شعار قسم مدونات

تاريخ الحراك الطلابي في سوريا وملامحه (3)

قام الطلبة الشيوعيون بتأسيس اتحاد الطلبة الجمهوريين عام 1953 وضم جميع الطلبة اليساريين والتقدميين (الجزيرة)

بعد استقلال سوريا عن فرنسا عام 1946، واصل الحراك الطلابي النضال ضد الحكومات التي كانت تحاول تمثيل المصالح الفرنسية خلال الفترة الاستعمارية السابقة، وتأثر هذا الحَراك بالتجاذبات السياسية بين الأحزاب والقوى السياسية، التي كانت قادرة على تحريك الطلاب والشباب، حيث كانت تستند إلى قاعدة شعبية وطلابية عريضة، لذلك كان للطلاب دور بارز في أحداث عدة في سوريا وقتها، أذكر منها:

مشروع سوريا الكبرى

قدّم الأمير عبد الله بن الحسين مشروعًا إلى بريطانيا يتضمن إقامة دولة تسمى سوريا الكبرى، تضم سوريا ولبنان وفلسطين إلى إمارته التي أعلنها في شرق الأردن، وكان شرق الأردن تابعًا لسوريا قبل تأسيس الإمارة، ما دعا السوريين إلى رفض المشروع، بالإضافة إلى عدم منح بريطانيا إمارة شرقي الأردن استقلالها، ما يعني تدخلًا بريطانيًّا في البلاد؛ ومعه أكدوا تمسكهم بالنظام الجمهوري للدولة، لذلك رفض غالبية الشعب السوري هذا المشروع.

وعندما قام سامي الحناوي بانقلابه عام 1949، وأراد القيام بخطوات لدعم مشروع سوريا الكبرى، قامت مظاهرة طلابية أدت إلى إسقاط الحكومة، وذلك بعد أن جرى إطلاق النار على المتظاهرين وجرح العديد منهم، وقُتل الطالب في كلية الحقوق عبد الكريم طيارة.

تخللت هذه المظاهرات أعمال معادية لنظام الشيشكلي وحركة التحرر العربي التي شكلها وقت استيلائه على السلطة، وعلى إثر ذلك جاء اعتقال الشيشكلي لمنصور الأطرش بتهمة التحريض على التظاهر

مظاهرات ضد الشيشكلي

في 4 ديسمبر/ كانون الأول 1953، خرجت في حلب مظاهرات حاشدة لطلاب الجامعة؛ احتجاجًا على المناهج التي تعمل باللغة العربية، وذلك بتحريض من الأحزاب السياسية التي حُظر نشاطها بعد استلام الشيشكلي السلطة، وأشهرها الحزب الوطني وحزب الشعب. وفي اليوم التالي، تكررت المظاهرات واتسع نطاقها لتشمل طلابًا في الثانوية، ليس فقط في حلب، بل في دمشق أيضًا.

وأخذ الوضع بالتصاعد مع إرسال قوات الجيش السوري لحماية الأماكن التربوية الهامة في المدينة، ومنها الكلية الوطنية، بعد تهديد الطلبة المتظاهرين باقتحامها؛ وشهد 14 ديسمبر/ كانون الأول كبرى هذه المظاهرات.

وفي يناير/ كانون الثاني 1954 عادت المظاهرات الطلابية بشكل أوسع من الأول، وشملت حمص وحماة للمرة الأولى. وكذلك نظّم الطلبة مقاطعة للمدارس والجامعات وحملات اعتصام، وتعرّض بعض القادة الطلبة للاعتقال، ما دفع باقي الطلاب لتجديد المظاهرات؛ مطالبة بإطلاق سراحهم.

وقد تخللت هذه المظاهرات أعمال معادية لنظام الشيشكلي وحركة التحرر العربي التي شكلها وقت استيلائه على السلطة، وعلى إثر ذلك جاء اعتقال الشيشكلي لمنصور الأطرش بتهمة التحريض على التظاهر، فجابت السويداء مظاهرات حاشدة مطالبة بإطلاق سراح منصور -وهو قريب سلطان باشا الأطرش- سرعان ما تحولت إلى مواجهات بالسلاح الخفيف بين الأهالي وقوى الأمن الداخلي، يوم 26 يناير/ كانون الثاني 1954.

وفي اليوم التالي، 27 يناير/ كانون الثاني، دخلت وحدات كبيرة من الجيش السوري إلى السويداء وسائر مناطق جبل الدروز، وأعلنت الحكومة أن مخططًا أجنبيًّا يقف وراء مظاهرات وأحداث السويداء. وفي اليوم نفسه، أُعلنت حالة الطوارئ في دمشق وحلب والسويداء وحمص وحماة، واعتُقل عدد بارز من المعارضين لنظام الشيشكلي. بعد ذلك حاول الشيشكلي تهدئة الأوضاع، وتوجه في 4 فبراير/ شباط بخطاب للشعب بيّن فيه الأسباب التي دفعته لاقتحام السويداء وإعلان حالة الطوارئ، وخرجت بعدها مسيرات مؤيدة له.

وبعد عشرين يومًا فقط، أُعلن في حلب عن انقلاب عسكري، اضطر معه الشيشكلي إلى المغادرة إلى بيروت ومنها إلى البرازيل في 25 فبراير/ شباط 1954، حيث اغتيل هناك بعد عشر سنوات على يد أحد أبناء السويداء.

في عهد الوحدة بين سوريا ومصر أسست السلطة الاتحاد العام للطلبة في الجمهورية العربية المتحدة، وكان رئيسه رئيس الجامعة، ورئيس اللجنة الطلابية عميد الكلية، وبذلك كان هذا الاتحاد صوت السلطة أمام الطلبة

صفقة قمح مع العدو

في ربيع سنة 1956 عقدت حكومة سعيد الغزي صفقة قمح مع فرنسا، التي كانت ما تزال تحتل الجزائر، وترتكب فيها أبشع الجرائم ضد الشعب هناك، فثارت ثائرة الطلاب السوريين، وتوجهت مظاهرة غاضبة من جامعة دمشق إلى مكتب وزير الاقتصاد حينها رزق الله أنطاكي، واحتل المتظاهرون المكتب لساعات عدة، ما اضطر الوزير للهرب، ولم ينسحب الطلاب حتى استقالت الحكومة في تلك الليلة، تحت وطأة الغضب الطلابي الذي أذكته المنافسة السياسية بين الأحزاب السورية.

الطلاب في الأحزاب

قام الطلبة الشيوعيون بتأسيس اتحاد الطلبة الجمهوريين عام 1953، وضم هذا التنظيم النقابي الطلابي الأول في سوريا جميع الطلبة اليساريين والتقدميين فيها. وبالمقابل قام الشباب في جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم أنفسهم، واهتموا بتنظيم المظاهرات، وتنظيم الخطب والمحاضرات وسيطروا على مسجد جامعة دمشق، وعقدوا فيه مجموعة كبيرة من الاجتماعات، وألقوا فيه كثيرًا من الخطب التي كانت تناقش أوضاع البلد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي كان لها تأثيرها في المجتمع والدولة.

كان النشاط الطلابي الحزبي حماسيًّا ومؤثرًا مجتمعيًّا، وكان يعكس ثراء الأفكار التي انتشرت بين الطلبة في ذلك الوقت، والتي تأثرت بالمجريات العالمية والإقليمية والعربية، لكن في عهد الوحدة بين سوريا ومصر أسست السلطة الاتحاد العام للطلبة في الجمهورية العربية المتحدة، وكان رئيسه رئيس الجامعة، ورئيس اللجنة الطلابية عميد الكلية، وبذلك كان هذا الاتحاد صوت السلطة أمام الطلبة، وليس صوتًا للطلبة للدفاع عن حقوقهم- أو لنقْل آرائهم وتفاعلاتهم- مع ما يجري في وطنهم أو في العالم، وكان هذا بداية إسكات وتدجين للحركة الطلابية، تابعَه نظام البعث بحِرفية قاسية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان