حياة البرزخ هي حياة متوسطة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، فهي أول منازل الآخرة التي فيها نعيم أو عذاب، وتكون بداية هذه الحياة حينما تقبض روح الإنسان، وتستمر حتى يُبعث الإنسان وتقوم الساعة، وإنّ ما يحصل في هذه الحياة لا تُعلم تفاصيله على الحقيقة؛ لأنها من علم الله تعالى، قال تعالى: ﴿ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون﴾ [المؤمنون: 100].
وجاءت النصوص بإثبات الحياة في البرزخ، وهي حياة تخالف الحياة المعهودة في الدنيا، فالله، سبحانه، جعل الدُّور ثلاثًا: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكلّ دارٍ أحكامًا تختصّ بها، وركّب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبعًا لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعًا لها.
الحياة في البرزخ تكون مغايرةً للحياة في الدّنيا، وللروح فيها تعلق بالبدن، وإن فارقته في وقت، ردّت إليه في وقت آخر، مثل وقت السّؤال، أو النّعيم والعذاب، وعند سلام المسلم عليه، ولا يعلم حقيقة هذه الحياة إلا الله
القبر أول منازل الآخرة
تبدأ حياة البرزخ مع نزول الإنسان إلى قبره، فالقبر أول منازل الآخرة، قال رسول الله ﷺ: «إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشد منه» [الترمذي رقم (2461)]، وقال رسول الله: «ما رأيت منظرًا قط إلا القبر أفظع منه». [الترمذي رقم (2308)].
ومما ينبغي أن يُعلم أنّ عذاب القبر ونعيمه، اسمٌ لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون* لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلّا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون﴾ [المؤمنون: 99 ـ 100].
والحياة في البرزخ تكون مغايرةً للحياة في الدّنيا، وللروح فيها تعلق بالبدن، وإن فارقته في وقت، ردّت إليه في وقت آخر، مثل وقت السّؤال، أو النّعيم والعذاب، وعند سلام المسلم عليه، ولا يعلم حقيقة هذه الحياة وكيفيّتها إلا الله، والمسلم سواءً أكان عاصيًا أم لا، فإنّه لا بدّ أن يمرّ في مرحلة البرزخ، ويكون فيها إمّا منعّمًا أو معذّبًا، حتى يبعثه الله سبحانه وتعالى.
فتنة القبر عامة يتعرض لها البشر كافة، إلا من يصطفيه الله، فالله ينجّي الشهيد، ومن مات مرابطًا في سبيل الله يدافع عن حرماته، وكذلك الرسل والأنبياء، وتعددت أقوال أهل العلم في سؤال الملكين
كيف يعيش الميت أول ليلة في القبر؟
أوّل ليلة للميّت هي أوّل حياة البرزخ، فالليلة الأولى التي يقضيها الإنسان في القبر تتعدّد فيها الأحداث، فيتعرّض الإنسان فيها لفتنة القبر، وسؤال الملكين، فيُسأل عن ربّه وعن دينه وعن نبيّه، فيثبت المسلم ويجيب: الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمّد ﷺ نبيّي.
وفي (الصحيحين) عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال النبيّ ﷺ: «العبد إذا وضع في قبره، وتولّى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد، صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيُقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعًا، وأما الكافر – أو المنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيُقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين».
وفتنة القبر عامة يتعرض لها البشر كافة، إلا من يصطفيه الله، فالله ينجّي الشهيد، ومن مات مرابطًا في سبيل الله يدافع عن حرماته، وكذلك الرسل والأنبياء، وتعددت أقوال أهل العلم في سؤال الملكين؛ منكر ونكير لغير المكلف كالصغير، فقال البعض: يُسأل؛ لعموم الأدلة، وذهب البعض الآخر لعدم سؤاله؛ لعدم تكليفه.
وقال كثير من أهل العلم إن النعيم والعذاب يحدثان على روح الإنسان، وقد تتصل بعض الأحيان بالأبدان، وإن العذاب على الكافرين يبقى مستمرًا، أما بالنسبة للمؤمنين فذلك يعود إلى نسبة ذنوبهم، وإن النعيم على المؤمنين هو الظاهر والمستمر، وبذلك يتم وعد الله لهم.
يختلف عذاب العصاة من المؤمنين، فمنهم من يعفو الله عنهم فلا يعذبهم في قبورهم، ومنهم من تكون معاصيه صغيرة، فيعذبون بقدرها، ثم يرفع عنهم العذاب، وقد ينقطع أو يرتفع بدعاء أو صدقة أو استغفار أو ثواب حج، أو غيرها من أعمال الخير
نعيم القبر
قال الله تعالى: ﴿إنّ الّذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون﴾ [فصلت: 30]. فالمؤمن يحصل على نعيم القبر، حيث يُفتح للمؤمنين باب من أبواب الجنة، وتوسع عليهم قبورهم فلا يشعرون بمدى ضيقها أو سوء الحال فيها، ويأتيهم من نعيم الجنة ما تقرّ به عيونهم ويرضون به، ويفرحون بما آتاهم الله من فضله.
عذاب القبر
يختلف عذاب العصاة من المؤمنين، فمنهم من يعفو الله عنهم فلا يعذبهم في قبورهم، ومنهم من تكون معاصيه صغيرة، فيعذبون بقدرها، ثم يرفع عنهم العذاب، وقد ينقطع أو يرتفع بدعاء أو صدقة أو استغفار أو ثواب حج، أو غيرها من أعمال الخير، ومنهم من تكون معاصيه كبيرة، فيستمر به العذاب لقول النبي ﷺ: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء، خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». [البخاري رقم (3485)]. وأما الكافر أو المنافق فيستمر عذابه إلى يوم القيامة ولا يتوقف، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿النار يُعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم السَّاعة أدخلوا آل فرعون أشدَّ العذاب﴾ [غافر: 46].
وفي حديث البراء بن عازب: «ثم يُفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة». [مسند أحمد رقم (15834)]
الحكمة من عذاب القبر ونعيمه
- إظهار فضل الله، تعالى، على عباده المؤمنين الصالحين في تنعيمهم في الحياة البرزخية، وإذلال وتعذيب المكذبين العاصين، والعياذ بالله.
- إظهار قدرة الله، تعالى، في تعذيب العصاة والكافرين، وتنعيم المؤمنين الصادقين في القبر دون أن يشعر بذلك سائر البشر.
- التحذير من بعض الذنوب والمعاصي، والتي يكون لها عقوبات خاصة تناسبها، كعدم التنزه من البول، والنميمة وغير ذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.