ليس جديدًا على الاحتلال استهدافُ الأطفال والنساء الفلسطينيين، سواء بالقتل أو الاعتقال، وليس ذلك مستغربًا في فكر الاحتلال الذي يرتكب جرائم حرب إبادة وضد الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، حيث وضعت قوات الاحتلال الصهيوني، منذ النكبة في عام 1948، إستراتيجيات اقتلاعية واحتلالية واضحة تجاه من بقي في فلسطين التاريخيّة.
نجد أن السنوات التي يشنّ فيها الاحتلال عدوانه على قطاع غزة تتضاعف فيها أعداد الشهداء من الأطفال والنساء مقارنة مع غيرها من السنوات
هذه السياسة مستمرة إلى اليوم، وهذا الفكر قائم على الإبادة والتطهير العرقي، وهذا ما يحدث الآن في العدوان على قطاع غزة؛ فجنود الاحتلال يواصلون قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولا تضبط سلوكَهم قواعد أخلاقية ولا قيم إنسانية. وبالنظر إلى سجل جرائم الاحتلال على مرّ أيام وجوده الطارئ، نجد أن هذا الاحتلال ليس له علاقة بالإنسانية، ومن خلفه فتاوى متطرفين، تُبيح سفك دماء الأطفال والنساء خوفًا منهم، ومن سيرهم على نهج آبائهم في الدفاع عن الأرض والحق الفلسطيني، وبالتالي يرون ضرورة القضاء على النسل الفلسطيني، والجيل الجديد من المقاومة الفلسطينية.
استهداف الأطفال والنساء
لطالما شكل أطفال ونساء فلسطين وقطاع غزة هدفًا واضحًا وصريحًا لجيش الاحتلال، ونجد أن السنوات التي يشن فيها الاحتلال عدوانه على قطاع غزة تتضاعف فيها أعداد الشهداء من الأطفال والنساء، مقارنة مع غيرها من السنوات، وهذا يدلّل على حجم الإجرام الذي تستخدمه آلة الحرب في عدوانها، وأُضيف لها بُعد جديد بعد عملية "طوفان الأقصى" عندما ركّز الاحتلال على استهداف المنازل الآمنة.
وأغلب المنازل فيها أطفال ونساء، وهو يقصفها بالصواريخ والقنابل، لإحداث أكبر ضرر بهم ودفعهم للتهجير، لأن العامل الديمغرافي مؤثر جدًا في الوجود على الأرض الفلسطينية، والاحتلال يريد أن يكون تعداده أكثر من الفلسطينيين؛ لأن كثرة السكان الفلسطينيين ستشكل خطرًا حقيقيًا على وجوده، إضافة إلى أن الاحتلال يقصف بعشوائية، ويريد بذلك إرهاب الشعب الفلسطيني، ولا يريد أن يخرج جيل جديد من المقاومين.
ذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق يوم الثلاثاء 13 أغسطس/ آب 2024، مقتل الرضيعين، آسر وأسيل محمد أبو القمصان، وهما توأمان لم يتجاوز عمرهما أربعة أيام، حيث استشهدا مع والدتهما "جمان" وجدتهما في قصف الاحتلال الذي استهدف شقة سكنية في دير البلح وسط غزة
تقرير المرصد الأورومتوسطي عن أطفال غزة
يوضح تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إحصاءاته تُظهر قتل قوات الاحتلال لـ 2100 رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، ضمن نحو 17 ألف طفل قتلتهم في قطاع غزة منذ بداية جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وذكر أن عدد الأطفال الفلسطينيين، سواء الأطفال الرُضع أو الأطفال عمومًا، الذين قتلهم جيش الاحتلال مُفزع وغير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب، ويعبر عن نمط خطير قائم على نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة، باستهدافه الأطفال على نحو متعمد ومنهجي وواسع النطاق ودون توقف، منذ أكثر من عشرة أشهر، وبأكثر الطرق وحشية وأشدها فظاعة.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن العديد من الأطفال تقطعت رؤوسهم وأعضاء أجسادهم بفعل القصف شديد التدمير على تجمعات المدنيين، وبخاصة المنازل والمباني والأحياء السكنية ومراكز الإيواء وخيام النازحين قسرًا، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد التمييز والتناسب والضرورة العسكرية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق يوم الثلاثاء 13 أغسطس/ آب 2024، مقتل الرضيعين، آسر وأسيل محمد أبو القمصان، وهما توأمان لم يتجاوز عمرهما أربعة أيام، حيث استشهدا مع والدتهما "جمان" وجدتهما في قصف الاحتلال الذي استهدف شقة سكنية في دير البلح وسط قطاع غزة. وأشار إلى أن والد الطفلين كان خرج لاستخراج شهادة ميلاد لطفليه حديثي الولادة، وعاد إلى الشقة ليجدها مدمرة، وقد قُتل جميع أفراد أسرته.
وأبرز الأورومتوسطي أن الجيش "الإسرائيلي" يمتلك تكنولوجيا متطورة، وهو يعلم في كل مرة يستهدف فيها منزلًا أو مركز إيواء مَن داخله مِن المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، ومع ذلك يقصفها بصواريخ وقنابل ذات قدرة تدميرية كبيرة، متعمدًا بذلك إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في أرواح المدنيين وإحداث الإصابات الشديدة، بدلالة النمط المتكرر والمنهجي وواسع النطاق للاستهداف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة، والأسلحة شديدة التدمير والعشوائية، وبخاصة ضد المناطق ذات الكثافة السكانية المدنية العالية.
وشدد الأورومتوسطي على أن حالة الرضيعين "آسر" و"أسيل"، هي حالة متكررة، فيوميًّا يُسجَّل ضحايا من الأطفال، وبينهم أطفال رضع.
ما نراه من حرب إبادة في قطاع غزة شاهد على جرائم الاحتلال دون اكتراث بحماية الأطفال والنساء، حيث لا تمر ساعة واحدة إلا ونرى أطفالًا قد ارتقوا شهداء، مع أهلهم
تنكُّر الاحتلال للقانون الدولي
قائمة جرائم الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية كثيفة، بدأت منذ سنوات، وأضاف لها أبعادًا جديدة في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فهي جرائم حرب مركّبة من خلال استهداف منازل بداخلها أطفال ونساء، في انتهاك لكل معايير الحماية التي أقرتها اتفاقية جنيف الرابعة للأطفال والنساء، واتفاقية روما التي تعتبر استهداف الأطفال جريمة حرب، وخاصة أن الاحتلال يتنكر لكل قواعد القانون الدولي والإنساني، ويمارس إرهابًا منظمًا، ولا يكترث كثيرًا لحماية الأطفال والنساء الواجبة وفقًا للقانون الدولي والإنساني.
ما نراه من حرب إبادة في قطاع غزة شاهد على جرائم الاحتلال وممارسته إرهابًا منظمًا، دون اكتراث بحماية الأطفال والنساء، حيث لا تمرّ ساعة واحدة إلا ونرى أطفالًا قد ارتقوا شهداء، هم وأهلوهم.
تبقى الحقيقة التي يجب أن يعلمها الاحتلال ومعه دول العالم المتواطئة، أن "شعب فلسطين سيبقى عزيزًا متجذرًا بأرضه وأرض آبائه وأجداده، وأن فلسطين مباركة وولّادة، وسيكون لأطفال فلسطين ونسائها كلمة السر في النصر والتحرير والعودة".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.