شعار قسم مدونات

المياه سلاح فتاك تسيطر به الهند على بنغلاديش!

A man carrying his belongings wades through flood waters in Feni, in south-eastern Bangladesh, on August 23, 2024. Flash floods wrought havoc in Bangladesh on August 23 as the country recovers from weeks of political upheaval, with the death toll rising to 13 and millions more caught in the deluge. (Photo by MUNIR UZ ZAMAN / AFP)
فيضانات واسعة في منقطة فيني بجنوب شرق بنغلاديش (الفرنسية)

في منتصف ليل عشرين أغسطس/ آب 2024، أغرقت المياه المتدفقة من الهند مناطق واسعة من بنغلاديش، فصار أكثر من خمسة ملايين من البشر عالقين بالفيضانات العارمة غير المسبوقة، وقد توفي أكثر من 18 شخصًا، وفُقد كثيرون.

لا توجد أنباء مؤكدة عن عدد المتوفين والمفقودين، وقد أصابت المنازلَ والمزارع والمصانع والمدارس والمساجد في ثماني محافظات أضرارٌ هائلة.. يقول المحللون في بنغلاديش إن الهند هي المسؤولة عن هذه الفيضانات، فهي التي فتحت سدها الكهربائي "دُمْبُرْ" بدون إنذار سابق، بينما تزعم الهند أن السد انفتح تلقائيًا، إذ هطلت الأمطار بغزارة شديدة وكثرت المياه.

لكن الهند لها تاريخ مظلم من العدوان والغش في علاقتها ببنغلاديش، فلم يميز المسؤولون في بنغلاديش صدقها من كذبها، لكن الذي أثبتته هذه الحادثة -على الأقل- هو أن الهند لا تريد الخير لبنغلاديش، ولا تراعي مصالح أهلها، إذ لو كان لديها أدنى شعور بالإنسانية والتعاطف لنبهت بنغلاديش سابقًا إلى ما يجري في داخل الهند من الفيضانات وهطول الأمطار الغزيرة، لكنها لم تفعل شيئًا من ذلك، مع أنها تصف نفسها دائمًا بأنها الجارة الصديقة الوفية لبنغلاديش.

إلا أن هذه الصداقة لا تتجاوز أبدًا التصريحات والبيانات، وقد ظهرت العداوة والبغضاء من الهند لبنغلاديش في الحقبات الماضية، وهي مستمرة إلى يومنا هذا، ظهرت العداوة في قتل العزّل من البنغال في الحدود، وفي سلوك القادة والزعماء السياسيين، ولا أريد الحديث عن ذلك اليوم، بل أسرد للقارئ جوانب خفية من السيطرة الهندية على مياه بنغلاديش، وكيف أنها تتصرف بأنهارها كما تشاء.

قلّ تدفق المياه في نهر بادما بمعدل 60% بعد تشييد سد فاراكا كما ذكر في التقارير، وبذلك تصحرت 30% من الأراضي الزراعية في بنغلاديش، كما أن الأنهار المتشعبة من نهر بادما قل تدفق المياه فيها، وتملحت الأراضي وموارد المياه الأخرى

تقع بنغلاديش في مناطق سفلية، بينما الهند ونيبال والتبت تقع في مناطق علوية، وفيها السلسلة الجبلية المعروفة "الهيمالايا"، ومنها نشأت أنهار كثيرة معروفة، من الغانج وبراهمابوترا وتيستا، وبين الهند وبنغلاديش 54 نهرًا مشتركًا، وكان من مقتضيات القوانين الدولية أن تكون حصص مياه هذه الأنهار متقاسمةً بالعدل والإنصاف، وألا تتصرف أية دولة (الهند وبنغلاديش) إلا بالإذن والرضا من الأخرى.

لكن الهند لم تلتزم بذلك في غالب الأحيان، فقد بنت على 30 من هذه الأنهار أنواعًا مختلفة من السدود ومشاريع الري والطاقة، فهي تخزن المياه وتصرفها في الأنهار الجارية في داخل الهند، وبذلك تستأثر الهند بالأنهار المشتركة بين البلدين، بل "تسرق" مياه بنغلاديش، كما صرح بذلك الخبراء في بنغلاديش.

في عام 1975 شيدت الهند سد فاراكا على نهر الغانج، في مرشد آباد من ولاية بنغالا الغربية، ثم طلبت من حكومة بنغلاديش أن تسمح لها بتشغيل السد لعشرة أيام فقط، وأذنت الحكومة ولم تدرك ما تخفي الهند، وبعد حصول الإذن، لم تكفّ الهند عن "سرقة المياه" إلى يومنا هذا، وبذلك أصابت 18 محافظة من مناطق غربي جنوب بنغلاديش أضرارٌ متنوعة وفادحة.

فقد قلّ تدفق المياه في نهر بادما بمعدل 60% بعد تشييد سد فاراكا كما ذكر في التقارير، وبذلك تصحرت 30% من الأراضي الزراعية في بنغلاديش، كما أن الأنهار المتشعبة من نهر بادما قل تدفق المياه فيها، وتملحت الأراضي وموارد المياه الأخرى، ونتيجة ذلك انتشرت الأمراض الناتجة عن تلوث المياه بين سكان تلك المناطق، وتضررت النساء بصورة متزايدة، حسب ما نشر في التقارير المحلية والدولية، كما أن العاملين في الزراعة والملاحة وصيد الأسماك أُجبروا على الهجرة الداخلية تاركين حِرفهم المحلية.

ظهر نقص شديد في الثروة السمكية، وبذلك فقد الصيادون مصادر أرزاقهم، كما أن النهر أثّر سلبًا على صحة السكان في شمالي بنغلاديش، حيث يعجزون عن تناول لحوم الأسماك بالقدر الكافي المطلوب

وهذه المشكلات ذاتها ظهرت بعد تشييد الهند سد "غوجلدوبا" على نهر تيستا، عام 1998، ويمكن أن يسمى هذا السد بـ"ألم سكان شمالي بنغلاديش"، ففي موسم الجفاف تحرم الهندُ بنغلاديش من المياه المستحقة لها، فتصير الأراضي الزراعية صحراء قاحلة، وفي موسم الأمطار كثيرًا ما تفتح السد على بنغلاديش، فتحدث الفيضانات العارمة.

وقد قال الناشط محمد فريد الإسلام، العضو في "حركة البيئة في بنغلاديش"، للأناضول: إن "نهر تيستا فقد قدرته على الاحتفاظ بالمياه وتسبب في تآكل التربة والتصحر على ضفتيه.. إن تآكل النهر تسبب أيضًا في فقر طويل الأمد". وأضاف أن الوضع أدى أيضًا إلى الهجرة الداخلية، حيث بدأ السكان يفقدون سنويًا منازلهم وأراضيهم الزراعية المتاخمة لضفتَي النهر، وكذلك انخفض الإنتاج الزراعي بالفعل بنسبة من 30% إلى 50% في المناطق الشمالية؛ بسبب التصحر الناجم عن التحكم بالمياه في أعلى النهر".

وكذلك ظهر نقص شديد في الثروة السمكية، وبذلك فقد الصيادون مصادر أرزاقهم، كما أن النهر أثّر سلبًا على صحة السكان في شمالي بنغلاديش، حيث يعجزون عن تناول لحوم الأسماك بالقدر الكافي المطلوب. وإضافة إلى ما ذُكر، فقد انخفض مستوى المياه الجوفية في هذه المناطق؛ بسبب الاعتماد عليها لسقي الأراضي الزراعية، حسب التقارير المحلية.

ونرى السيناريو ذاته في الجنوب الشرقي من بنغلاديش، حيث استمرت السيطرة الهندية على عدد من الأنهار، ومن أبرز ذلك ما تفعله الهند في نهر "فيني"، حيث تمارس الاستبداد والتحكم، فترفع المياه بأكثر من 34 مضخة رفع منخفضة، بينما تسمح الاتفاقية في 2019 بين البلدين بتشغيل مضخة رفع واحدة فقط، لكن الواقع أن الهند وقوات حرس الحدود الهندية لا يبالون بالاتفاقية ولا بالقوانين الدولية، بل إن الهند تمنع البنغاليين من استخدام المياه المستحقة لهم، وبذلك يعم الجفاف في القنوات، وموارد المياه في تلك المنطقة، فتتضرر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ويتضرر المزارعون بشكل لا يُتصور!

لم نفقد الأمل، فالأحزاب السياسية نهضت من جديد، وجعلت تندد برفع عدوان المياه، وتدفع للحدّ من السيطرة الهندية على الأنهار المشتركة بين البلدين، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا

ولا تنتهي السيطرة الهندية على مياه بنغلاديش هنا، بل اتخذت الهند مشاريع أخرى لتتحكم أكثر بالمياه، حيث بدأت بتنفيذ الخطط لزيادة نسبة تحويل مياه نهر تيستا، كما أنها بدأت في بناء "سد تيباي موكه"، على نهر "باراك"، وهذا المشروع إن تم تشييده فسيكون وبالًا على حياة ملايين من البشر، الذين يعيشون على الزراعة وصيد الأسماك.

وهنا يبقى السؤال: لماذا تتصرف الهند مع بنغلاديش، في تقاسم مياه الأنهار المشتركة، بهذه الصورة، وتجعلها خاضعة محكومة، محرومة من حصصها العادلة؟ بينما تتصرف مع الصين وبوتان ونيبال وباكستان، في القضية نفسها بصورة جيدة؟

والإجابة عن هذا السؤال ليست بصعبة، إنه الضعف في سياسة بنغلاديش الخارجية، والحق أن الحكومات منذ استقلال بنغلاديش لم تكن صارمة في تحصيل حقوقها من الهند إلا نادرًا، بل كانت حكومة "رابطة عوامي" موالية وخاضعة للمصالح الهندية بصورة مذلة. وهذه الدبلوماسية السيئة جعلت الهند جريئة إلى هذه الدرجة.

ولم نفقد الأمل، فالأحزاب السياسية نهضت من جديد، وجعلت تندد برفع عدوان المياه، وتدفع للحدّ من السيطرة الهندية على الأنهار المشتركة بين البلدين، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان