شعار قسم مدونات

الفعل الماضي للإشارة إلى المستقبل في القرآن

داعية إسلامي: لهذه الأسباب لا تبدأ تحفيظ أطفالك القرآن بجزء عمّ
عدم استخدام الشرط في الدعاء فيه من التأدب مع الله (شترستوك)

يأتي هذا المقال لمناقشة بعض ما ورد في التفاسير والتآويل والاجتهادات، التي حاولت فيما مضى تعليل استخدام الفعل الماضي في الإشارة إلى الأحداث المستقبليّة التي أخبر بها القرآن الكريم، ووردت في عدد من آياته.

ولكي لا أطيل، أقول: لقد ذكر الله، تعالى، في محكم التّنزيل مواقف وأحداثًا وتفاصيل ستقع يوم القيامة، وقد استعاض لوصفها عن المضارع والمستقبل بالفعل الماضي، منها على سبيل الذكر: ونُفِخ في الصّور فجمعناهم جمعًا، وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا، وعُرِضوا على ربّك صفًّا، ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار.. إلخ.

إن لم تكن ثمة إرادة تفوق وتعلو إرادة الفاعل أو القائل، تمنع الحدث من أن يحدث، فاستخدام الفعل الماضي للإشارة إلى وصف ما سيقع في المستقبل أمرٌ مقبول، ومنطقي جدًا

وفي الحقيقة أنّ أحدًا قبل ساعة نشر هذا المقال، لم يأتِ على ذكر تعليل ترتاح له النفس لهذا الاستعمال، والسبب الذي أراه من جهتي بسيطًا وبديهيًّا، ومدعاة للنظر إلى بعض المسائل اللغوية بعين ثاقبة وواعية دون تعقيد ومبالغة.

فالمسألة برمتها تتعلق بالإرادة وحسب، لا علاقة لها بصفة الله، تعالى، من أنّه عالم الغيب والشهادة، وأنّه علِم ويعلم ما كان وما سيكون، وأن الأحداث وفق علمه حدثت وانتهت. حتى إن البعض شطح بالقول والتفكير فخلط الأمور ببعضها، ليستشهد بنظرية النسبية، وليسقط مفهوم الزمن فيها، في محاولة لتعليل هذا الاستعمال.

أما قاعدة الإرادة هذه فتقول: إن لم تكن ثمة إرادة تفوق وتعلو إرادة الفاعل أو القائل، تمنع الحدث من أن يحدث، فاستخدام الفعل الماضي للإشارة إلى وصف ما سيقع في المستقبل أمرٌ مقبول، ومنطقي جدًا.

وأضرب مثلًا هنا: هب أنّ إنسانًا أراد السفر من مكان إلى آخر، وقد توفرت له كل الإمكانات والسبل، من وسائل نقل خاصة وأموال وغيرها ليسافر، وأراد هذا الذي حزم أمتعته أن يخبرنا أنه حين يصل وجهته سيزور صديقًا قديمًا له، فيقول: "إن (وصلت) وجهتي فسأزور صديقي فلانًا"، ولو أمعنّا النظر في جملته، لوجدنا أنّ هذا الشخص قد استخدم مع الفعل الماضي الشرط (أداة الشرط)، أي أنه بعبارة أخرى، وفي بعد ما، وضع احتمال عدم حدوث ذلك.

إذ إنه يدرك أنّ هنالك إرادة ما تعلو إرادته قد تمنع الحدث من أن يحدث، كإرادة الظروف والأحوال السياسية والاجتماعية، المرض والموت، الكوارث الطبيعية والحوادث، إرادة الإنسان الآخر كذلك تدخل في صميم ذلك الاحتمال، وغيرها إلى أن تصل السلسلة إلى الإرادة العليا المطلقة، وهي إرادة الخالق عز وجل.

عدم استخدام الشرط في الدعاء فيه من التأدب مع الله والاعتراف والاستسلام لقوته وحكمه وسلطانه

إذًا فالمسألة واضحة، لا تحتاج إلى كل ذلك التعسف في التأويل، فالله، تعالى، صاحب الإرادة العليا المطلقة، يستخدم الفعل الماضي ليصف أحداثاً ستقع في المستقبل، لأنه وببساطة، لا إرادة تعلو إرادته تمنع الحدث من أن يحدث.

والجدير بالذكر هنا، أنّ هنالك حالة واحدة استثنائية يستخدم فيها الفعل الماضي بهذه الصورة لكن دون الشرط، ألا وهي الدعاء، وتعليل ذلك يخضع كذلك للقاعدة ذاتها، أن الإنسان متى قال "رحم الله فلانًا" -على سبيل المثال- فإنه يدعو من له الإرادة العليا المطلقة، وفي هذا تعبير عن إيمانه بحقيقة خالقه صاحب الإرادة المطلقة والقول الفصل، وعن تضرعه وتوسله إليه وأمله بأن يرحم ويغفر.. علاوة على ذلك، فإن عدم استخدام الشرط في الدعاء فيه من التأدب مع الله والاعتراف والاستسلام لقوته وحكمه وسلطانه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان