شعار قسم مدونات

عثرات السلطة في العالم العربي!

blogs الشعوب العربية
تميل الممارسات السياسية في العالم العربي للقمع لا للديموقراطية (رويترز)

بعدما دجّنت السلطة المدنية الإنسان العربي، وبعدما وضعت السلطة الأيديولوجية المدنيين قربانًا للحروب، كان لا بد من تفكيك عثرات نماذج السلطة في العالم العربي.

يبدو أن هناك سلطة وسلطة مضادة، فإذا فشلت إحداهما ظهرت الأخرى.. فعلى سبيل المثال: في العالم العربي يتبدى نموذجان من السلطة؛ نموذج السلطة المدنية (حكم الدولة العلمانية)، ونموذج السلطة الأيديولوجية (حكم الثورات)، ولكن إن تتبعنا أعمال هاتين السلطتين رأينا أن العالم العربي يعيش مآزق حقيقية في الحكم، والتمثيل السياسي والممارسة السياسية، والتنمية البشرية والاجتماعية.

إذ يظهر أن الحكم لا يمثل تطلعات وآمال الشعوب العربية، والممارسات السياسية تميل للقمع لا للديمقراطية، والتنمية البشرية شبه معدومة، بل معدومة. وكذلك الوضع مع السلطة الأيديولوجية؛ لأن ما يهم الشعب العربي هو التنمية، فلو كانت السلطة حاكمة بالقرآن أو بالإنسان ولا تحقق تنمية يلفظها الشعب العربي، بل غاية كل سلطة هو التكليف بالتنمية، فإن لم تستطع كان ذلك تشريفًا أجوف.

تضع السلطة تصورات مثالية عن الشعوب المفترض وجودها، ولكن عند الاحتكاك الوسيط بين السلطة والشعب من خلال الإعلام تتبدى هذه الفجوة، وتدرك السلطة أن الشعب له رؤى وتطلعات غير تلك التي ينسجها الحاكم

 سنحلل عثرات هاتين السلطتين في العالم العربي

  • تقمص الأدوار: تتقمص السلطة أدوارًا جيوسياسية سلبية من الغرب، وكذلك تتقمص السلطة الأيديولوجية أدوارًا تاريخية من عبق التاريخ، وهذا ما يُحدث تشوشًا عامًا في تنفيذ أحكام السلطة بطريقة سوية، ويؤثّر في واقع التفكير وهوية الشعب العربي.
  • الاغتراب والعزلة: تعيش السلطتان اغترابًا وعزلة عما يناسب الشعوب العربية من أنماط وآليات في الحكم، إذ تظهر الفجوة بين طوباوية الحكم من جهة، وبين واقعية المحكوم من جهة أخرى، أو العكس.
  • أزمة وجودية: تفقد السلطة الحماسة لأداء واجباتها، وتعتقد بعدم جدوى أي آلية تنفذها نتيجة امتعاض الشعوب العربية من الأداء العام للسلطة.
  • التقديس: تقع السلطة في فخ تقديس الأفكار والمنطلقات السلطوية، وكذلك الشخوص الحاكمة، فتلجأ السلطة إلى القمع لإثبات صحتها وشرعيتها كفعل مضاد للنقد والمساءلة.
  • الصدمة الشعبية: تضع السلطة تصورات مثالية عن الشعوب المفترض وجودها، ولكن عند الاحتكاك الوسيط بين السلطة والشعب من خلال الإعلام تتبدى هذه الفجوة، وتدرك السلطة أن الشعب له رؤى وتطلعات غير تلك التي ينسجها الحاكم.

تلجأ السلطة إلى الإعلام لتبرير عثراتها وفشلها في الحكم والتنمية، وتلتمس الأعذار من الشعوب، فتظهر ضعيفة خاملة لا جدوى منها

  • إنكار الواقع: تنكر السلطة واقعها، وتُلبس نفسها صفات أو تصورات لا تنطبق عليها، فتتصور قدرات ليست فيها، أو تنكر مشكلات فيها، أو تعيش في وضع معين لا يتناسب والواقع.
  • عدم تنظيم الأولويات: نتيجة إنكار الواقع، تدخل السلطة في حالة ضياع للأولويات، ويختلط الحابل بالنابل، وقد تستخدم بعض المسؤوليات التي هي أقل أهمية للتهرب من المسؤوليات والأعباء المهمة والأساسية.
  • النرجسية السلطوية: تضع السلطة نفسها في برج عاجي، وترفض التعامل مع واقعها، وتستخدم مصطلحات لتحجيم الشعوب بوصفهم "غير متعلمين"، أو أنهم ليسوا في مستواها، وتعمد السلطة إلى الاستئثار بالأدوار الريادية، وهذا ما يجعل السلطة عرضة للتشويه والتحامل على الشعوب العربية.
  • الوصمة بالاتجاهات والجماعات: تحدد السلطة اتجاه بعض الأشخاص المراقبين للسلطة على أنهم يتبعون اتجاهًا معينًا، أو تصنفنهم ضمن جماعات معينة معارضة على مبدأ "إن لم تكن معي فأنت ضدي".

يستدعي الأمر بناء ثقة جديدة بين السلطة والشعب، تقوم على الحوار المفتوح، والاحترام المتبادل، والالتزام الجاد بتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ما يفتح آفاقًا جديدة لمستقبل مشرق

عذر أقبح من ذنب: تلجأ السلطة إلى الإعلام لتبرير عثراتها وفشلها في الحكم والتنمية، وتلتمس الأعذار من الشعوب، فتظهر ضعيفة خاملة لا جدوى منها.

إعلان

في ظل العثرات المتراكمة والتحديات المستمرة، التي تواجهها نماذج السلطة في العالم العربي، يصبح من الضروري إعادة النظر في أسس الحكم والسياسة والتنمية، والانتقال من نموذجين متناقضين وفاشلين إلى نموذج جديد يستجيب لتطلعات الشعوب، ويعزز من فرص التقدم والازدهار. حيث تكمن الحلول في تبني الشفافية والمحاسبة، وتعزيز المشاركة الشعبية، والتخلي عن الأنماط السلطوية المتجمدة، لصالح سياسات تنموية حقيقية، تستهدف تحسين حياة المواطنين.

يتطلب هذا الانتقال جهودًا جادّة لإصلاح النظام التعليمي، وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية لتكون أكثر شمولية وكفاءة. إضافة إلى ذلك، يجب العمل على تعزيز حقوق الإنسان، وتطبيق القوانين بعدالة؛ لضمان تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية؛ كما أن التفاعل المستمر مع المجتمع المدني، والاستماع إلى صوت الشباب والمهمشين، يمكن أن يساهما في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا واستقرارًا.

بناءً على ذلك، يستدعي الأمر بناء ثقة جديدة بين السلطة والشعب، تقوم على الحوار المفتوح، والاحترام المتبادل، والالتزام الجاد بتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ما يفتح آفاقًا جديدة لمستقبل مشرق يعكس آمال وطموحات الأجيال القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان