شعار قسم مدونات

معترك الحالمين بمجدهم.. الحاضر المؤلم للأمة الإسلامية

blogs الأمة الإسلامية
ما هي العلاقة التي تربط المغرب العربي بمسلمي شرق آسيا؟ (رويترز)

إن انبلاج آفاق التضحيات على مسارها الأممي والحضاري، ووجوب التحرك للوقوف يدًا صامدة مع كل عناصر النسيج الاجتماعي، لهو مبتغى ومنال يرويه لنا التاريخ في صورة صعبة ملطخة بالدماء، فلطالما كان الواجب الإنساني والحضاري، وداخل مقامه الديني، يدعو إلى مساندة الشقيق والأخ، ومساندة البعض للكل والكل للبعض، على كافة الصعد، المعنوية والمادية والروحية الاجتماعية، وغيرها.

الأمة الإسلامية تآكلت بوصلتها ورسالتها، وهذا لا يخفى على أحد، وأقول هنا الأمة لا الدين، فالدين محفوظ بحفظ الله له، ولكننا دائمًا عندما نناقش القضية نأخذ في الاعتبار أن النسيج الاجتماعي للأمة محفوظ وموجود

ولطالما كان البشر متسائلين – وبالذات أولئك الأقل حيلة ومقدرة- عن طريق مد يد العون، بمختلف الدوافع لكل واحد منهم، إلا أن الوقائع التاريخية الماضية بين طياته تقول إن هذا العون كان مباشرًا حتى خارج حدود المقدرة، وإن المسألة فداء أكثر مما هي عون ودعم، فداء لهدف ورسالة، وغاية وضمير حي وشرف لا يبور، إلا على خسارة حاسمة لا تبقي ولا تذر.. فهل بات الأمر اليوم صعبًا؟ وهل تغيّرت القيم الإنسانية الأصيلة؟ وهل تطغى علينا الجغرافيا؟ وهل بات أمجادٌ عتاةٌ أجدادًا للحالمين بمجدِهم؟!

لا شك أن الأمة الإسلامية تآكلت بوصلتها ورسالتها، وهذا لا يخفى على أحد، وأقول هنا الأمة لا الدين، فالدين محفوظ بحفظ الله له، ولكننا دائمًا عندما نناقش القضية نأخذ في الاعتبار أن النسيج الاجتماعي للأمة محفوظ وموجود، لا بل وموزون الأركان، وإنما الحاصل هو فقط تشتيت للوجهة وتغييب للأولويات والأدوار الفاعلة، ولكن السؤال الذي نهاب طرحه: هل لا يزال نسيج الأمة موجودًا؟

إن كان الجواب "نعم"، فهناك لـ"نعم" هذه إذًا أدلة، فمثلًا لو قلنا إن الدليل هو مليارا مسلم حول العالم، فنقول باختصار شديد، لا يعني كونك مسلمًا أنك ابن الأمة الإسلامية بالضرورة! وإن قلنا الدليل في وجود الإسلام، فقد قلنا سابقًا إن حفظه من الله لا منا. أما إن كان الجواب "لا"، ظاهريًا ماديًا أو معنويًا (ظاهرًا أيضًا)، فهنا نسأل: ما محددات وقواعد وجود الأمة من عدمها؟

والجواب البسيط المباشر ثلاث نقاط منهجية؛ الأولى وجود نسيج لشبكة علاقات اجتماعية متماسك، ووجود أصول فكرية وثقافية تحافظ على ديمومته، والثانية هي وجود علاقة اتصال متماسكة ومتناسقة مع كافة عناصره، وعدم وجود الثانية لا يؤكد عدم وجود أمة (بشكلها المادي الوجودي)، ولكنه ينفي استقرارها ويثبت لها حالة الاضطراب، فتكون بذلك (أمة مضطربة العناصر). والنقطة الثالثة والأهم هي معرفة حدود هذا النسيج الأممي، والثالثة هذه هي التي تحقق النقطتين السابقتين، وآثارهما على أرض الواقع.

في أميركا، بلد الديمقراطيات والأحلام (ظاهريًا)، وبلد الأحكام المعلبة المؤنسنة والدكتاتورية العالمية والاحتكار الرأسمالي (باطنيًا)، فجوة كبيرة غير مسبوقة بين القاعدة الشعبية، وهذه المرة مع النظام السياسي ككل ومع منهج عمل النظام بشكل كامل

أما عن مفهوم دراسة وجود فجوة في مجتمع من المجتمعات، فهذا يرجع إلى حجم العلل الحاصلة في نسيج ذلك المجتمع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو أردنا دراسة الفجوة داخل نسيج المجتمع الأميركي، فالفجوة التي يعانيها ذلك النسيج ويعيشها، منبعها سببان اثنان.

الأول هو أن فكرة "العدو المشترك"، هي ما يوحد المجتمع الأميركي تحت راية واحدة، وعلى كل نظام سياسي منتخب كل أربع سنوات أن يقوم بما يلي حين تسلّمه: إظهار عدو مشترك؛ فمرة هو روسيا ومرة الصين، ومرة الإسلام ككل، ومرة العراق وأفغانستان، وغير ذلك. ومن بعد إدارة بوش الابن، صار يُتطلب أيضًا إظهار من تريده أميركا إرهابيًا منحطًا، ومن تريده صانعًا للسلام والتقدم.

إن نظرة خاطفة على هذا الهيكل الركيك الذي يحمل الولايات المتحدة بـ 331 مليون أميركي تقريبًا، تُظهر أن الإشكال كبير جدًا ولن يؤدي إلا إلى "انهيار" الحلم الأميركي الذي سوقت له هوليود والأحزاب السياسية، وحتى المنظمات الحقوقية والاجتماعية، بشكل مباشر وغير مباشر، ولا حاجة للإشارة إلى دور الصهيونية فيها، وخصوصًا هوليود.

ويمكن للمهتم الرجوع إلى ما كتب في ذلك من مقالات وكتب، كذلك تمكُّن أيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) من فرض قرار سياسي، داخلي وخارجي، ومد نفوذها في الولايات المتحدة، وسيطرتها على بواطن كثيرة لديها في صناعة القرارات، السياسية منها والعسكرية وحتى في بعض الشؤون الاقتصادية.

كان يظهر لصناع القرار هناك استقرار – ولو هيكليًا – في مجريات العمل، نظرًا لقوة هذا التيار السياسي وسلطته حول العالم.

وفي أميركا، بلد الديمقراطيات والأحلام (ظاهريًا)، وبلد الأحكام المعلبة المؤنسنة والدكتاتورية العالمية والاحتكار الرأسمالي (باطنيًا)، فجوة كبيرة غير مسبوقة بين القاعدة الشعبية، وهذه المرة مع النظام السياسي ككل، ومع منهج عمل النظام بشكل كامل، وليس فقط مع أحزاب متناحرة، تتباهى بمن يقدم انحلالًا وتخلخلًا أكثر لقيم وهيكل المجتمع.

ما هي العلاقة – مثلًا – التي تربط المغرب العربي بمسلمي شرق آسيا، أو ما العلاقة التي تربط بين بلاد الشام ومسلمي الإيغور في الصين أو مسلمي شبه القارة الهندية بأكملها؟

وبالعودة إلى الأمة الإسلامية والنقاط الثلاث، هل يوجد للأمة نسيج متماسك لشبكة العلاقات الاجتماعية؟ الجواب: لا.. لا على المستوى السياسي ولا الاجتماعي، أما الأصول الفكرية والثقافية التي من المفترض أن تحافظ على ديمومتها فهي مهمشة، تحت غطاءات قومية واهية ذات مصالح شخصية لأصحابها، وهي لا تتعدّى حدود الشعارات على أرض العمل.

وهل هنالك علاقة اتصال متماسكة ومتناسقة مع كافة عناصر الأمة الإسلامية؟ وهنا أذهب إلى النقطة الثالثة مباشرة.. ما هي حدود "النسيج الأممي" للأمة الإسلامية، ومن ينتمي إليها مع كل الصراعات الدائرة بين المسلمين بمختلف مذاهبهم وتياراتهم؟ فما هي العلاقة – مثلًا – التي تربط المغرب العربي بمسلمي شرق آسيا، أو ما العلاقة التي تربط بين بلاد الشام ومسلمي الإيغور في الصين أو مسلمي شبه القارة الهندية بأكملها؟

المشهد – بكل ما فيه – ليس وصفًا لظاهرة منتشرة، بل هذه برمجية ومنهجية تسري في كامل النظام الاجتماعي والحضاري، تؤثر عليه اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وتغير مسار القوى وتضبط الموازين داخل المجتمع نفسه، وتؤثر بالتالي على كل عناصره، وليس عجيبًا أن ترى في التراث الإسلامي في عصر النبوة والخلفاء -مثلًا- تماسكًا تعدى حدود الدنيا إلى حدود الآخرة، فمسألة كالموت والحياة، كالإيمان والإنكار، كالعجز والقوة، بل والفوز والخسران، تأخذ هناك نوعًا آخر من التفسير، وقيمة أخرى من الاعتبار؛ لأن علاقة النسيج ببعضه أكبر من أبعاد المصالح الإستراتيجية الذاتية.

في مثل هذا النسيج الذي لا يرى غير بصيرة واحدة، كيف ستنفع معه مثلًا اللعبة الدبلوماسية التي أرهقنا بفاعليتها كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي السابق)؟ دون أن يكون الكلام الذي تقبله هي لنفسها ولغيرها واضحًا صريحًا والمطلوب مقصودًا، والمقصود موجودًا، لأنه- باختصار- نظام آمن بنفسه فاستقامت له طريقته، وكانت له أمجاد ظاهرية واضحة في الرواية والتفسير والإطار، لا كما عليه الحالمون اليوم بمجدهم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان