شعار قسم مدونات

المبالغات التاريخية في أعداد قتلى معركة صفين!

قريش أصرت على مقاتلة المسلمين في غزوة بدر رغم نجاة قافلة أبي سفيان (صورة بالذكاء الاصطناعي ـ الجزيرة/ميدجورني)
الوثيقة المتفق عليها تتضمَّن تسليم الطرفين المتنازعين أمرهما لحكم القرآن (الجزيرة/ميدجورني)

وقعت معركة صفين في أرض يُقال لها صفّين في الجزيرة الفراتية بين الشام والعراق، وذلك بين جيش الخليفة الراشدي الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجيش الصحابي والي الشام معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما)، في شهر صَفَر سنة 37 هـ، وذلك بعد موقعة الجمل بنحو سنة تقريبًا، وانتهت بالتحكيم والصلح بين الطرفين في رمضان من السنة ذاتها (اليعقوبي، ج 2، ص 188. وانظر: خليفة، ص 191).

بعد إنجاز وثيقة التحكيم بيومين دعا أمير المؤمنين عليٌّ قوَّاته للعودة إلى الكوفة، بعد أن أمر بدفن القتلى وإطلاق سراح الأسرى، فعاد إلى الكوفة في شهر ربيع الأول 37هـ الموافق يوليو إلى أغسطس 657م

وكان أبرز أسباب المعركة أنه حين استلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحُكم، امتنع معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام عن مبايعته خليفةً للمسلمين حتى يقتص من قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنهم جميعًا)، فأرسل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جريرًا بن عبد الله البجلي إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه للمبايعة؛ وعند قدوم جرير إلى الشام، استشار معاوية عمْرًا بن العاص السهمي، فأشار عليه بجمع أهل الشام والخروج نحو العراق للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص161).

وانتهت المعركة بين الطرفين بإنجاز وثيقة التحكيم، وذلك يوم الأربعاء في 13 صفر سنة 53هـ الموافق 31 يوليو/ تموز 657م، كتبها عبد الله بن رافع كاتِب علي (رضي الله عنه)، وعمير بن عباد الكناني كاتِب معاوية (رضي الله عنه)، وتتضمَّن تسليم الطرفين المتنازعين أمرهما لحكم القرآن. وبعد إنجاز وثيقة التحكيم بيومين دعا أمير المؤمنين عليٌّ قوَّاته للعودة إلى الكوفة، بعد أن أمر بدفن القتلى وإطلاق سراح الأسرى، فعاد إلى الكوفة في شهر ربيع الأول 37هـ الموافق يوليو 657م.

إعلان

وقد بالغ بعض الروائيين والكُتاب في ذكر أعداد القتلى من الطرفين، ورغم أن بعض الكتاب المسلمين نقل أرقامًا مرتفعة، مثل الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام نقلًا عن الإمام بن سيرين، وهو بحاجة إلى تحقيق تاريخي، ومراجعة تأصيلية أكثر، ولكن ما هو ملاحظ أن بعض المستشرقين، وأولئك الذين حاولوا تشويه تاريخ أمتنا، بالغوا في سرد الأعداد وتضخيمها. فقد ذكر ابن أبي خيثمة أن القتلى في صفين بلغ عددهم سبعين ألفًا، منهم من أهل العراق خمسة وعشرون ألفًا، ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألف مقاتل؛ كما ذكر العلامة ابن القيم: أن عدد القتلى في صفين بلغ سبعين ألفًا أو أكثر.

وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على قتلاه وقتلى معاوية، فقال: غفر الله لكم، غفر الله لكم، للفريقين جميعًا

ولا شك أن هذه الأرقام غير دقيقة، بل هي أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام مع وقف القتال بالليل، إلا مساء الجمعة، فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة، وقد قال العلامة ابن جرير الطبري (4/388): "مهما كان القتال عنيفًا، فلن يفوق شدة القادسية، التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آلاف وخمسمئة"، وبالتالي يصعب عقلًا أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة (علي بن أبي طالب، علي محمد الصلابي، ص529).

وقد وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على قتلاه وقتلى معاوية، فقال: غفر الله لكم، غفر الله لكم، للفريقين جميعًا (خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد، ص 250). وعن يزيد بن الأصم قال: لما وقع الصلح بين علي ومعاوية، خرج علي فمشى بين قتلاه، فقال: هؤلاء في الجنة، ثم خرج إلى قتلى معاوية، فقال: هؤلاء في الجنة، ويصير الأمر إليّ وإلى معاوية، وكان يقول عنهم: هم المؤمنون. وقوله (رضي الله عنه) في أهل صفين لا يكاد يختلف عن قوله في أهل الجمل (مصنف ابن أبي شيبة، 15/ 303، بسند حسن).

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان