شعار قسم مدونات

المدنيون.. الثمن الباهظ للحروب

SENSITIVE MATERIAL. THIS IMAGE MAY OFFEND OR DISTURB Bodies of Palestinian children killed in an Israeli strike, amid the ongoing conflict between Israel and the Palestinian Islamist group Hamas, lie wrapped in white shrouds at Abu Yousef al-Najjar hospital in Rafah, in the southern Gaza Strip, January 11, 2024. REUTERS/Mohammed Salem
أطفال فلسطينيون قتلوا في غارة إسرائيلية على رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

مفهوم الحرب العادلة من المفاهيم الإشكاليّة في حقل الفكر السياسيّ والعلاقات الدَّولية والدراسات الأمنية المعاصرة؛ لذا فإن طرح سؤال عن عدالة الحروب هو في ذاته سؤال إشكالي لجدوى الحروب التي شهدتها البشرية، وما زالت تشهدها.

إنه إشكال أخلاقي قبل أن يكون أكاديميًا، ويدفعنا للتساؤل: لماذا يُقتَل المدنيون في الحروب؟ وهل يمكن تسويغ قتلهم أخلاقيًا؟. هي أسئلة قديمة قِدَم بروز الحرب في صراع المصالح المادية والرمزية بين البشر، والجواب عنها يكون من مواثيق أخلاقيات الحرب والسلم، التي تحدّد ما ينبغي أن يكون.

هل كانت حروبنا – أو الحرب علينا – عادلة؟ هل انتصرنا بالفعل في حروبنا أو كان من الممكن أن ننتصر حتى؟

لعلّ أول من ناقش الموضوع من زاوية تخصصية أكاديمية بحتة هو الفيلسوف الأميركي مايكل والزر "Michael Walzer"، في كتابه: "الحروب العادلة وغير العادلة"، الذي ميّز بين ما يُعدّ حربًا عادلة وما يُعدّ حربًا غير عادلة؛ طبقًا لمعايير نظرية محددة.

سنتناول في هذا المقال بعضًا من شروط الحرب العادلة، حيث إن جميع من اطّلع على نظريته استبشر بها خيرًا، ولكنّ هناك شرطين من شروط الحرب العادلة لم يُلقِ لهما بالًا؛ أولهما حصانة غير المقاتلين، أي عدم استهداف المدنيين أثناء الحرب؛ وثانيهما التناسب والنصر، أي أن تكون المنافع غير الشخصية التي يمكن أن تنتج من وراء شن الحرب أكبر على نحو معقول من الخسائر التي يمكن أن تنجم عن الحرب، وأن يكون هناك قدر معقول من النجاح من وراء كسب الحرب.

هيئات القتل المنظم الدولية ترى المدنيين بشكل أو بآخر مشاركين في الحرب من خلال موالاتهم وولائهم لعقيدة أو تيار أو حزب ما، فهل يَقتل المدنيين إلا حصائد أفكارهم؟!

إن ما شهدناه في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، يؤكد أنّ الحرب شنت على المدنيين العزل، وأدّت إلى إبادة جماعية، ومسح سجلات عائلية، وتعذيب، وخطف واعتقال، دون قواعد.. كل هذا يدفعنا إلى تقييم حروبنا؛ هل كانت حروبنا – أو الحرب علينا- عادلة؟ هل انتصرنا بالفعل في حروبنا أو كان من الممكن أن ننتصر حتى؟

في الواقع، شهدنا أن الذي يدفع الثمن في كل حرب أو ثورة أو انتفاضة في العالم العربي هو الشعب، ومن بعد الحرب لا تعود الحياة كما كانت.

إن هيئات القتل المنظم الدولية ترى المدنيين بشكل أو بآخر مشاركين في الحرب من خلال موالاتهم وولائهم لعقيدة أو اتجاه أو تيار أو حزب ما، فهل يَقتل المدنيين إلا حصائد أفكارهم؟!

لذا فإن قتل المدنيين له غايتان؛ الضغط على الطرف الآخر في الحرب (ابتزاز سياسي وعسكري)، ومن ثمّ جعْل المدنيين يتراجعون عن تأييدهم له. وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع اتجاه عقائدي أو ثوري ما، فإن قتل المدنيين هو مغالطة أيديولوجية؛ فإذا كان الهدف منه هو مراودتهم عن أنفسهم للتراجع عن أفكارهم، فإن الأفكار – أيًا تكن – مضادة للرصاص، فكيف إذا كانت هذه الأفكار مرتبطة بأيديولوجيات دينية وسياسية وحقوقية؟.

من جهة أخرى فإن قتل المدنيين لا يجعل منهم شهداء حرب في الدولة المدنية، بل قتلى وضحايا.. بمعنى آخر، لا توجد أدلجة للقضية هنا، لذا فإن من واجب أي حركة ثورية أن تأخذ في عين الاعتبار حصانة المدنيين وحمايتهم، وعدم توريطهم في حرب أكبر من طاقتهم على احتمالها. فالحرب يقاتل فيها ويدخلها من هو مجهز لذلك، ومهيأ للقتال، وليس المدني الأعزل.

الحاجة ملحّة لإعادة تقييم هذه الحروب من منظور أخلاقي وإنساني، لضمان حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الصراعات المسلحة

ختامًا، يتّضح أن أزماتنا العربية في العقود الأخيرة لم تستوفِ شروط الحرب العادلة، وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين وعدم استهدافهم. المدنيون، الذين يُفترض أن يكونوا محميّين بموجب مبادئ الحرب العادلة، تحولوا إلى ضحايا لصراعات تتجاوز قدرتهم على الاحتمال. لم تجلب هذه الحروب أي انتصارات حقيقية، بل تسبّبت في معاناة طويلة الأمد، وتغيير ديمغرافي، وتقييد للحريات.

إنّ الحاجة ملحّة لإعادة تقييم هذه الحروب من منظور أخلاقي وإنساني، لضمان حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الصراعات المسلحة.. حماية المدنيين يجب أن تكون في صلب أي حركة ثورية، لضمان تحقيق أهداف نبيلة دون تضحيات غير مبرّرة بأرواح الأبرياء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان