من بين النّاس شريحة خاصة توصف بالتميّز، ففيها خير من أنجبتهم الحياة، فلماذا لا نفكّر في التميز؟ أليس المضمار مفتوحًا للجميع؟ بعض الناس يثبطون أنفسهم، ويقتلعون أشجار تطلعاتهم من الجذور بكلمة "مستحيل"، غير أنّه "لا مستحيل على الشمس"، فلماذا لا نتقمّص دور الشمس لنذيب شموع المستحيلات؟
لماذا لا نسعى؟ لماذا الاستسلام في بداية الطريق؟
أليس من يكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له؟
أضحكتني عبارة قرأتها تقول: "كل شيء يصير، حتى الفيل يطير"، وأنا بدوري أضيف وأقول: "حتى الغراب يستطيع الغناء!!". والسؤال الحقيقي: هل يستطيع الغراب بالفعل أن يحقق النجاح في الغناء؟ قد يضحك البعض لمجرد طرح السؤال.. لنفترض أننا غربان، هل بإمكاننا التألق في الغناء؟ هناك فيلم اسمه "أغنية الغراب"، فهل للغراب أن يتميز في أغانيه؟ من يدري؟ ربما حقق الغراب تميّزًا وأصبح نجم الفرقة ليدهش الجميع، لا سيما إذا علمنا أنّ بعض الغربان تمتلك الإصرار، والإصرار يصنع المعجزات! فإذا كان ذلك ممكنًا، فلماذا لا نكون ذلك الغراب الافتراضي الفريد؟
هل سمعت بوجود غراب أبيض؟ لا تندهش فهناك غراب أبيض، ولقد شاهدت صورته بنفسي، ولك أن تتحقق.. تقول المعلومة التي قرأتها إن هناك غرابًا أبيض في أنكوراج، في ألاسكا، وهو مشهد نادر للغاية! وإحصائيًا، يولد كذلك 1 من كل 30 ألف غراب.. فإذا أمكن للغراب أن يكون أبيض أو يتقن الغناء، فلماذا لا نكسر القاعدة ونفوز في التحديات؟.
إذًا، ابتكِر لك تحديًّا وحقق الفوز، اضرب جسور تطلعك إلى مدينة الأحلام، علق خيوط إرادتك لتسلُّق قمم الجبال، أليس في كل عام يولد فائز؟ لماذا لا تحرك بيادقك لتكون أنت!. إذا لم تنجح يكفيك شرف المحاولة، فعباس بن فرناس ساهم في تحقيق معجزة الطيران.. يقول الشاعر:
على المرء أن يسعى بمقدار جهده .. وليس عليه أن يكون موفقًا
لماذا لا نسعى؟ لماذا الاستسلام في بداية الطريق؟ أليس من يكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له؟ إنّ ما ننصح به هو صناعة صندوق ادخار، اصنع لك صندوقًا من خشب أو من ورق أو من علبة حلوَيَات فارغة، ليمدَّك هذا الصندوق بالوقود لحظة الانطلاق، وإليك الحكاية.
الحكمة تقول: حتى إذا تحطمت بك سفينة الآمال، وأصبحت في وسط بحر اليأس، هناك يد ما ستساعدك وتمد إليك أناملها من وراء حجاب، هناك لوح خشب يطفو على السطح، هناك طوق نجاة!
يحكى أن كريمًا كان لديه صندوق خشبي يجمع فيه مدخراته ليتزوج ويبني له بيت العمر.. وبالفعل تزوج وبنى له بيتًا، وأنجب أربعة أبناء، غير أنه خسر بيته في أحد المشاريع حين أراد التوسعة على عائلته، ما اضطره للعيش مع والديه، وهكذا بدأ من الصفر. استمر في فكرة الادخار حتى تمكن من شراء شركة دفع نصف قيمتها من صندوقه الخشبي، على أن يسدد ربع القيمة لاحقًا بالأقساط، والربع الرابع أسقطه عنه التاجر في مفاصلة موفقة، وهكذا حقق كريم الثراء الذي ينشده.
قد تقع في محيطات الأزمات يومًا أو تغرق في زوابع العقبات، مع ذلك سترى في الأفق نورسًا يلوّح لك بوجود جزيرة نجاة، فلا تبتئس، فما خلف العتمة إلا فلق صبح!
يروى أن ابن أحد الملوك رمى سهمًا في مسابقة فطاشت رميته بعيدًا عن الهدف، ما جعله في موقف حرج أمام الجمهور، لم يحتمل ابن الملك هذا الفشل، وهرب الى الغابة ليتوارى عما حققه من فشل مريع! وبينما هو في عزلته إذ رأى طائرًا صغيرًا يحاول الطيران فلا يستطيع، أمسك ابن الملك بالعصفور الصغير ليساعده، لكن الطير سعى للطيران بمفرده، غطّ ابن الملك في النوم ليستيقظ على جلبة طيران العصفور الصغير! هنا تعلم درسًا مهمًا، أنّ الفشل لا يعني الهزيمة، لهذا رجع لأبيه وأخذ يتمرس على رمي السهام، حتى أثلج صدر والده برميات محكمة.
الحكمة تقول: حتى إذا تحطمت بك سفينة الآمال، وأصبحت في وسط بحر اليأس، هناك يد ما ستساعدك وتمد إليك أناملها من وراء حجاب، هناك لوح خشب يطفو على السطح، هناك طوق نجاة!
إن قبول التحديات يجعل الحياة ممتعة، فلماذا لا تفتح صندوق اللعبة وتجرب.. فقد تكسب الرهان؟
هل شاهدت برنامج المسابقات البريطاني الشهير "the crystal maze"؟. كنا نستمتع بمشاهدته أيام الطفولة، فكرته الحصول على الجوهرة في دقيقتين أو الخروج قبل إغلاق الباب، هذه المسابقة كناية لما عليه الحياة، فأعمارنا أوقات، والحياة تخبئ لنا الجواهر، وأمامنا التحديات، أفنفوز في اللعبة ونخطف الجواهر، أم نخفق ونتعثر؟.
فإذا كنت رياضيًا فلماذا لا تنضم لتحدي المشي؟ وإذا كنت كاتبًا فلماذا لا تنضم لجائزة الكتّاب؟ التحديات معروضة للجميع، ليس لك وحدك، بل لأبنائك أيضًا، فلماذا لا تغرس التحدي في قلوب أبنائك؟ قد يتألق أحدهم، كما تألقت الطفلة السورية شام بكور في تحدي القراءة العربي، قد لا يتطلب منك الأمر سوى تعليق ورقة مكتوب عليها: "أنا أحب القراءة".
إن قبول التحديات يجعل الحياة ممتعة، فلماذا لا تفتح صندوق اللعبة وتجرب أحجار النرد؟ فقد تكسب الرهان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.