شعار قسم مدونات

كامالا هاريس وحركة النجوم الخمسة ومستقبل الأمة

كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للاستحقاقات المقبلة (الفرنسية)

بموجب المادة 2 من النظام الأساسي للحزب الديمقراطي، تتحمل اللجنة الوطنية الديمقراطية مسؤولية ملء الشواغر في الترشيحات الرئاسية ولمنصب نائب الرئيس بين المؤتمرات الوطنية، ومن ثم يتم التصويت لشغل الشاغر وفقًا للقواعد الإجرائية التي اعتمدتها لجنة القواعد في اللجنة الوطنية الديمقراطية.

ولعل هذه المادة هي التي استند إليها كل "السيناتورز" الذين طالبوا بايدن بالتنحي بعد واقعة المناظرة الشهيرة، والتي ظهر فيها المرشح الديمقراطي أبعد ما يكون عن اللياقة الذهنية، ما دفع إلى الميل – وفق استطلاعات الرأي- باتجاه منافسه الجمهوري ترامب ورفع أسهمه.

الانتخابات الأميركية – سواء على مستوى المجالس النيابية أو الرئاسة – مهمة للعالم أجمع، لما تحمله من تشكيل رؤية لأكبر فاعل على مستوى السياسة الدولية

في آخر أخبار ماراثون الانتخابات الرئاسية الأميركية، أظهر استطلاع جديد للرأي تقدُّم المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، على المرشح الجمهوري ترامب، وإن كان الفارق ضئيلًا، إلا أنه يرمز إلى تحول ما في الشارع الأميركي، فنسبة 2% لصالح هاريس يمكن تعويضها، بيد أنها في الوقت نفسه ترفع أسهم الحزب الذي هوى به أداء بايدن خلال فترة رئاسته، وكان قاعه في المناظرة مع منافسه الجمهوري، فالاستطلاع لديه الكثير ليقوله عن مشاعر الناخبين، لعل أهمه رجاحة فكرة الضغط على بايدن للتنحي، وكذا رجاحة فكرة اختيار هاريس كبديل.

الانتخابات الأميركية – سواء على مستوى المجالس النيابية أو الرئاسة – مهمة للعالم أجمع، لما تحمله من تشكيل رؤية لأكبر فاعل على مستوى السياسة الدولية، ولعلّي هنا أستدعي مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات: "99% من أوراق اللعبة بيد أميركا".

وحتى إن صحت هذه المقولة في زمانها، فإن الواقع يقول إن أوراق اللعبة بدأت تتفلت من يد العم سام، ودخل فاعلون لا تنقصهم الجرأة لصناعة مواقف حتى ولو على مستوى إقليمي، قد تؤثر وفق نظرية الأواني المستطرقة في السياسة الدولية، وإن كنا لا ننكر امتلاك واشنطن أدواتها السياسية والاستخباراتية والاقتصادية والمالية والعسكرية لو استدعى الأمر للحفاظ على مكانتها الدولية قبل مصالحها.

إعلان

وعلى الرغم من مواقف صاحب "أوراق اللعبة"، وما تركته سياساته المتغطرسة على الأمة والعالم، جراء أوهام القوة والهيمنة، فإن البعض لا يزال يؤمن بهذه المقولة، بينما يبحث البعض الآخر عمن يمكن أن تكون بيده نسبة أخرى من "أوراق" على الطاولة، دون محاولة لصناعة أوراق أو حتى انتزاعها من أجل الجلوس على الطاولة؛ بعد أن طال الجلوس على مقاعد المتفرجين.

حركةُ النجوم الخمسة في إيطاليا تأسيسٌ جاء كرد فعل على الاستياء الشعبي من الفساد السياسي وسوء إدارة الأحزاب التقليدية في إيطاليا

وإلى أن يحين ذلك، فقد دارت آلة البحث لاستكشاف منطلقات كامالا، حتى يتم تخمين مواقفها باتجاه الأمة، على الرغم من أن هاريس ديمقراطية، ما يعني أن منطلقاتها معلومة سلفًا، فإن البعض يراهن على المواقف في ظل متغيرات العالم وحراكه، والتدافع الشعبي الذي بات كاشفًا للسياسات الأميركية على العموم، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، والتي ضاقت بها شعوب العالم ذرعًا.

الإشكالية الحقيقية لا تكمن في منطلقات الرئيسة المحتملة للولايات المتحدة الأميركية، بقدر تعاطي الأمة مع هذه المنطلقات، وانتظارها للمواقف كمفعول لها.. فحتى مصطلح "الأمة" أصبح على المحكّ، بعد أن ضيعت الأمة الطريق، فصار كل عنصر من عناصر هذا المصطلح يبحث عن ذاته، ويخشى على مصالحه، في ظل غياب المحددات الجامعة للمصطلح، وغياب الرؤية الإستراتيجية لهذا المكون المهم والمؤثر في المجتمع الدولي، لأهميته الجيوسياسية والجيوستراتيجية.

مع ذلك فكل دولة لديها سياستها الخارجية وأولوياتها الاقتصادية، التي قد تختلف بناءً على موقعها الجغرافي، وتركيبتها السكانية، ومواردها الطبيعية، ومستوى التنمية الاقتصادية.. والأهم من كل ذلك، مستوى قبول واشنطن منظومةَ الحكم في هذه الدولة، ومدى ولاء هذه المنظومة للأخيرة.

حركةُ النجوم الخمسة في إيطاليا تأسيسٌ جاء كرد فعل على الاستياء الشعبي من الفساد السياسي وسوء إدارة الأحزاب التقليدية في إيطاليا في عام 2009. بدأت الحركة كمنصة عبر الإنترنت قبل أربع سنوات من تدشينها ككيان حقيقي يعبر عن نبض الشارع الإيطالي، ورغبته من التخلص من حالة الفساد المستشري في البلاد، التي بسببها تراجعت الحالة السياسية، ومن ثم المعيشية.

واعتمد مؤسسو الحركة بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات للتواصل مع الجمهور، ما ساعدهم على تجنب القنوات الإعلامية التقليدية، واستخدموا مجموعة من الوسائل والإستراتيجيات لجمع الأعضاء والأنصار، مع التركيز على استغلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لتعزيز قاعدتها الشعبية.

كما اعتمدوا الديمقراطية المباشرة بين أعضاء الحركة وأنصارها لتعزيز حالة الانتماء بينهم وللحركة، ونظموا فعاليات لقياس مدى انتماء الأنصار للأفكار، ومن ثم إخراجهم من خلف لوحة المفاتيح في الفضاء الإلكتروني إلى الاحتكاك الحقيقي في عالم السياسة.

كما شجعت الحركة العمل التطوعي والمشاركة في النشاطات المجتمعية، ما أدى إلى مزيد من التواصل المباشر بين أعضائها وأنصارها وخلق حالة ترابط مصيري للوصول إلى أهداف الحركة، وهو ما كان عبر الانتخابات وصولًا إلى تشكيل الحكومة في 2018.

لقد سئمت الشعوب العربية والإسلامية دور المتفرج في عالم يتغير كل ثانية، في عالم بات يعرف كل دقائق حياته، دون أن يعرف هو شيئًا عنه، إلا ما يريد ذلك العالم له أن يعرفه، لقد سئمت شعوبنا أن ترى مقدرات بلادها توزع شرقًا وغربًا لشراء الحماية أو الولاءات، وهي تعاني الجوع والفقر والمرض والجهل، وأظنها سئمت أيضًا أن يكون الحكم دُولةً بين فئات بعينها من عسكر أو رجال أعمال، وكأن البلاد عجزت عن أن تلد غيرهم ليحكموها، كما عجزت الشعوب عن أن تغير الحالة التي تعيشها، وترفضها في الآن ذاته.

إعلان

أظن أنّ الأمة لا ينقصها أدوات حركة النجوم الخمسة، فالإنترنت موجود، وفضاء عمل المجتمع المدني متاح، والمخلصون في الأمة كثر، والأهداف واضحة وإن كانت غير مصاغة، ولم يبقَ إلا أن نبدأ بتنظيم الحَراك الخاص من مقعد المشاهدين، ونزول الملعب ضمن الفاعلين لصناعة مستقبل الأمة بأيدينا.

وإلى مقال آخر لمتابعة الفكرة..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان