شعار قسم مدونات

دور قطري منتظر في حلّ الأزمة السودانية

عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان و سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية - المصدر: الخارجية القطرية
رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان بلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة قطر (الخارجية القطرية)

ظهر أمس الأربعاء 24 يوليو/ تموز حطت بمطار بورتسودان الدولي طائرة الوفد القطري برئاسة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية في زيارة رسمية للسودان، حيث التقى رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، وبحسب تصريح لوكيل وزارة الخارجية السودانية السفير حسين الأمين، فقد أكد الوزير وقوف بلاده مع الحكومة الشرعية والقوات المسلحة السودانية في مواجهة التحديات التي تواجه السودان، متمنيًا أن يعم السلام ربوع السودان، مؤكدًا دعم قطر لكل مبادرة صادقة تهدف إلى تحقيق السلام.

قطر اكتسبت مكانة فاعلة ووزنًا مؤثرًا إقليميًا ودوليًا بفضل انتهاجها نهجًا دبلوماسيًا معتدلًا وسياسة خارجية متوازنة تقوم على مبادئ وقيم احترام سيادة الدول

وقد لقيت هذه الروح تقدير القيادة والشعب السوداني للمواقف الصادقة لدولة قطر وقيادتها المساندة لحكومة وشعب السودان.

لقد وجدت أنباء زيارة الوفد القطري صدًى طيبًا لدى الرأي العام السوداني وارتياحًا تبدى في مظاهر الاحتفاء الواضح الذي فاضت به وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أن قطر اكتسبت مكانة فاعلة ووزنًا مؤثرًا إقليميًا ودوليًا بفضل انتهاجها نهجًا دبلوماسيًا معتدلًا وسياسة خارجية متوازنة تقوم على مبادئ وقيم احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها والانخراط الإيجابي في جهود ومساعي إحلال السلام وحل النزاعات على المستويين؛ الإقليمي والدولي، والاحتفاظ بعلاقات جيدة ومتطورة تقوم على التعاون وصون المصالح المشتركة مع كل دول العالم.

إعلان

ويتميز نهج الوساطة الذي تتبعه قطر بأهم عاملين لنجاح أي دور وساطة وهما: الحياد والتوازن؛ مما أهلها لتكون رقمًا لا يمكن تجاوزه في السياسة الدولية، والمثال الأبرز في هذا الشأن هو الدور شديد الأهمية الذي تلعبه الدبلوماسية القطرية كوسيط في الأزمة الراهنة التي شغلت وما تزال تشغل الرأي العام الدولي، وهي الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو دور ظل محل تقدير كل الأطراف المعنية بالأزمة .

ولقطر ميراث غني جدًا في الوساطة بين الفرقاء السودانيين، وقد احتضنت ورعت مفاوضات شاقة وطويلة بشأن أزمة دارفور، تكللت بتوقيع اتفاقيات عديدة مثلت أرضية صلبة لبناء السلام، ولعل أبرزها وثيقة الدوحة للسلام في دارفور التي وقعتها الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في يوليو/ تموز 2011 بعد نحو ثلاثين شهرًا من المفاوضات كانت الدوحة حاضنتها ومتفيأ لها .

كذلك وضمن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وقّعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة اتفاق سلام في العاصمة القطرية في أبريل/ نيسان 2013. ثم استضافت الدوحة في يناير/ كانون الثاني 2017 توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة "جيش تحرير السودان – الثورة الثانية".

يقوم الموقف القطري على الدعوة إلى انتهاج الحوار والطرق السلمية لحل الخلافات وأهمية انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للحرب؛ تمهيدًا للوصول إلى اتفاق شامل

وبعد اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل/ نيسان 2023 نشطت مساعي قطر في اتجاه وقف الحرب، كما قدّمت وظلت تقدم الدعم الإنساني لضحايا الحرب في السودان، وأبدت استعدادها للوساطة، وقد كانت أولى المباحثات الرسمية بين قطر والسودان – بعد اشتعال الحرب – في الدوحة في السابع من سبتمبر/أيلول 2023 لدى زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان إلى الدوحة، حيث أطلع صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان، وكانت هذه الزيارة أول زيارة يقوم بها البرهان إلى دولة خليجية بعد الحرب .

إعلان

ومع إكمال الحرب في السودان شهرها الخامس عشر ودخولها الشهر السادس عشر وبروز تداعيات تنذر باتساع رقعتها اقليميًا بالنظر إلى عوامل عديدة تتعلق بتطورات الأوضاع الداخلية في دول جوار السودان، تصبح الحاجة ملحة لدى كل الأطراف في الإقليم أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى حل للأزمة السودانية، لا يقف عند حد وقف الحرب فحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى إقرار سلام شامل.

لقد ظل رئيس مجلس السيادة السوداني يحذر في كثير من المحافل من خطورة تداعي الأوضاع وانفراط عقدها على الأمن الإقليمي، وقد أصبح ذلك واقعًا ملموسًا ومشاهدًا في دول جوار السودان، وإن كان في بداياته لكنه يمكن أن يستفحل ما لم يتم تداركه .

وبناء على ذلك تأتي الخطوة القطرية في توقيت مناسب ومطلوب من كل الأطراف، وهو ما يمكن أن يمثل عامل نجاح للدور الذي ستضطلع به قطر، وإن كان لم يتسنَّ حتى الآن الوقوف على طبيعة وشكل وتفاصيل وماهية الدور القطري في هذا الشأن، لكن ما هو معلوم وواضح أن الموقف القطري من الأزمة السودانية الراهنة يتبلور في إطار عام يقوم على ضرورة وقف الحرب في السودان كقاعدة تُبنى عليها ركائز سلام شامل.

كما يقوم الموقف القطري على الدعوة إلى انتهاج الحوار والطرق السلمية لحل الخلافات وأهمية انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للحرب؛ تمهيدًا للوصول إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحقق تطلعات الشعب السوداني في الاستقرار والتنمية والازدهار .

العامل الأكثر أهمية في تقديري الذي سيعطي دفعة قوية للدور القطري القادم في الأزمة السودانية ما ورد في صدر المقال، وهو عامل نفسي بحت متعلق بـ (الزول) وهو حب السودانيين لقطر ورضاهم عن أي دور تقوم به

وهو -في اعتقادي- إطار يجد القبول من كل الأطراف السودانية ويمكن أن يستوعب في داخله كل نقاط الاتفاق والاختلاف بين الأطراف، وبالتالي يوفر إطارًا يصلح كأساس ونقطة انطلاق آمنة نحو السلام .

في اعتقادي هناك خطوط عريضة ومؤشرات عديدة تشير إلى أن الدبلوماسية القطرية ستنجح في وضع الأزمة السودانية على طريق الحل في وقت تقاعست فيه العديد من العواصم القريبة والبعيدة عن الاقتراب الجاد والصحيح من الأزمة السودانية، فمنها من كان اقترابه مؤججًا للنزاع منخرطًا فيه إلى جانب طرف بعينه، ومنها من كان موقفه سالبًا قاصرًا على الفرجة، ومنها من كان اقترابه ودوره كمثل دور ساعي البريد، ومنها من أدار سمعه وبصره عن سماع زخات الرصاص وأنين الضحايا والمكلومين، وعن رؤية مشاهد الدمار والدم المسفوح وقوافل النازحين رجالًا وركبانًا الفارين من جحيم هجمات جحافل المتمردين.

إعلان

والعامل الأكثر أهمية في تقديري الذي سيعطي دفعة قوية للدور القطري القادم في الأزمة السودانية ما ورد في صدر المقال، وهو عامل نفسي بحت متعلق بـ (الزول) وهو حب السودانيين لقطر ورضاهم عن أي دور تقوم به وثقتهم الكبيرة في صدق وحسن نوايا قطر قيادة وشعبًا واستعدادهم لقبول أي صيغة أو مبادرة سلام تتقدم بها لحل الأزمة، والصورة الذهنية لقطر عند السودانيين خالية من أي تجارب سالبة، ويتكامل هذا المنحى النفسي مع سبق التجربة والخبرة لدى القيادة القطرية مع الشأن السوداني وتعقيداته مما يعزز قدرتها على فكّ رموزه وصولًا لحل مُرْضٍ وشامل .

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان