في كل ركن من أركان غزة، تتحدث الأرض بلغة الألم والدمار.. هذه الأرض، التي تشهد على تضحيات أهلها، تروي قصة بطولة لا يقوى على فهمها إلا من عاشها أو تابع تفاصيلها من قرب.
من أغمض عينيه أمام الدمار خان أمانة الإنسانية، وشعبًا يواجه أعتى قوة بصدره العاري، وهو لا يملك إلا إيمانه بحقه في هذه الأرض.
يظل أهل غزة في رباطهم، من شمال القطاع إلى جنوبه، يتّحد الجميع تحت راية الصمود والمقاومة، يلتفّون حول مقاومتهم، ويدعمونها
على مدى تسعة أشهر، وقبلها منذ سنوات طويلة، وأهل غزة يعيشون تحت وطأة القصف والحصار، تتحول لياليهم إلى كوابيس، وأيامهم إلى مشاهد من جحيم.. ومع كل مجزرة جديدة تزداد قلوبنا ألمًا، وتفقد كلماتنا معناها. بين الركام والدمار والأشلاء، تظهر ملامح الصمود والإصرار والثبات، والعزائم التي لا تلين، تظهر الأمهات اللواتي يبكين شهداءهن ويحتضنَّ أطفالهن بعيون تحمل أملًا لا ينطفئ، وصبرًا لا ينفد.
في هذا السياق، يبدو العالم كأنه أصيب بالصمم والعمى، يستمر الصمت الدولي والخذلان العربي، وتستمر الحياة في العواصم الكبرى دون أن يهتم أحد للقنابل المدمرة وقصف غزة، أو لصور الجثث المتناثرة وأعدادها.. مجازر كثيرة خلّفت ما يقارب 40000 شهيد حتى اللحظة وعشرات آلاف المصابين، كم مجزرة أخرى يجب أن تحدث حتى يتحرك الضمير العالمي؟ كم طفلًا يجب أن يفقد حياته حتى يصرخ أحدهم "كفى"؟ كم.. وكم؟!.
رغم كل هذا يظلّ أهل غزة في رباطهم، من شمال القطاع إلى جنوبه، يتّحد الجميع تحت راية الصمود والمقاومة، يلتفّون حول مقاومتهم، يدعمونها ويطالبونها بالصمود حتى تحقيق النصر.. يظهر هذا الالتفاف في كل مشهد، بعد كل مجزرة، وفي كل كلمة تخرج من أفواه الكبار والصغار، يدعمون المقاومة بكل ما يملكون، يرون فيها الأمل والمستقبل.
أمام صمت العالم وخذلانه، يتحدث صمود غزة بأعلى صوت، ينادي ضمائرَنا، يذكرنا إنسانيتَنا، ويؤكد أننا نقاتل المحتل لأننا أصحاب الأرض
ورغم قلة الإمكانات وشح الطعام، يظل أهل غزة متمسكين بالحياة، تجد الجميع يعمل بجد، يوزعون الطعام المتاح، يسعفون الجرحى، ويقومون بما يستطيعون للتخفيف من آلام بعضهم.. الأطفال يتعلمون في خيامهم، والأمهات يخبزن الخبز بأبسط الأدوات، والرجال يبنون ما دمره القصف بأيديهم العارية، حتى إنهم يقيمون الأعراس بعض الأحيان، وهذا يثبت أن أهل غزة قادرون على الصمود والاستمرار، وأن الحياة لا تتوقف مهما كانت الظروف قاسية.
من أغمض عينيه أمام الدمار، من تجاهل صرخات الأطفال ودموع الأمهات، من تغافل عن الحقيقة، من باع ضميره فقد خان، وسيبقى الحق أقوى من الظلم.
وأمام صمت العالم وخذلانه، يتحدث صمود غزة بأعلى صوت، ينادي ضمائرَنا، يذكرنا إنسانيتَنا، ويؤكد أننا نقاتل المحتل لأننا أصحاب الأرض، لأن هذه الأرض هي حقنا، ولن نتخلى عنها مهما كانت التضحيات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.