شعار قسم مدونات

في ذكرى مانديلا

نيلسون مانديلا (مواقع التواصل الاجتماعي)

ليس غريبًا أن تقود جنوب أفريقيا منفردةً "أشهر قضية" للدفاع عن غزّة وأطفالها ضد عدوان الإبادة، وليس غريبًا أن يخرج قادتها غاضبين! وليس غريبًا أن يرفضوا انضمام دول بعينها لدعواهم في محكمة العدل الدولية، حمايةً لحقوق الفلسطينيين وخوفًا من التواطؤ مع الاحتلال! وقد سجّلوا بذلك أول دعوى قضائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي سابقة تاريخية بلا شك، وإن خابت الرهانات بتأثير هذه الدعوى على مسار الحرب، بعد أن اكتشفنا أن العدالة تتجزأ فعلًا.

فهؤلاء يعرفون جيدًا المبادئ الرخيصة التي تحكم هذا العالم، والتي أسقطت غزة عنها آخر ورقة توت.. يعرفون التطهير العرقي، والتمييز على كل أساس.. يعرفون جيدًا كيف تشعر الشعوب حين تعامَل على أنها غير مرئية وغير موجودة، كيف تشعر حين يُرخّص كل ما يتعلق بها، حتى حمامات الدماء!

هؤلاء أبناء نيلسون مانديلا الذي كان شجاعًا بما يكفي ليرى لعرقٍ كامل، واقعًا آخر خارج سياق الدونية التي يُعامل بها، وليس غريبًا أن يقود حفيده اليوم أكبر تظاهرة في تاريخ جنوب أفريقيا ضد التطهير العرقي في غزة.

 

في ذكرى نيلسون مانديلا، ينبغي أن نمجّد هؤلاء الذين اختاروا لأنفسهم في زمن الخضوع موقعهم من التاريخ الذي توّجوا به سنوات نضالهم

 

هؤلاء أبناء "الآنتي أبارتايد" الذين غيّروا وجه التاريخ للأبد، وأنهوا بإرادتهم الحرّة عشرات السنين من عبودية السود!. هؤلاء الذين مهّدوا ليوم أصبح الاعتراف بحقوق الأعراق فيه رمزًا للتحضر والمدنية والعالمية.

هؤلاء الذين تتقاطع اليوم آمال الفلسطينيين مع واقعهم وحريتهم، ومع آمال حقبتهم التي انتزعوها من أنياب الديمقراطية العالمية الكاذبة.. وللمصادفة- ربما غير البريئة – فإن نظام الفصل بدأ في عام نكبة الشعب الفلسطيني (1948)، ولكن – لحسن حظهم- لم تتواطأ الأنظمة من حولهم ضدهم، كما يحصل للفلسطينيين.

وهؤلاء الذين تقاطعت آلامهم التاريخية مع آلام الفلسطينيين فتشاركوا المظالم نفسها، بدءًا من تجريد السكان الأصليين من أراضيهم ومواردهم لصالح الاستعمار الأبيض، وصولًا إلى التمييز، وليس انتهاءً بالإبادات الجماعية.

هؤلاء الذين عرفوا جيدًا كيف يُطبّق قانون الفصل على ركائز التصنيف، والإسكان المنفصل، والأرض المنفصلة.. عرفوا جيدًا كيف تكون مواطنًا من درجة ثانية وثالثة تارة، وكيف تُعامل كحيوان بشري تارة أخرى.

اليوم، وفي ذكرى نيلسون مانديلا، ينبغي أن نمجّد موقع هؤلاء الذي اختاروه لأنفسهم في زمن الخضوع والهوان والتخاذل.. موقعهم من التاريخ الذي توّجوا به سنوات نضالهم وثورتهم.

هؤلاء الذين قالوا: "نحن نعلم جيدًا أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان