شعار قسم مدونات

أزمة إسرائيل مع التصريحات

كومبو بين نتنياهو وغالانت
انعدام الثقة والهاجس المنضوي تصريح غالانت تحتهما يعودان إلى الخوف من فقدان الحلفاء بعد اهتزاز صورة إسرائيل بفعل جرائم الإبادة في قطاع غزّة (وكالات)

منذ انتخاب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس، خلفًا لإسماعيل هنيّة الذي اغتيل في طهران، بدأت أزمة التصريحات تلاحق المسؤولين الإسرائيليين كالوباء.

جاء ذلك بدءًا بردّ الفعل الإسرائيلي الهشّ على اختيار السنوار، بالقول: "إرهابي مطلوب للعدالة"، مرورًا بتصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت المربكة، والتي كان من ضمنها: "سنعطي إنذارًا في حال اندلع شيء ما"، وصولًا إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمجلة "التايم" الأميركية، والتي يمكن أن نختار منها: "أعتذر عما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي أثبت أن حماس لم تكن مرتدعة".

ولأن الحدث يفرض على المحتل التصريح أو التصريح المضاد، والذي يكون في أحايين كثيرة مبنيًا على تراكمات ومتعلّقات تاريخية سياسية في الأصل والأساس، يُطرح السؤالان التاليان: أين مكامن الضعف في التصريحات الرسمية الإسرائيلية اليوم؟ وما هي الرواسب اللاواعية، التي تتحكّم بها؟

يدرك نتنياهو أن حربه اليوم هي من أجل الكرسي السلطوي، لكنه يصارع من أجل قوميته الصهيونية أيضًا عبر البحث عن دعم إسرائيلي داخلي مطلق يبقيه في المقدّمة، سواء بوصفه السنوار بالإرهابي، أو باللعب على حدود الحرب الشاملة دون الدخول إلى عقر دارها

كيان مبني على "عدم الثقة"

المسألة تعود إلى انعدام الثقة الذي يطرحه هذا الكيان بمختلف حكوماته، بدءًا من العام 1948، تاريخ تأسيس -أو بالأحرى فرض- هذا الكيان بقوة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على خارطة العالم الجديدة، والذي لم تطلق صافرة "تفشّيه" إلا تزامنًا مع اعتراف واشنطن، كبرى العواصم انتصارًا في الحرب، والتي ستغدو فيما بعد العاصمة الأوحد التي تتحكّم بالاقتصاد العالمي، والقوّة العسكريّة، والأولى "مبدئيًا" في السباق نحو التسلّح والتسليح.

إعلان

لم تستطع إسرائيل أن تفرض وجودها، بل فُرض وجودها عليها، فلولا "أسطرة " الهولوكوست، ونبذ الأوروبيين والأميركيين لليهود عبر تقديس وعد بلفور واستثماره، لما كان اليهود قد فكّروا بالانفصال، كما الحال مع الكرد والتايوانيين وسواهما اليوم.

تصريح غالانت الأخير، بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن من وضع اللبنة الأولى لكيانه، يعيدنا إلى اللاوعي الإسرائيلي الذي تربّى على الزعزعة وغياب الثقة.. "اندلاع أي شيء سيدفعنا لإعطاء إنذار"، تصريح هشّ، لكنه يُظهر تموضع الوعي الرسمي الإسرائيلي في بوتقتين:

  • الأولى: سيناريو الرد الإيراني على إسرائيل، والتصدي الإسرائيلي للصواريخ الإيرانية بدعم أميركي وبريطاني وفرنسي.
  • الثانية: العدوان الثلاثي على مصر، والذي لم تخضه إسرائيل لولا استثمار منطق تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس.

انعدام الثقة والهاجس، المنضوي تصريح غالانت تحتهما، يعودان إلى الخوف من فقدان الحلفاء بعد اهتزاز صورة إسرائيل بفعل جرائم الإبادة في قطاع غزّة، والغارات الوحشيّة على قرى جنوب لبنان.

في فيلم "the pianist" (العازف) يظهر أدريان برودي- الذي أدّى دور العازف البولندي اليهودي فلاديسلاف شبيلمانو جوانب من حياته خلال حرب ألمانيا النازيّة على اليهود البولنديين- بموقع الضحيّة، وهو ما يفعله بنيامين نتنياهو اليوم، وتحديدًا في مقابلته مع صحيفة التايمز، فاستخدام لفظة الاعتذار عمّا ارتكبه عدوّه (حركة حماس) هو إشارة لاواعية إلى رغبته في الاستمرار بدور الضحيّة لتلقّي المزيد من الدعم العسكري بعد خسارة الدعم السياسي المطلق دوليًّا.

يدرك نتنياهو أن حربه اليوم هي من أجل الكرسي السلطوي، لكنه يصارع من أجل قوميته الصهيونية أيضًا عبر البحث عن دعم إسرائيلي داخلي مطلق يبقيه في المقدّمة، سواء بوصفه السنوار بالإرهابي، أو باللعب على حدود الحرب الشاملة دون الدخول إلى عقر دارها.

تعود إسرائيل اليوم لتعتنق معادلة كرّسها الرومان في القرون الماضية "ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوّة"، وتشاطرها واشنطن هذا الاعتناق

مكامن الضعف والمقارنة بالحليف

إذا استثنينا تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، الذي دعا حماس إلى استبدال رئيسها الجديد، فإنّ جميع التصريحات الإسرائيليّة -لا سيّما التصريحات المختارة كأنموذج (نتنياهو- غالانت)، يضاف إليها تصريحات المتطرفَيْن بتسلئيل سموتريتش وزير الماليّة ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير- تُولد هشّة، لسببين:

إعلان
  • علميّ مبني على أنّ الترجمة تضعف النّص الأصلي، وتفقده قوّته وربّما جماليّته.
  • سلوكيّ، كونها مبنيّة على الانفعالات والترهيب المستهلك.

إذا تأملنا تصريح وزير خارجيّة الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن، بعد اختيار يحيى السنوار رئيسًا لحماس، والذي دعا خلال مؤتمر صحفيّ إلى بدء السنوار بالتفاوض، وإتمام الصفقة (قبل البيان الثلاثي الأميركي- المصري- القطري)، سنلاحظ أنّ الأميركيين يجنحون نحو براغماتيّة تحتاجها إسرائيل أكثر منهم، لأسباب انتخابية ولحسابات دولية سياسية.

وعليه، فإنّ إسرائيل تعيد اليوم ارتباكها الإعلامي والنفسي عبر الانفعال وعدم التروي والتلطّي خلف حليفيها الكبيرين، واشنطن في غزّة والعالم، وروسيا في سوريا؛ وهي التي وصف أحد خبرائها في علم النفس السياسي، أودي ليبل، أمينَ عام حزب الله حسن نصر الله بـ"أبو الحرب النفسيّة"، ويعود هذا التوصيف، الذي جاء في صحيفة معاريف عام 2007، إلى افتقادها لمهارات الحرب النفسية الحديثة.

تعود إسرائيل اليوم لتعتنق معادلة كرّسها الرومان في القرون الماضية "ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوّة"، وتشاطرها واشنطن هذا الاعتناق. لكن تل أبيب في جميع حروبها لا سيما الإعلامية والسياسية لم تستطع محو فكرة واحدة؛ أنّها من الشتات، وأنها إلى الشتات ستعود.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان