قال الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي خلال قمة شمال الأطلسي في واشنطن، إنه لن يتوقف ولن ينسحب من الرئاسة. وقال: "أنا الشخص الأكثر كفاءة للترشح للرئاسة الأميركية"، وأضاف: "قمت بعملٍ رائعٍ كرئيسٍ للبلاد، ويجب عليّ إكمال العمل الذي بدأته".
هذا لم يكن خطابًا لمرشّحٍ رئاسيٍّ يحاول إقناع الناخبين ببرنامجه الانتخابي، أو على الأقل يقوم بعرض المشاريع الإصلاحية ليحاكي الرأي العام الداخلي، بقدر ما كان تبريرًا ضعيفًا يسعى بايدن من خلاله إلى الدفاع عن ترشّحه، وإثبات أنه يتمتع بكامل الأهلية العقلية للاستمرار في المعركة، رغم الهجوم المستمرّ الذي يطلب منه التنحي.
سدّد جورج كلوني، نجم هوليوود والمؤيد البارز للحزب الديمقراطي، ضربة قوية للرئيس جو بايدن، يوم الأربعاء 10 يوليو/ تموز الجاري، عندما حضّه على التخلي عن محاولة إعادة انتخابه، فيما أحجمت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي التي تتمتّع بثقلٍ داخل الحزب عن ترشيحه.
الداروينية هي نظرية تشرح التطور البيولوجي، طوّرها عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين، وتنصّ على أن جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطوّر من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة، التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة
يبدو طريق بايدن إلى البيت الأبيض شاقًا ومتعبًا، هذا ما يقلقه ويجعله يشعر بأنه على شفا الخسارة في السباق الرئاسي لولاية ثانية؛ حيث أفاد استطلاع رأيٍ جديدٍ أن أكثر من نصف الديمقراطيين يريدون من جو بايدن إنهاء حملة إعادة انتخابه رئيسًا، بعد أدائه الكارثي أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
حاول بايدن البالغ من العمر 81 عامًا -على الطريقة الداروينية- إظهار مهاراته القيادية في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي انعقدت بين 9 و11 يوليو/ تموز الجاري في واشنطن. فالمسألة بالنسبة إليه لم تعد معركة رئاسة بقدر ما تحولّت إلى معركة وجود، إذ لم يعد صراعه لكسب أصوات انتخابية، بل لإثبات أهليته لممارسة السلطة.
الداروينية هي نظرية تشرح التطور البيولوجي، طوّرها عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين، وتنصّ على أن جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطوّر من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة، التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة. فهل فقد بايدن مؤهلاته اليوم للبقاء في السياسة الأميركية، ولهذا لم يعد لديه تلك الطفرات التي تجعل منه منافسًا جديًّا للانتقاء الانتخابي؟
وضع داروين نظريته حول "التطور البيولوجي" لتفسير البقاء، حيث توصّل عام 1859 إلى أن "جميع الكائنات الحية منذ بدء الخليقة تتغيّر مع مرور الزمن، نتيجة لتغيرات في السمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، ما يتيح للكائن الحي التكيّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء".
رفع سقف التحدي الذي بدا في بيان حلف الناتو يأتي بمثابة خطوة "استباقية" لوصول ترامب إلى سدّة الرئاسة؛ إذ إن دخول كييف في الحلف يقطع الطريق أمام ترامب، لمنع السير في طريق الخضوع لمطالب موسكو في ما يتعلّق بضمّ أراضي أوكرانيا
لا يرتبط صراع بايدن الوجودي بضعف إدراكه على التركيز، ويظهر في الهفوات التي يقع فيها وتسبّب له الإحراج والسخرية منه على مواقع التواصل، بل إن الطفرات الموروثة التي تحدّث عنها داروين، والتي تزيد من القدرة على المنافسة والبقاء، توجد في خصمه المنافس له، حيث يعاني ترامب أيضًا من ضغوطات، لا سيما تلك المتعلقة بالمحاكمات القضائية التي تلاحقه.
كما أن ترامب صديقٌ غير مرحّب به أوروبيًا، حيث صرّح في أكثر من مناسبة أنه يعتزم إنهاء الحرب الأوكرانية، عبر الدفع بكييف لتقديم تنازلات لروسيا، لهذا سارع حلف الناتو في اجتماعه الأخير نحو منعطف خطير ومرحلة جديدة من التصعيد تدخلها العلاقة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، بعد أن أصدر رؤساء الدول والحكومات المشاركون في اجتماع قمة الحلف في واشنطن بيانًا ختاميًا، أعلنوا فيه أن موسكو تشكّل تهديدًا لحلف الناتو، وأن أوكرانيا تسير في "طريق لا رجعة فيه" للانضمام إلى الحلف الذي ستستمرّ استراتيجية توسّعه من دون تغيير، فضلًا عن تراكم القوة العسكرية لأعضائه.
إن رفع سقف التحدي الذي بدا في بيان حلف الناتو يأتي بمثابة خطوة "استباقية" لوصول ترامب إلى سدّة الرئاسة؛ إذ إن دخول كييف في الحلف يقطع الطريق أمام ترامب، لمنع السير في طريق الخضوع لمطالب موسكو في ما يتعلّق بضمّ أراضي أوكرانيا.
لا يحتاج بايدن إلى جهد انتخابي كبير للتغلّب على منافسه، بل أصبح هدفه إثبات أهليته العقلية، بأنه قادر على ممارسة السلطة في البيت الأبيض، وهنا تكمن الصعوبة والتحدي. هذا ما انعكس في حملته الانتخابية، لا سيما تلك المتعلقة بجمع التبرعات وصعوبات جمعها، إذ ذكر تقرير لمجلة ناشونال إنترست الأميركية، أنه في ضوء الشعور بعدم الاستقرار بالنسبة لهذا الأمر، توقّف بعض مسؤولي جمع التبرعات عن مواصلة جهودهم.
لا أحد يستطيع إقصاء بايدن أو إجباره على التنحي، طالما أنه لا مؤشرات طبيّة على أن الرجل لديه مشكلات عقلية، لهذا فهو سيستمرّ في الترشّح، وسيضع الديمقراطيين والمؤيدين له في موقع لا يحسدون عليه
تحديات كثيرة تواجه الذي سيصل إلى البيت الأبيض، تمثّلت في قمة "شنغهاي" التي انعقدت مؤخرًا في العاصمة الكازاخية أستانا، الخميس 4 يوليو/ تموز الجاري، حيث سلّطت الضوء على إصرار روسيا والصين على السير نحو نظام متعدّد الأقطاب، لكي يكون بديلًا عن الهيمنة الأميركية على شؤون العالم.
دخلت إدارة بايدن في تعزيز حروب في الشرق الأوسط عبر تقديم الدعم اللامحدود لإسرائيل، ودعم كييف في ردّ الهجوم الروسي، وهي لا تتوانى عن الوقوف إلى جانب تايوان لمواجهة المدّ الصيني. إن سياسة "الاحتواء" هذه هي التي تضع إدارة بايدن الرهان عليها، خصوصًا وأنها وجدت ارتياحًا في الداخل الأميركي، وأن المواجهة يجب أن تستمرّ كي لا يكون للآخر فرصة تغيير النظام.
لا أحد يستطيع إقصاء بايدن أو إجباره على التنحي، طالما أنه لا مؤشرات طبيّة على أن الرجل لديه مشكلات عقلية، لهذا فهو سيستمرّ في الترشّح، وسيضع الديمقراطيين والمؤيدين له في موقع لا يحسدون عليه. لكن الموضوع في الواقع، قد لا يرتبط بأهلية بايدن من عدمها، بقدر ما يرتبط بالدائرة الضيقة المحيطة به، والتي تدير حملته، وستدير حتمًا مرحلة ولايته الجديدة.. هذا ما سيعزّز من فرص وصوله، لاسيما وأن المنافس لديه لائحة طويلة من الأسماء على لائحة الانتقام، صرّح عن بعضها ترامب، ولكن ما خفي هو الأهمّ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.