شعار قسم مدونات

هل خسرت فرنسا معركة تنظيم الألعاب الأولمبية؟

النسخة التي قدمتها فرنسا في هذا الأولمبياد تفتح الباب للتساؤل عن مدى استعدادها لهذا التنظيم وأسباب هذه الانتكاسة (رويترز)

رسخت في أذهان الجميع مكانة الغرب في الثقافة والعمران، وفي حسن التنظيم والإبداع، والتطور والتقدم في كل شيء.. هذه هي الصورة التي ظلت قائمة في الأذهان، حيث كانت دول الشمال هي المهيمنة والمسيطرة بشكل كبير على تنظيم المحافل الرياضية العالمية.

وبالرغم من نجاح قطر في ربح رهان تنظيم كأس العالم، فإنها لم تسلم من الانتقادات وخاصة الانتقادات التي وجهتها فرنسا، فكان أولمبياد 2024 معيارًا حقيقيًا لكشف سوء التنظيم، فانتقلت باريس من عاصمة الأنوار لتحلّ صورة باريس عاصمة النفايات والظلام، فعكست صورة فرنسا الجديدة الغارقة في الفوضى.

لاحقت هذا الحفل انتقادات واسعة، خاصة أن العروض المقدمة لم تحمل أي إشارة فنية معينة أو رسالة سامية، تدافع عن حقوق الإنسان، في بلد يعتبر نفسه مهدًا لها

إن النسخة التي قدمتها فرنسا في هذا الأولمبياد تفتح الباب للتساؤل عن مدى استعدادها لهذا التنظيم، والمجهود الذي بذلته، وأسباب هذه الانتكاسة.. علمًا أنها تصوّر نفسها دائمًا كمهد للحضارة والتقدم، كما أنها تحشر نفسها في توجيه النقد إلى أي تنظيم رياضي عالمي، لكن هذه المرّة عليها أن تلتزم الصمت وتراجع أوراقها التي تبعثرت.

وكشف هذا الأولمبياد حجم التلوث البيئي الذي تشهده فرنسا، من خلال الأنهار المخصصة للسباحة، وأيضًا الصور التي نقلها الإعلام الدولي، والجماهير التي حضرت من أجل السياحة ومتابعة الأولمبياد، فأصبحت البيئة أحد التحديات التي تواجه هذه البلاد؛ فالصور التي نُقلت ونُشرت لجنبات برج إيفل تُظهر حجم النفايات المكدسة، والتي أفسدت الرونق والذوق العام، إن صح التعبير.

إعلان

وبدأت معالم فشل هذا الحدث الرياضي العالمي مع حفل الافتتاح، الذي لم يعبر عن حجم التوقعات، وكان حفلًا عاديًا أو أقل من ذلك، معلنًا عن إخفاق وفشل التجربة.

وهكذا لاحقت هذا الحفلَ انتقاداتٌ واسعة، خاصة أن العروض المقدمة لم تحمل أي إشارة فنية معينة أو رسالة سامية، تدافع عن حقوق الإنسان، في بلد يعتبر نفسه مهدًا لحقوق الإنسان، بل على العكس من ذلك شجّع الحفل على المثلية الجنسية، ما جلب لباريس الكثير من الانتقادات.

ووصف دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس بأنه "مهين، وكان وصمة عار"، كما استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشاهد المقدمة في حفل الافتتاح، لأنها مشاهد سخرية فيها استهزاء بالمسيحية.

استطاعت قطر تكسير الصورة النمطية من خلال تنظيمها مونديال 2022، لتصبح هذه النسخة الأكثر إثارة وإبداعًا، وحطمت جميع الأرقام في التنظيم من حيث الخدمات المقدمة، والملاعب ذات الهندسة العالية

وأدت رداءة هذه العروض إلى نشر خطاب الكراهية والتهديد بقتل المنظمين لحفل الافتتاح، حسب ما نقلته الصحف الفرنسية، والشكايات التي تقدم بها المنظمون والساهرون على حفل الافتتاح، وهي إشارة واضحة على عدم رضا المواطن الفرنسي عما تم عرضه، من خلال ما ورد في مواقع التواصل الاجتماعي، وعن الأداء الرديء للتنظيم.

وتزامنت هذه الدورة الأولمبية مع استمرار تهجير الشعب الفلسطيني، وارتكاب جيش الاحتلال إبادة جماعية في حق شعب أعزل يدافع عن وطنه وأرضه، الأمر الذي دفع المناصرين للقضية الفلسطينية إلى مقاطعة الرياضيين الإسرائيليين والانسحاب من مواجهتهم.

وهكذا سقطت فرنسا في امتحان تنظيم هذه التظاهرة الرياضية، رغم صرفها ميزانية كبيرة، وفشلت بذلك في تقديم صورة تليق بها، ثقافيًا وبيئيًا، فظهرت صورة باريس على حقيقتها، دون مساحيق التجميل والفوتوشوب، وكانت عرضة للنبش والتحقيق، ما جعل الحدث محكًا حقيقيًا لوضع سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحت المجهر ومحاسبتها.

في المقابل، استطاعت قطر تكسير الصورة النمطية من خلال تنظيمها مونديال 2022، لتصبح هذه النسخة الأكثر إثارة وإبداعًا، وحطّمت جميع الأرقام في التنظيم من حيث الخدمات المقدمة، والملاعب ذات الهندسة العالية، وبحفل افتتاح حمل إشارات ثقافية، وهوية جمعت بين الأصالة والمعاصرة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان