شعار قسم مدونات

أمنيات الحياة العديدة بعضها لا يموت

المواقع الالكترونية تشكل بديلا مهما لضعف الصحف الورقية
المواقع الإلكترونية تتيح بديلًا مهمًا للكثيرين للنشر والعمل الصحفي (الجزيرة)

يمرّ على المرء في فترات حياته بعض من الأمنيات المتعلقة بالمستقبل والدراسة والمهنة، بعضها يتحقق، وبعضها لا يتاح تحقيقه وتطويه الأيام، لكن بعض الأمنيات تخبو، ثُمّ سرعان ما تطلّ برأسها بين فترة وأخرى، وتذكّر صاحبها أنها ما زالت تسكن الذات وتصبو إلى أن يتاح لها ضوء الحياة.

كانت مهنة الصحافة أمنية تملّكتني في مرحلة الشباب والدراسة الجامعية، إذ كنت لا أتصور أن أكون بعيدًا عنها – كمهنة – في قادم الأيام، وعليه كانت متابعتي للصحف والمجلات متابعة دؤوبة تشغل وقتي بشكل كبير، وتجعلني عارفًا بها وبمحرريها واتجاهاتها ومواعيد صدورها، وكانت أسماء الكتّاب موضع معرفة ومتابعة من قبلي، حتى صرت وكأن معرفة شخصية تجمعني بهم دون أن نلتقي.

حين صدرت مجلة المستقبل في أواخر السبعينيات وسنوات الثمانينيات من باريس كانت حدثًا هامًا فقد تابعت من خلالها أسماء مهمة في عالم الكتابة

وقد كانت مجلة العربي على مستوى المطبوعات الثقافية وكتابات الدكتور أحمد زكي وأحمد بهاء الدين ومحمد الرميحي ومحمود السمرة زادًا شهريًا لا يغيب أبدًا، بل أعود لقراءتها مرة بعد مرة.

وحين بدأت مجلة الدوحة بالصدور كانت إضافة دسمة، مع كتابات محمد إبراهيم الشوش، وجبرا إبراهيم جبرا، ورجاء النقاش، وكثيرين غيرهم، وعبر صفحة (من تجاربي الشخصية) في مجلة الدوحة، المخصصة لكتابات القراء ومساهماتهم، كانت أول محاولة أن أنشر شيئًا ما، علّه يكون مدخلًا لتحقيق تلك الأمنية التي ما زالت نفسي تصبو إليها.

إعلان

وأمّا في مجال المجلات الأسبوعيّة، فقد كانت اللبنانية منها كالصياد والحوادث والأسبوع العربي، والمصرية كروز اليوسف وصباح الخير والمصور وآخر ساعة، كلها حاضرة ومقروءة بشغف وانبهار، وحين صدرت مجلة المستقبل في سنوات أواخر السبعينيات وسنوات الثمانينيات من باريس كانت حدثًا هامًا لي، فقد تابعت من خلالها أسماء مهمة في عالم الكتابة، كنبيل خوري وإبراهيم سلامة وبول شاوول وماجدة واصف، أما الأستاذ سمير عطا الله الذي كنت وما زلت أحب أسلوبه في الكتابة، الذي يجمع القلم الصحفي الرشيق مع النفحة الأدبية، فكان النموذج الذي يستهويني وأحلم أن أملكه.

وعلى ذكر مجلة المستقبل، أذكر أنني اشتريت العدد الأسبوعي ذات يوم وأنا في طريقي لتقديم امتحان أحد المقررات بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق، وبدأت وأنا بانتظار توزيع ورقة الأسئلة أقرأ مقالًا ما زال في ذهني للأستاذ سمير عطا الله عنوانه "اسمع يا نصري"، أظن أنه كان يخاطب فيه ولده الذي قدم حديثًا إلى الدنيا، وشغلني المقال عن النظر في ورقة الأسئلة التي وُزعت، ما دفع المراقب لأن ينبهني لبدء الإجابة عن ورقة الامتحان، ونظراته توحي أنّني ربما أخفي شيئًا ما بين صفحات المجلة ممّا يستعين به الطلاب في الامتحانات.

الأرشيف الورقي كان ركنًا أساسيًا للصحفيّ، يستعين به في البحث عن المعلومات التي قد يحتاجها في كتاباته قبل أن تتولى الوسائط الإلكترونية ذلك فيما بعد

ولأنّ الأرشيف الورقي كان في ذلك الزمن ركنًا أساسيًا للصحفيّ، يستعين به في البحث عن المعلومات التي قد يحتاجها في كتاباته قبل أن تتولى الوسائط الإلكترونية ذلك فيما بعد، كان أن بدأت بتأسيس ذلك الأرشيف الشخصيّ من خلال اقتطاع المقالات والتحقيقات التي أظنّ أنها مفيدة، وإحاطة كل مادة منها بورقة بيضاء مدوّنٍ عليها اسم المادة والكاتب وتاريخ النشر وسوى ذلك من معلومات، وبقيت تلك الأوراق مَنسيّة في أحد رفوف مكتبتي، تذكرني بتلك الأمنية التي لم تمت بعد، ثُمّ كان لا بدّ من التخلص منها مع ما يتم التخلص منه بين فترة وأخرى.

إعلان

لم تتح الأيام لتلك الأمنية أن تتحقق، بل حملتني الحياة لمهنة مختلفة وعوالم أخرى، وسفرات أخذتني شرقًا وغربًا، لكن بعض الأمنيات- كما اتفقنا- لا تموت، وحين جاءت استراحة المحارب بسنوات التقاعد، ومع انتشار المواقع الإلكترونية الأسهل نسبيًا في النشر، عادت تلك الأمنية تطلُّ برأسها مرة أخرى، باحثةً عن سبيل يعيدها إلى الحياة، فكان أن وَجَدَت بعض الكتابات والدراسات التي أقوم بها طريقها إلى النشر في غير واحدة من تلك المواقع، وها هي مدوّنات الجزيرة تساهم بدورها في إنعاش تلك الأمنية بقبولها نشر ما أكتبه بين الفينة والأخرى.

ألم أقل لكم إن بعض أمنيات الحياة لا تموت؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان