ودخلت من باب واسع، ولم تجد من يوقفها ويواجه سياساتها.

كذلك فإن تركيا، التي تربطها علاقات اقتصادية مع إسرائيل، حاولت من جهتها تقديم نفسها كمناصر للقضية الفلسطينية، في الوقت الذي تحافظ فيه على علاقتها الدبلوماسية مع تل أبيب، في ظل استمرار همجية الآلة الإسرائيلية في حصد مزيد من أرواح الأبرياء، وهي التي تحاول الترويج للسردية الإمبراطورية العثمانية لربح النقاط داخليًا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطالما استغل القضية الفلسطينية لأهداف انتخابية، آخرها تهديده بضرب إسرائيل، بيدَ أن تركيا لن تقدم على أي خطوة قد تشكل تهديدًا لمصالحها مع الإسرائيليين، وأن المسألة هي بيع الشعارات فقط.

إن نصرة القضية الفلسطينية تبدأ أولًا من نبذ الخلافات بين الدول العربية، والتوجه حالًا إلى وحدة عربية قوية، وتفعيل دور الجامعة العربية، وهو أمر مستبعد حاليًا في ظل الوضع الذي تعيشه غالبية الأقطار العربية، وفي ظل عجز رسمي عن اتخاذ موقف قوي وموحد من العدوان، ما يجعل الجامعة العربية تنظيمًا بلا روح.

وفي الأخير، يمكن القول في حق الجامعة العربية: "إكرام الميت دفنه".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان