استطاع حافظ الأسد إخماد الصوت الطلابي، عن طريق تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الذي لم يكن إلا عبارة عن مؤسّسة لكتم صوت الطلبة، وجعلهم ينطقون بلسان البعث فقط.
وتم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا في أبريل/ نيسان 1963، وبقي الاتحاد دون صفة رسمية ولم تتم قوننة وجوده حتى عام 1966، حين صدر المرسوم رقم 130، كما صدر قرار إنشاء الاتحاد عن القيادة القُطرية لحزب البعث، على أنه "الممثل الشرعي" الوحيد عن القطاع الطلابي داخل سوريا وخارجها، ما يعني إسكاتًا لكل معارض. إلا أن المرسوم 23 لعام 1970 حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين، و"اتحاد شبيبة الثورة" بشريحة الطلاب ما دون الجامعيين.
تحرّك عدد من الطلاب، واعتصموا يوم 25 فبراير/ شباط 2004 في مبنى كلية الهندسة في مدينة حلب، احتجاجًا على المرسوم رقم 6، الذي أنهى التزام الدولة بتوظيف خريجي كليات الهندسة، فقامت أجهزة النظام الأمنية بقمع الاحتجاج
وفي المؤتمر العاشر للاتحاد عام 1990، تم اعتبار اجتماع حافظ الأسد مع الطلاب في 1950 هو المؤتمر التأسيسي للاتحاد، مع أنه لم يَرِد ذكر هذا المؤتمر أو الاجتماع في أي مراجع تاريخية أو مذكرات شخصية لسياسيين عاصروا تلك الفترة – مثل أكرم الحوراني أو سامي الجندي أو غيرهما – على الرغم من دخولهم في تفاصيل الحراك الطلابي ضمن مذكراتهم الشخصية، لكن هذه السردية لنظام الأسد جاءت ضمن الصورة العامة، التي تُفضي إلى أن حافظ الأسد "مؤسس سوريا الحديثة بكل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية والعسكرية".
وبالتالي قام حزب البعث بنَسب بدايات العمل الطلابي لمؤتمر حافظ الأسد، مُحيّدًا الحراك الطلابي في فترة ما قبل الاستقلال، وفترة ما قبل انقلاب البعث.
وفي عهد بشار الأسد استمر الأمر على ما هو عليه، لكن برزت خلال هذه الفترة بعض التجارب التي حاول فيها الطلاب الخروج عن الطوق المقيّد، منها:
تجمع شباب داريا
كان لمجموعة طلاب وشباب في هذه المدينة اهتمامات في شؤون الثقافة والعمل السياسي والمدني، وبدؤوا بتنشيط عملهم في المدينة مع بداية الحرب الأميركية على العراق عام 2003.
وفي الجو السائد آنذاك اتفق مجموعة من طلاب وشباب داريا، ومنهم الناشط يحيى شربجي، الذي قتله نظام الأسد تحت التعذيب بعد قيام الثورة السورية، على القيام بحملة لمقاطعة البضائع الأميركية ومحاربة الرشوة والفساد في سوريا، مترافقة مع حملة لتنظيف الشوارع في المدينة، كنوع من الاحتجاج على تقاعس عمل البلديات، ونوع من أعمال المجتمع المدني لتنشيط العمل الجماعي بين الناس، إلا أن هذا العمل لم يرُق للسلطات الأمنية فاعتقلت مجموعة شباب داريا بتاريخ 3 مايو/ أيار 2003، وحكم عليهم بالسجن لسنوات في سجن صيدنايا.
الطلاب لم يتراجعوا، واجتمعوا في 24 أبريل/ نيسان 2004، مع أصدقاء لهم من جامعة دمشق في كافتيريا ملحقة بالمدينة الجامعية في دمشق من أجل العمل على معالجة قضية فصل الطلاب، وعلى خلفية ذلك قامت أجهزة الأمن بمداهمة الكافتيريا
اعتصام جريء
تحرك عدد من الطلاب، واعتصموا يوم 25 فبراير/ شباط 2004 في مبنى كلية الهندسة في مدينة حلب، احتجاجًا على المرسوم رقم 6، الذي أنهى التزام الدولة بتوظيف خريجي كليات الهندسة، فقامت أجهزة النظام الأمنية بقمع الاحتجاج، وتم استخدام الطلاب البعثيين لتفريق المعتصمين بالضرب والشتم، وتم فصل عدد من الطلبة المحتجين من الجامعة.
لكن الطلاب لم يتراجعوا، واجتمعوا في 24 أبريل/ نيسان 2004، مع أصدقاء لهم من جامعة دمشق في كافتيريا ملحقة بالمدينة الجامعية في دمشق من أجل العمل على معالجة قضية فصل الطلاب، وعلى خلفية ذلك قامت أجهزة الأمن بمداهمة الكافتيريا، واعتقلت 11 طالبًا، أطلق سراح 9 منهم بعد 12 يومًا، وأحالت الطالبين مهند الدبس من جامعة دمشق، ومحمد عرب من جامعة حلب إلى محكمة أمن الدولة العليا، التي حكمت عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات، بتهمة مناهضة أهداف الثورة.
تجمع شمس الذي لم يرَ الشمس
تجمع شبابي، ضم مجموعة من الشباب السوريين أصحاب الاهتمامات المشتركة في الشأن السياسي السوري، وفي قضايا الحريات والتغيير السياسي عمومًا، نشطوا إلكترونيًا، لكن تم اعتقال أفراد التجمع كافة بين عامي 2005 و2006، وحُكم على اثنين منهم بالسجن سبع سنوات، وبخمس سنوات لباقي أعضاء التجمع.
قام منتدى أخوية الإلكتروني بحملة مناصرة للمعتقلين، فحجب النظام الموقع، وأغرقه بالمخبرين، ثم اعتقل المدون كريم عربجي، المشرف على زاوية "المنبر الحر"، وهي الزاوية الأكثر شعبية في منتدى أخوية، وبقي في فرع فلسطين ثمانية أشهر، قيد التعذيب والحبس الانفرادي، ثم نُقل إلى سجن صيدنايا العسكري، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "إضعاف الشعور القومي في زمن الحرب".
اليوم، يوجد في المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق حركة طلابية واعدة، تحتاج دعمًا واهتمامًا وتوعية، لتكون قادرة على رسم مستقبل سوريا بعيدًا عن التأثيرات الحزبيّة والمناطقية
الحراك الطلابي بعد الثورة
عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، برز الدور العسكريّ للاتحاد الوطني لطلبة سوريا ضد الحراك الطلابي في الجامعات، خاصة في جامعتَي حلب ودمشق. وزودت الفروع الأمنية مسؤولي الاتحاد بالأسلحة البيضاء (عصي، هراوات، كرابيج..)، ومنحتهم صلاحية سحب هوية الطلاب المشاركين في المظاهرات ضمن الجامعة لملاحقتهم أمنيًا لاحقًا، وحتى إمكانية اعتقال الطلاب وتعذيبهم.
ورغم كل هذا لم يستطع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا إيقاف الحراك الطلابي في الجامعات، ما دفع النظام للبحث لتشكيل كتائب البعث في عام 2012 من طلاب جامعيين، لضبط الجامعات بالعنف بكل أدواته، ولتكون كقوات رديفة إلى جانب قوات الجيش في عمليات الحصار أو المعارك في المدن السورية. ونتيجة القمع والقتل والاعتقال أُجبر الطلاب المناصرون للثورة على ترك الجامعات، إما للالتحاق بالعسكرة، أو لترك البلد والهجرة كي لا يتم سحبهم إلى قتال لا يريدونه.
وتم إنشاء "اتحاد طلبة سوريا الأحرار"، الذي أراد منظموه أن يكون صوتًا حقيقيًا للطلبة، بعيدًا عن قمع السلطات الأمنية، فالحـراك الطلابي لا يمكن أن يتوقـف، حتى لو تمت عرقلته.
واليوم، يوجد في المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق حركة طلابية واعدة، تحتاج دعمًا واهتمامًا وتوعية، لتكون قادرة على رسم مستقبل سوريا المشرق، بعيدًا عن التأثيرات الحزبية والمناطقية، وبعيدًا عن التأثيرات الأيديولوجية التنافسية.. وهو ما يعني نقاشًا آخر، حول كيفية استثمار الطاقات الطلابية، وكيفية مأسسة العمل الطلابي المدني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.