ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بنعي عبد المنعم صالح العزي، الذي اشتهر باسمه الحركي محمد أحمد الراشد، بعد أن وافاه الأجل يوم الثلاثاء 27/08/2024 في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعيدًا عن بلده العراق، الذي عاش مهاجرًا عنه إلى الله ورسوله عقودًا طويلة وسنوات مديدة.
ولد الراحل في حي الأعظمية الشهير في مدينة بغداد في 11 جمادى الآخرة 1357هـ، الموافق الثامن من شهر يوليو/ تموز عام 1938 من عشيرة بني عز. درس الراشد مرحلته الابتدائية في مدرسة تطبيقات دار المعلمين، وهي من أرقى مدارس العراق في ذلك الوقت، تربى في بيئة علمية أدبية، فقد كان يقرأ وهو ابن ثماني سنوات المجلات الأدبية الرصينة وغيرها بتشجيع من أخيه الأكبر.
بدأ اهتمام الراشد بالسياسة، وتشكل وعيه السياسي وهو فتى يافع في سن الثانية عشرة، حين كان في المدرسة المتوسطة، حيث كانت القضية الفلسطينية في ذروة الاهتمام، إضافة لتفجر المظاهرات حينها، المطالبة بإسقاط معاهدة (بورت سمورث)
تميز الراحل ومنذ صباه بالوقار والجدية وعفة اللسان والصدق والطاعة والالتزام والاحترام لمدرّسيه، وكان واسع النشاط متعدد المواهب، فكان يلعب كرة القدم ويجيد الركض والسباحة، وعبر نهر دجلة وعمره 8 سنوات دون الاستعانة بأحد، كما كان لا يفتر عن التجوال على الدراجة الهوائية، تفتحت نفسه منذ الطفولة المبكرة على العلم والقراءة والمطالعة.
كان له اهتمام كبير بالأدب، فقرأ لكبار أدباء العربية من العصر العباسي حتى العصر الحديث، كالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام. تأثر الراشد بفكر محمد محمود الصواف، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في العراق، وأول قائد لها، وبقصائد شاعر الدعوة وليد الأعظمي.
بدأ اهتمام الراشد بالسياسة، وتشكل وعيه السياسي وهو فتى يافع في سن الثانية عشرة، حين كان في المدرسة المتوسطة، حيث كانت القضية الفلسطينية في ذروة الاهتمام، إضافة لتفجر المظاهرات حينها، المطالبة بإسقاط معاهدة (بورت سمورث)، وحين بدأت المطابع بطباعة كتب سياسية عن تاريخ الحرب العالمية الثانية وغيرها، تضاعف شغفه بالقضايا السياسية، وهو ما أدى إلى انخراطه في صفوف العمل الدعوي في هذه المرحلة.. كانت بداية تواصل الراشد بالإخوان المسلمين، وهو في الثالثة عشرة من عمره، ليصبح من بعد من أشهر قادتها ومفكريها ومنظريها.
ترك الراحل إرثًا فكريًا وتربويًا ودعويًا كبيرًا تربت عليه أجيال متعاقبة ولا تزال، امتازت مؤلفاته بالجمع بين الأدب والفقه، والاستشهاد بأقوال السلف والخلف. ومن أشهر كتبه: المنطلق، العوائق، الرقائق، صناعة الحياة، المسار، دفاع عن أبي هريرة، تهذيب مدارج السالكين، تهذيب العقيدة الطحاوية. وقد ترجمت بعض كتبه للتركية والإنجليزية والصينية والملاوية والتاميلية والفارسية وغيرها.
توّج الراحل نشاطاته السياسية والدعوية الممتدة على مدى عقود تناهز نصف قرن بتأسيس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، والذي يرمي إلى توحيد كلمة أهل السنة في العراق في مرحلة التحول السياسي
يكفي أن تقرأ تدوينة رثاء مرشحة القائمة الوطنية لحزب جبهة العمل الإسلامي، نور أبو غوش، لتدرك الأثر الكبير الذي تركه الراحل، فلقد كتبت أبو غوش: "ورحل المفكر الذي ربّى أجيالًا بكلماته، ورفع الذائقة الأدبية والذهنية لكل من كبُر على يدي كتبه، فما من بعده يؤنسهم إلّا مَن قارب مستوى رقيِّه.
رحل محمد أحمد الراشد.. وأبقى في النفوس ما قرأته يومًا في كتبه، ثم وجدته على واقع الحياة كلما كبرت. المنطلق، والعوائق، والرقائق، والمسار، ومجموعة رسائل العين، وولادة الحركات، وغيرها وغيرها، كتبٌ لا نحتفظ بها على رفوف المكاتب فحسب، بل كنوز نسجت شخصيات الشباب في مراحل طويلة. رحل الراشد، بعيدًا عن بلاده، في أحد مستشفيات ماليزيا. رحمه الله وأثابه عن كل حرف كتبه، وكل فكر ثبّته، وكل علم غرسه".
عاش الراحل حياته راحلًا ومترحلًا، حاملًا هم الرسالة وناثرًا في أصقاع الأرض علمه ودعوته؛ ففي مطلع عام 1971م اضطر الراشد للاختفاء داخل العراق؛ بسبب الملاحقة الأمنية، ومع مطلع عام 1972م هاجر إلى الكويت ليشتغل بالتحرير في مجلة المجتمع التي تصدرها جمعية الإصلاح، وكتب فيها سلسلة مقالاته الشهيرة في (إحياء فقه الدعوة)، ثم انتقل إلى الإمارات، وقدم سلسلة من الدروس والدورات، ثم انتقل للعيش في ماليزيا وإندونيسيا والسودان فسويسرا.
وتوّج الراحل نشاطاته السياسية والدعوية الممتدة على مدى عقود تناهز نصف قرن بتأسيس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، والذي يرمي إلى توحيد كلمة أهل السنة في العراق في مرحلة التحول السياسي. كما قدم الراشد مجموعة من الدراسات والكتب التي ترصد الحالة العراقية وتبشر بعودة الأمل، مثل: صحوة العراق، وعودة الفجر، ورؤى تخطيطية، ورمزيات حمساوية، وبوارق العراق، ومعًا نحمي العراق.
رحل من تربى على كتبه وفكره أجيال ومنها جيل غزة القرآني والذي اجترح المعجزات بطولة وإقدامًا وفكرًا وتخطيطًا
رحل الراشد، ولولا وسائل التواصل الاجتماعي ربما لم يسمع برحيله إلا قليل من الأقرباء والمقربين، رحل الراشد رمزًا فكريًا ودعويًا كبيرًا، ولم يتوقف الإعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي عند رحيله ولو بخبر عابر، هذا الإعلام الذي ينشغل بتلهف واهتمام بالغ بأسعار لاعبي الكرة أو برحيل راقصة أو مطرب. رحل من تربى على كتبه وفكره أجيال ومنها جيل غزة القرآني والذي اجترح المعجزات بطولة وإقدامًا وشجاعة وفكرًا وتخطيطًا.
رحم الله الراشد وتقبله في عليين.. {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.