إن موسم الحج والأيام العشر من ذي الحجة عظيم، إذ سميت سورة عظيمة باسم الحج، وأقسم الله بالأيام العشر في سورة الفجر؛ لعظم شأن هذا الموسم، وتتجلى مقاصد جلية في هذا الموسم؛ مقاصد عقدية، وأخرى تربوية، وغيرها دعوية، مقاصد إن اجتمعت وتحققت في أمة الإسلام، كان لها نصيب حمل لواء الحضارات، إذ أن كل هذه المقاصد تصب في المقصد الكلي؛ مقصد العبودية الذي يتحقق به استخلاف منهج الله تعالى، والتمكين له، وإعمار الأرض به.
يتجلى المقصد العقدي في التجرد من الدنيا برمزية اللباس الأبيض الذي لا مخيط فيه، والذي يشبه الكفن؛ ليذكرنا بمصيرنا الأخروي، وكذلك يتجلى المقصد العقدي في رجم الشيطان ثلاثا
تتجلى المقاصد العقدية عند تتبع منهج إبراهيم عليه السلام، والسير على خطاه في السمع والطاعة لأمر الله تعالى؛ ليتجلى عنده توحيد الله تعالى، ومن ثم العمل بكل مراد الله تعالى؛ فيظهر ذلك جليا في الذب عن حرمات الله، قال تعالى: ﴿ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾ (الحج: 30)، والقيام بشعائره من إحرام وتلبية ومناسك، قال تعالى: ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ (الحج: 32)، كما يظهر المقصد العقدي عند تعظيم الكعبة فقد قال الله تعالى:﴿جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس﴾ (المائدة: 97).
فالكعبة رمز لصلاح الدين والأمان به، كما يظهر المقصد العقدي في تكوين الشخصية الجهادية بالثبات على الحق ﴿وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج..﴾ (الحج: 78)، ويتجلى التنفيذ الفوري لأوامر الله قال تعالى: ﴿ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ (الحج:29)، والقوة على التحمل في نصر منهج الله؛ لتحقيق النصر على أعداء الدين، قال تعالى: ﴿ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقوي عزيز﴾ (الحج: 40).
ويتجلى المقصد العقدي أيضا في التجرد من الدنيا برمزية اللباس الأبيض الذي لا مخيط فيه، والذي يشبه الكفن؛ ليذكرنا بمصيرنا الأخروي، وكذلك يتجلى المقصد العقدي في رجم الشيطان ثلاثا؛ والذي فيه دلالة على ما يريده الله منا من التنبه لكيد الشيطان، والسعي في دحر وساوس الشيطان ومكائده؛ باللجوء لله تعالى، والعمل بكل ما جاء في منهج الله جملة وتفصيلا؛ وذلك ما آمن الناس بالله ورسوله وأقاموا فرائضه، دون الاعتداء فيه على أحد، ولا على حرمات الله ونسكه وهديه، فتعظيم حرمات الله وشعائره من المقاصد العقديّة التي تقربنا لله تعالى، بتمثل منهجه بما أمر، فعلا وتركا.
تظهر مقاصد دعوية من خلال تسمية سورة من سور القرآن الكريم باسم الحج الذي يجمع أمة الإسلام على التوحيد والاستسلام لمنهج الله بكل تفاصيله، كما يظهر المقصد الدعوي في عالمية الدعوة عندما ذكر في سورة الحج (يا أيها الناس)
وهناك مقاصد تربوية تتبين في أمر الله بترك الرفث والفسوق والجدال في الحج، وبالتزود بالتقوى ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الالباب﴾ (البقرة:197)، فالحج أكثر ما يمكن أن تتبين فيه حقيقة أخلاق المسلم، فقد ترك المسلم الوطن والأهل والمال، وعانى مشاق السفر؛ ليتتبع منهج خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.
فالحج مرتبط بأحداث حقيقية، متمثلة بشخص إبراهيم عليه السلام وأسرته؛ ليتجلى منهج إبراهيم التربوي الإبن والزوج والأب في دحض الأصنام، وإثبات توحيد الله تعالى في نفسه ابتداء ثم أسرته ثم مجتمعه ثم أمته، وسعي هاجر الزوجة والأم الصابرة المصابرة عندما سألت إبراهيم عليه السلام "آالله أمرك بهذا؟!"، وتضحية إسماعيل الابن البار عندما قال: ﴿يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين﴾ (الصافات: 102)، فالقصد التربوي يتجلى في امتثال أمر الله تعالى دينا وخُلقا: ﴿وهُدوا إلى الطّيب من القول وهُدوا إلى صراط الحميد﴾ (الحج: 24).
ثم تظهر مقاصد دعوية من خلال تسمية سورة من سور القرآن الكريم باسم الحج الذي يجمع أمة الإسلام على التوحيد والاستسلام لمنهج الله بكل تفاصيله، كما يظهر المقصد الدعوي في عالمية الدعوة عندما ذكر في سورة الحج (يا أيها الناس) أربع مرات، وذكر (ومن الناس) أربع مرات أخرى، فالناس خليفة الله على الأرض، وبالتالي لا بد لهم من القصد في سبيل الله إلى تجمع في مكان وزمن محدد للقيام بمناسك خاصة تذكرهم بالتقوى وقيام الساعة، فهما محركا الدعوة ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم﴾ (الحج: 1).
مقاصد الحج تبين أهمية دورنا العقدي والتربوي والدعوي في نشر دعوة الله تعالى، كما نشرها إبراهيم عليه السلام من خلال إخلاص التوحيد وحسن العبادة، ومجاهدة النفسن وتربيتها
وفي قول الله تعالى ﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث.. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كلّ شيء بهيج﴾ (الحج: 5) يتجلى مفهوم البعث الذي يبعث فينا قيمة الدعوة بمنهج الله، والتي هي سرّ حياة الأرض التي نعيشها، وقال تعالى أيضا: ﴿يا أيها الناس إنّما أنا لكم نذير مبين﴾ (الحج: 49)، إن الرسل والدعاة وظيفتهم التذكير؛ ليكونوا النذير للعالمين، قال تعالى: ﴿يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوه له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له..﴾ (الحج: 73)، فقد جاءت الآية لتبرهن على ضعف الإنسان، وعجزه إن دعى من دون الله، ليظهر أن قوة الإنسان هي من قوة الله وحوله، ما تسلح بمنهجه ودعى إليه.
مما سبق نجد أن مقاصد الحج تبين أهمية دورنا العقدي والتربوي والدعوي في نشر دعوة الله تعالى، كما نشرها إبراهيم عليه السلام من خلال إخلاص التوحيد وحسن العبادة، ومجاهدة النفسن وتربيتها، وتربية من هم تحت كفالتنا ورعايتنا بالحسنى، ثم أن نكون دعاة بالقدوة لمن حولنا بالأخلاق الحميدة، فيتم نشر دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن، إن هذه المقاصد مجتمعة متحققة؛ تمكن لأمة الإسلام أن تكون أمة تستحق أن تحمل لواء الحضارات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.