شعار قسم مدونات

افتحوا نوافذ الحياة

Back view, man and open curtain at window to good morning, sunrise and sunshine to relax in room at home. Guy, wake up and opening bedroom drapes in apartment for sunlight, fresh air or start new day
بين الحرية والنوافذ صلة وعلاقة نسب (شترستوك)

كنتُ في مكتبي بالعمل منكبًا كالعادة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، النافذة الغربية المطلة على البحر ورائي مغلقة، والستارة مدلاة، وجهاز التكييف ينفث هواءه البارد.

ذبابة صغيرة تحطّ على جبيني محدثة تلك الدغدغة العصبية التي تثير التوتر، بحركة لا إرادية من يدي تندفع، لكنها لا تلبث أن تعاود رحلتها لتحط في المكان نفسه مع زيادة في مؤشر التوتر و"النرفزة" عند كل دورة من دوراتها. خلال دقائق وجدت نفسي كتلة من الأعصاب المشدودة لشخص يحاول القضاء على هذه الحشرة الصغيرة دون جدوى، وهي في دوراتها المتكررة ومحطتها على المكان نفسه من وجهي، كأنما تسخر من ذلك المخلوق الذي وجدتْ نفسها في معركة معه.

أهدأ قليلًا ثم أقوم برفع الستارة وفتح النافذة، خلال لحظة كانت الحشرة الصغيرة تغادر فرحة، أكتشف أن الهواء يدخل من النافذة منعشًا، أطفئ جهاز التكييف، يخيّم صمت مريح، أعود إلى لوحة المفاتيح بإحساس غامر من الهدوء والانتعاش.. النافذة حلّت المشكلة.

افتحوا نوافذ العقل، والروح، والقلب.. عبر النوافذ تستمتعون بعليل الهواء، وإبداعات المبدعين، وتنهلون من حكمة الآخرين، وتحصنكم ثقافات المختلفين

كان أهل البيت عندما ألقيت عليهم تحية المساء قد اتخذوا أماكنهم المعتادة، وكل منهم منكبٌّ على جهازه المحمول.. خلال دقائق استغرقتها طقوس العودة المسائية إلى المنزل، وجدت نفسي وقد حذوت حذوهم، وبدأت كتابة نص عبر تطبيق (word)، ولأن النص يحتوي بعض الكلمات الإنجليزية كنت أحول طريقة الكتابة إلى الإنجليزية، لأفاجأ أن المؤشر في كل مرة يعود إلى أول السطر ليضع تلك الكلمات خارج سياقها بالنص، أحاول مرة أخرى وثانية وثالثة.. لا جدوى.

إعلان

قوة الضرب على لوحة المفاتيح تشي بالغضب المتصاعد لعدم القدرة على حل المعضلة. "نافذة".. تقول ابنتي الصغرى التي أدركت من نظرة إلى الشاشة طبيعة المشكلة، أنظر إليها مستفسرًا دون أن تجيب، تدير جهازي إليها وتفتح نافذة (word) أخرى، تكتب الكلمات الإنجليزية ثم (قص ولصق) فإذا بهذه الكلمات ضمن سياقها بالنص.. النافذة مرة أخرى.

"مشكلة كبيرة".. قال رُبان السفينة في الشركة التي كنت أعمل بها قبل حتى أن يهنئني بسلامة الوصول إلى مدينة أوديسا الأوكرانية، حيث سيتم إجراء "عَمرة" للسفينة. شرح لي المشكلة؛ المحرك الإضافي الذي تم شراؤه لإحلاله بديلًا عن آخر أكبر من أن تستوعبه الفتحة المخصصة لمثل تلك العمليات، والتي تؤدي إلى غرفة المحركات في أسفل جسم السفينة.. انتقلت عدوى القلق إليَّ مباشرة.

كنت بحكم مهمتي في الشركة قد أشرفت على شراء المحرك المذكور.. بدأت أرسم سيناريو لمعاودة الاتصال مع الشركة المصنعة، لترتيب ما يخفف ما أمكن من المبلغ الذي يمكن خسرانه في هذه العملية. كانت المناقشات تدور قرب المحرك الموضوع عند فتحة الولوج إلى المستوى السفلي من السفينة، عندما جاء أحد فنيي حوض بناء السفن لأخذ توقيع المهندس الأول على تسلّم بعض المواد، وتبادلا حديثًا مقتضبًا، بعدها أشرق وجه المهندس بابتسامة، وقال: انحلت.. نافذة.

نظرة صادقة من نافذة العين لها طريق ذو اتجاه إجباري إلى قلوب الآخرين

خلال دقائق كنا عند الجسم الخارجي للسفينة الذي أصبح خارج المياه بعد رفع السفينة على الحوض، نراقب الفنيين وهم يحددون موضع النافذة، التي سيتم فتحها في جسم السفينة تحت مستوى مدخل غرفة المحركات، ليتم إدخال المحرك، ومن ثم إعادة وضع ألواح الحديد وتلحيمها.. النافذة "كمان وكمان".

افتحوا نوافذ العقل، والروح، والقلب، افتحوا نوافذ الحياة، عبر النوافذ تستمتعون بعليل الهواء، وإبداعات المبدعين وتنهلون من حكمة الآخرين، وتحصنكم ثقافات المختلفين، وفي اللحظات التي يتحول فيها عليل الهواء إلى ريح هوجاء، ونتاج الفكر والإبداع إلى سموم تطرّف ودعوات كراهية، تستطيعون أن تغلقوا نوافذكم مؤقتًا، ولكن ابقوا جانبها مترقبين انحسار العاصفة لتعيدوا فتحها، ولن يطول انتظاركم.

إعلان

نظرة صادقة من نافذة العين لها طريق ذو اتجاه إجباري إلى قلوب الآخرين، كلمة مجللة بالهدوء والصدق من نافذة القول تؤتي ثمارها أكثر من خطاب عبر بوابة الغضب، منح نوافذ الإصغاء والتفهم لمن حولكم بداية طريق حل المشكلات. تعلُّم لغة الآخرين، وتفهُّم آرائهم، واحترام معتقداتهم، كلها نوافذ عبر الروح والقلب. بين الحرية والنوافذ صلة وعلاقة نسب، هل سمعتم بنوافذ في سجون الطغاة والظالمين؟!

أستعير العبارة التي كانت مقدمة لأحد البرامج الإذاعية عبر إذاعة القاهرة خلال سنوات السبعينيات، يوم كانت الإذاعة سيدة وسائل الإعلام، "يا هل بلدي افتحوا الشبابيك".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان