شعار قسم مدونات

لن أكتب عن موت هنية.. بل عن حياته!

غزة، ديسمبر 2018، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة
بعد عودة هنية إلى غزة في عام 1993 تم تعيينه عميداً للجامعة الإسلامية (الجزيرة)

لطالما أثارت الأحداث مشاعرنا، وأنطقت ألسنتنا، وأجرت أقلامنا.. وهل مثل الموت حدث يفعل كل ذلك؟!.

والموت إذ يأتي في حينه لا يترك الجميع في حال واحدة، فلربما توقفت أنفاس أناس معلنة زوالهم، على حين توقفت أنفاس آخرين لتعلن بقاء سيرتهم قبسًا يضيء للسالكين سبيل الهدى.

لكن.. لن أكتب اليوم عن موت إسماعيل هنية، بل عن حياته، ذلك أن موته ما هو في الحقيقة إلا الحياة في صورة أخرى.. وتبقى المنارة ساطعة تقول الأجيال: هكذا سرنا، ومن هنا يكون الطريق، طريق مشيناها وعليكم متابعة الخطى!.

 

اختار طريق المشاق، وكان أول ذلك السجن ثم الإبعاد إلى مرج الزهور عام 1992، مع مجموعة من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي

حدث اليوم يأخذنا لنرى محطات شامخة مرّ بها أبو العبد الشهيد.

في أرض غزة نبت، ومع تنسُّم هوائها كانت نشأته، وعلى مقاعد الدراسة فيها نهل علومه، وأتم دراسته الجامعية، وخلالها انخرط في النشاط السياسي من خلال "الكتلة الإسلامية"، الذراع الطلابي للإخوان المسلمين، التي تطورت لاحقًا إلى حركة حماس. وتولى رئاسة مجلس الطلبة في الجامعة الإسلامية بين عامي 1983 و1984.

هي بداية تؤكد أنه اختار دربًا يعرفها، ويدرك ضريبة السير فيها، وكأنما يؤكد لنا هذه الحقيقة إذ نسمعه في موقف له ينشد بصوته الشجي:

ماضٍ، وأعرف ما دربي وما هدفي .. والموت يرقص لي في كل منعطف

إعلان

اختار طريق المشاق، وكان أول ذلك السجن ثم الإبعاد إلى مرج الزهور عام 1992، مع مجموعة من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بعد تمكُّن كتائب الشهيد عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- من أسر الجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو.

وبقي المبعدون هناك حتى عادوا على مراحل بعد عام كامل، بسبب الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقهم في العودة، التي أكدوا الإصرار عليها في "مسيرة الأكفان" في أبريل/ نيسان 1993، التي ارتدى فيها المبعدون أكفانهم واتجهوا نحو الحدود، لرفضهم أي قرار سوى العودة إلى ديارهم. وبعد عودته إلى غزة في عام 1993، تم تعيينه عميدًا للجامعة الإسلامية، وبعد ذلك يصبح في عام 1997 مدير مكتب للشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس.

بعد تعيينه رئيسًا لوزراء السلطة الفلسطينية تعرض سنة 2006 لمحاولة اغتيال قتل فيها أحد حراسه وأصيب أحد أبنائه بجروح

كان طبيعيَّا في حياة إسماعيل هنية أن الارتقاء في المنصب يعني تقحّم المزيد من المعاناة، وفي هذا الإطار جاءت إصابته بجروح في غارة جوية إسرائيلية استهدفته مع الشيخ أحمد ياسين في غزة سنة 2003. وبعد تعيينه رئيسًا لوزراء السلطة الفلسطينية تعرض سنة 2006 لمحاولة اغتيال قتل فيها أحد حراسه وأصيب أحد أبنائه بجروح.

لكن ذلك كلّه ما كان له أن يبعده عن نهج الكفاح الذي اختار المضي فيه، ولا ضير بعد ذلك أن يكون ما هو كائن، فإنما هو من أناس قال عنهم: "نحن قوم نعشق الموت كما يعشق أعداؤنا الحياة. نعشق الشهادة على ما مات عليه القادة".

وإنه قالها وقد صدق، عاش مع أبناء شعبه ظروف الحصار ولم يخطفوا منه المواقف.. قُصف بيته ولم يخطفوا منه المواقف.. قتل ثلاثة من أبنائه ولم يخطفوا منه المواقف.

واليوم غادر دنيانا رجلَ مواقف، عاش عليها، وعليها بقي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان