أكّد وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس، لموقع "أكسيوس" أنّ "هجوم حزب الله على "مجدل" شمس تجاوز كل الخطوط الحمراء، وسيكون الردّ وفقًا لذلك". ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، عن كاتس قوله: "نقترب من حرب شاملة مع حزب الله، ولا شك أننا سندفع ثمنًا، لكنّ الحزب سيدفع ثمنًا أكبر".
هذا، وأعلنت إسرائيل الأحد 28 يوليو/تموز الجاري أنها رفعت جاهزيتها القتالية في الشمال، وتوعدت حزب الله بدفع الثمن؛ ردًا على سقوط قتلى في "مجدل شمس" بالجولان السوري المحتل، وبالمقابل نفّذ الجيش الإسرائيلي غارات على البقاع وجنوب لبنان، وحذّرت بيروت من اندلاع حرب إقليمية.
إلى الآن يعتبر الصاروخ مجهولَ الهوية، فمنذ وقعَ الحدث وجهت إسرائيل أصابع الاتهام إلى حزب الله. لقد أكد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن الصاروخ أطلقه حزب الله؛ لأنه من نوع "فلق" برأس حربي يزن 53 كيلوجرامًا، الذي لا يملكه في المنطقة إلا إيران والحزب.
وجد نتنياهو في الصاروخ ضالته، هو الذي لم يأبه لآلاف القتلى من الفلسطينيين في القطاع، ويتعمّد إفشال أي محاولة للتوصّل إلى تسوية بشأن المحتجزين لغايات لها علاقة بمستقبله السياسي
لا يهمّ بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفي حزب الله وعدم تحمله المسؤولية عن إطلاق الصاروخ، حيث أكدت مصادره السبت 27 يوليو/ تموز، أنه لا دخل له في القصف الذي استهدف "مجدل شمس". فالمطلوب هو إطلاق الصاروخ، ومادام أنه لم يوقع ضحايا يهودًا، فهذا مهم؛ لأنه قد يشكل الحافز الذي سيعطي الغطاء لأي عمل عسكري إسرائيلي على لبنان، مع ما رافق ذلك من المواقف الدولية التي أدانت الهجوم والتي صوّبت صواريخ اتهاماتها إلى حزب الله مصنّفة إياه بالإرهابي.
يحتاج نتنياهو الصاروخ علّه يحدث تغييرًا أساسيًا في الحرب الدائرة على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. فهذه الجبهة لم يزل مستوطنوها خارج بيوتهم وممتلكاتهم. إذ أخطر وزير التربية الإسرائيلي يوآف كيش رؤساءَ المناطق يعلنهم إلغاء العام الدراسي المقبل في مستوطنات الشمال.
هذا الواقع الذي يعيشه المستوطنون -وقد يكون الأول منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948- بات يشكل مصدر قلقٍ إضافيٍ لنتنياهو بعد قلق الاحتجاجات لأهالي المحتجزين لدى المقاومة، لاسيما من جهة العمل لإعطائهم الضمانات الأمنية لتحفيزهم على العودة بعد تقارير صادرة عن بعض ممثليهم، تشير إلى أنهم لن يعودوا إلى المنطقة ما لم تستطع حكومة نتنياهو إبعاد خطر تواجد عناصر حزب الله عن الحدود.
وجد نتنياهو في الصاروخ ضالته، هو الذي لم يأبه لآلاف القتلى من الفلسطينيين في القطاع، ويتعمّد إفشال أي محاولة للتوصّل إلى تسوية بشأن المحتجزين لغايات لها علاقة بمستقبله السياسي.
فهذا الصاروخ بالنسبة إليه شبيه بما فعلته المقاومة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لاسيما أنه استحصل على جرعة دعم جديدة للاستمرار في عدوانه واعتداءاته هذه المرّة في لبنان.
حالة إطلاق التهديدات الإسرائيلية ليست بجديدة، بل هي قائمة منذ فتح الجبهة الشمالية، والقيادات الإسرائيلية تهدد بصيف ساخن. فنتنياهو أذكى من خوض حرب في هذه المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة
يحتاج نتنياهو إلى الصاروخ ليس لمهاجمة الحزب، فهو يعلم جيدًا مدى قدرة الحزب على إلحاق الضرر الكبير بإسرائيل. فنتنياهو بغنى عن ذلك، خصوصًا أنه لم يتمكن إلى الآن من تحقيق إنجازات ميدانية قادرة على أخذ حماس إلى طاولة الاستسلام.
كما أن نتنياهو على دراية بأنها لن تكون حربًا محصورة بالجبهة الشمالية، بل ستكون بمثابة حرب إقليمية ستشترك فيها فصائل مختلفة، وربما إيران نفسها. في الوقت الذي حذرت إيران، دولة إسرائيل من مغبة مهاجمة لبنان بعد أن حمّل نتنياهو حزب الله مسؤولية قصف قرية "مجدل شمس" الدرزية.
لا يريد نتنياهو الحرب الواسعة على لبنان، بل جلّ ما يريده هو تحقيق المكاسب وتسجيل نقاط يضيفها إلى إنجازاته، وهي تتعلق بمهمة دبلوماسية لإبعاد حزب الله إلى ما بعد الليطاني.
فحالة إطلاق التهديدات الإسرائيلية ليست بجديدة، بل هي قائمة منذ فتح الجبهة الشمالية، والقيادات الإسرائيلية تهدد بصيف ساخن. فنتنياهو أذكى من خوض حرب في هذه المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة، التي تتحضر لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد تنحّي المرشح الديمقراطي جو بادين عن السباق الرئاسي، ومع ارتفاع حظوظ ترامب بعد عمليّة اغتيال فاشلة بحقه.
نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن الخارجية الإسرائيلية أن "هذه هي الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حلّ دبلوماسي مع لبنان قبل حرب مدمرة"، وأضافت أن "الطريقة الوحيدة لمنع حرب هي إجبار حزب الله على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701".
هذا ما يريده نتنياهو، لهذا بعد إطلاق الصاروخ نشطت الحركات الدبلوماسية إلى المنطقة؛ لاستيعاب ما حصل، حيث علم أن موفدًا حكوميًا بريطانيًا سيزور لبنان الخميس المقبل للاجتماع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتكليف من رئيس الحكومة الجديد كير ستارمر، ومن المقرر أن يصل بيروت الأربعاء القادم. هذا دليل إضافي على أن لا حرب واسعة تلوح في الأفق وإلا لكان حضر الوفد سريعًا إلى بيروت للتهدئة.
مرت عبارة تطبيق القرار 1701 دبلوماسيًا عدة مرات في خطابات المسؤولين في إسرائيل، ما يؤكد أن خيار حكومة نتنياهو ليست المواجهة العسكرية المباشرة. بل المواجهة الدبلوماسية لتشكيل قوة ضغط عالمية على حزب الله لإبعاد تواجده عن الحدود
ضرب قرية "مجدل شمس" له أهمية في حسابات المحتل، الذي يعتقد أن موقف الدروز الأخير من الحرب القائمة في غزة غير مشجع، لهذا عليه أن يثير النعرات الطائفية بين اللبنانيين، وهذا مطلبه.
إذ عادت به الذاكرة إلى الاجتياح الأول للبنان عام 1978 حيث الوضع كان يشهد على بداية حرب أهلية بين اللبنانيين، فاستغلت القوات الإسرائيلية ذلك، ونفذت هجومًا بريًا لإبعاد حركة فتح عن الحدود إلى ما بعد الليطاني.
مرت عبارة تطبيق القرار 1701 دبلوماسيًا عدة مرات في خطابات المسؤولين في إسرائيل، ما يؤكد أن خيار حكومة نتنياهو ليست المواجهة العسكرية المباشرة. بل المواجهة الدبلوماسية لتشكيل قوة ضغط عالمية على حزب الله لإبعاد تواجده عن الحدود ما سيسمح بعودة مستوطنيها وإرساء نوع من الاستقرار، إلى حين تتجلى نتائج المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، عندها سيتقرر أي سيناريو ستلجأ إليه حكومة نتنياهو.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.