شعار قسم مدونات

أيام عجاف في غزة!

سكان غزة نزحوا عشرات المرات هربا من القصف والمعارك (رويترز)

لم يكن في حسبان أهالي غزّة أن تأتي عليهم مثل هذه الأيام الصعاب العجاف يومًا ما، فأيام الحرب توالت وتسلسلت وأصبحت شهورًا!. ولا نعلم، قد يطول الحال وتمتدّ الحرب لسنوات عدة، فما زال المحتل يمارس طغيانه على هذا الشعب المظلوم.

ولو نظرنا في الصراع القائم الآن، لوجدناه مختلفًا تمامًا عما سبق من صراعات.. هذه الحرب البشعة لا تشبه مثيلاتها أبدًا، فسجل التاريخ حافل بممارسات المحتل ووحشيته على الشعب الفلسطينيي منذ بداية الاحتلال، لكن هذه الحرب هي الأصعب والأبشع.

في كل حروب العالم التي دارت على مرّ التاريخ، وبعيدًا عن موازين القوى للأطراف المتنازعة، هناك دومًا ضحية تقع وسط الصراع، ألا وهي الشعب!

وما يحدث الآن أن إسرائيل تشن حربًا مدمرة على قطاع غزة، هي حرب أمام العلن، ولكنها في الخفاء مخطط إبادة للشعب الفلسطيني، فهي حرب دمار لكل ما يحيا به الناس هناك، أزهقت بها أرواح آلاف الضحايا، والنسبة الغالبة منهم من النساء والأطفال.

وهذه الحرب الطاحنة التي تدور بين المقاومة من جانب، وجيش الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، ويمارس فيها كل منهما الضغط على الطرف الآخر باستخدام ما يمتلك من أدوات، وأهم تلك الأدوات الضغط بورقة الأسرى المحتجزين لدى حماس، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما إسرائيل في المقابل تمارس هوايتها بقتل وقصف المدنيين، لتخفي فشل عملياتها في القطاع.

وفي كل حروب العالم التي دارت على مرّ التاريخ، وبعيدًا عن موازين القوى للأطراف المتنازعة، هناك دومًا ضحية تقع وسط الصراع، ألا وهي الشعب!

لمزيد من الضغط تمارس إسرائيل سياسة التجويع على الأهالي لتستسلم لها المقاومة، حين ترى وتشاهد طوابير ليس لها آخر تقف فقط لتنال رغيف خبز، لعله يُسكت جوع بطون الأطفال

تأثير الحرب على الشعب الغزي

الشعب هو من يتكبد الخسائر، وهو من يعيش المعاناة، وهو من يتحمل آثار الحروب؛ فالحرب تؤثر سلبًا عليه، سواء نفسيًّا أم اقتصاديًّا أم بيئيًّا. فأي شعور للشعب سوى القهر والضّغط النفسي والعصبي عندما يضطر المدنيون في قطاع غزة إلى النزوح من بيوتهم التي تؤويهم، تاركين أملاكهم وأموالهم وكل ما يملكون قسرًا، ويتجهون إلى أماكن نزوح أخرى حددها لهم المحتل، وأخبرهم بأنها آمنة كما يدعي، ولا يجدون أمامهم بسبب أخطار وأهوال الحرب والقصف إلا المثول لأوامر الاحتلال لينجوا بحياتهم وحياة أسرِهم وصغارهم.

هناك ينصبون الخيام في الأراضي والمساحات الخالية، ويعيشون أوضاعًا صعبة جدًا لعدم توفر أي شيء من مقومات الحياة الأساسية، يعيشون من العدم، من لا شيء، ثم يأتي المحتل بجبروته المتسلط، فيلقي القذائف على رؤوس النائمين الغافلين في الخيام، ليمحو عوائل كاملة عن وجه الأرض، ناهيك عن حالات مرضية نفسية بين العديد من الناس والنساء والأطفال، تأتي على شاكلة ضغط عصبي واكتئاب، وضيق نفسي شديد، وصدمات نفسية.

ولمزيد من الضغط على حركة حماس تمارس إسرائيل سياسة التجويع على الأهالي لتقع لها حماس راكعة مستسلمة، حين ترى وتشاهد طوابير ليس لها آخر تقف فقط لتنعم برغيف خبز، لعله يُسكت جوع بطون الأطفال، وفوق ذلك يقدم المحتل على قصف الطوابير المتجمعة التي تنتظر قطعة خبز أو جرعة ماء أو بعض الوقود، وتتناثر أشلاؤهم فوق ما كانوا ينتظرونه.. أي ظلمٍ يعاني ذلك الشعب المسكين؟ ليس له حول ولا قوة إلا من الله.

وتكملةً لسياسة التركيع والاستسلام قام المحتل الغاشم بفرض الحصار على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وقصف العديد من المنشآت والمنظمات القائمة على ذلك، حتى وصل به المطاف إلى ضرب وقصف الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية الغذائية، ليستمتع ذلك المحتل المتعطش للدماء بمشاهد معاناة الفلسطينيين وأهالي القطاع من نقص المواد الأساسية للبقاء على الحياة.

أصبح معظم الأطفال هناك بحاجة ماسّة إلى العلاج النفسي المكثف من المشاهد المؤلمة التي تتجلى يوميًا في القصف والدمار

تأثير الحرب على الأطفال

ما يعيشه أهالي القطاع في الحرب لا يتحمله بشر، فكيف لنا بما يشعر به الأطفال هناك!، الطفل بطبيعته يعيش مراحل متعددة بنموه وتطوره، والحرب أثرت على شخصيته وبنائها، وهو غالبًا لا يدرك ماهية الوضع الذي يعيشه في الحروب، وتؤثر سلبًا عليه بعدم التمييز بين الصح والخطأ، وتؤثر على قدرته على ضبط ردود فعله العدوانية، وتسبب له التشويش وضعف قدرته على التعبير عن آلامه وحزنه عما يجري حوله من صراعات، ما يسبب له أمراضًا صحية تؤثر على الأعصاب، من حالات هلع وخوف من أصوات القذائف، وأصبح معظم الأطفال هناك بحاجة ماسّة إلى العلاج النفسي المكثف من المشاهد المؤلمة، التي تتجلى بمشاهد يومية من القصف والدمار، والموت المحيط بهم من كل جانب.

غزة تحب الحياة وتعشقها، وتسير نحو الحرية.. كأنما لسان حالها قول محمود درويش: ونحن نُحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا

تأثير الحرب على الاقتصاد

ومن جانب آخر، نجد خلال الحرب الانهيار التام  للاقتصاد، وأوّل ذلك دمار البنية التحتية لكل المناطق في قطاع غزة، فإسرائيل دمرت في القطاع كل البنى التحتية، وقامت بتدمير المباني السكنية والتجارية  بما نسبته 70% من مساحة القطاع، وذلك أدّى إلى انهيار وتراجع الاستثمار أيضًا في إسرائيل، ما ساعد على تفشي وغلاء الأسعار، لتصل إلى أضعاف مضاعفة لسعر السلعة، وشح المنتجات الاستهلاكية.

والحروب أينما كانت لها آثار كارثية على المدى القريب، وعلى المدى البعيد للإنسان وللبيئة، إذ إن الحروب لها تأثير على التربة بتلويث الماء والهواء، وتلحق الضرر الكبير بالمصادر الطبيعية، وإسرائيل قضت على كل مصادر المياه في القطاع، ودمرت الآبار ومحطات الكهرباء والغاز لتزيد الأهالي معاناةً فوق معاناتهم.

الحرب دمار شامل لكل ما هو حي، وإسرائيل تصر على القضاء على كل أشكال الحياة في القطاع.. الآن، شعب غزة يعيش سياسة التجويع وقارب على المجاعة، فإسرائيل تحاصره بشتى الوسائل، والآن تفشت الأمراض والأوبئة بسبب تلوث المياه، ومن نقص الأدوية والعلاج.

شعب غزة يعيش البلاء، وفُرض عليه التعايش مع الأوضاع الصعبة رغمًا عنه، ولكن ذلك لا يعني أنه لا يحب الحياة.. غزة مثلها مثل سائر الشعوب، تريد العيش بسلام وأمان واستقرار، تريد الطمأنينة لها ولذويها، غزة تحب الحياة وتعشقها، وتسير نحو الحرية.. غزة كأنما لسان حالها قول محمود درويش: ونحن نُحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان