تقليد حربي جديد، ابتكره المسلمون في صدر الإسلام، وهو غزوات الشواتي والصوائف. فما أسباب ظهور هذا التقليد الحربي؟ وأين ظهر؟ ومن ابتكره؟ وماذا كانت أهميته؟
كان فتح القسطنطينية، هو الهدف الأبرز لمعظم الخلفاء الأمويين، بجانب حماية حدود العالم الإسلامي، ووضع حد لغطرسة الروم، الذين ظل يراودهم حلم العودة إلى الشام، حيث أماكنهم المقدسة
تعريف بغزوات الشواتي والصوائف
غزوات الشواتي والصوائف هي تلك الغزوات المتواصلة التي شنها المسلمون ضد الإمبراطورية الرومية، والتي بعد أن طردوها من الشام، تحصنت بالموقع الفريد لعاصمتها القسطنطينية، وببعض الثغور في آسيا الصغرى، حيث كانت هذه المنطقة، ذات التضاريس القاسية، والمسالك المعقدة، والطقس البارد، مسرحا لمعارك ضارية، بين جيوشها، والجيوش المسلمة.
فقد كان فتح القسطنطينية، هو الهدف الأبرز لمعظم الخلفاء الأمويين، بجانب حماية حدود العالم الإسلامي، ووضع حد لغطرسة الروم، الذين ظل يراودهم حلم العودة إلى الشام، حيث أماكنهم المقدسة، وذلك من خلال هذا التقليد الحربي، الذي ظهرت بوادره في العصر الراشدي، واستمر طوال العهد الأموي، وخلال عصر القوة العباسي، وانتقل إلى المغرب في عصر الولاة، ومنها إلى الأندلس.
وكان من عوامل قوة الدولة الإسلامية، وبتلاشي هذا التقليد الحربي، تلاشت قوتها، وتناوشتها السيوف.وكان معاوية هو المؤسس الحقيقي لهذا التقليد الحربي، بعد توليه الخلافة بدمشق (40ه)، فقد حرص على توجيه الحملات شتاء وصيفا، ضد الروم في آسيا الصغرى، في توقيت محدد سنويا، وهو شباط لخروج الشاتية، وتموز لخروج الصائفة، بجانب غزوات عديدة في الربيع.
عبد الله بن قيس الحارثي، الذي قاد شاتية سنة 57هـ. وعمرو بن مرة الجهني، الذي قاد آخر الشواتي البرية في عهد معاوية
الشواتي والصوائف في عهد معاوية
وبلغت غزوات الشواتي والصوائف في عهد معاوية 15 غزوة، منها 12 شاتية، و3 صوائف. وكانت سنة 45هـ، هي بداية هذا التقليد الحربي، فقد أخذت الشواتي والصوائف تنطلق سنويا نحو آسيا الصغرى، وكان رائدها هو القائد المظفر عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، والذي كان لانتصاراته على هذه الجبهة، دويا هائلا لدى الشاميين.
وتوالت بعده الغزوات، وتألق خلالها قادة جدد صقلتهم الحروب بهذه المنطقة منهم: مالك بن عبدالله الخثعمي، والذي قاد شاتية سنة 46هـ، واخرى سنة 58هـ. ومالك بن هبيرة السكوني، والذي قاد شاتية سنة 47هـ، وأخرى سنة 49هـ. وفضالة بن عبيد، والذي قاد شاتية سنة 49هـ. ويزيد بن شجرة الرهاوي، والذي قاد شاتية بحرية سنة 49هـ، وأخرى سنة 57هـ. وسفيان بن عوف الأزدي، الذي قاد شاتية سنة 52هـ، وأخرى سنة 55هـ. وجنادة بن أبي أمية الدوسي، الذي قاد شاتية بحرية سنة 56هـ، وقاد آخر الشواتي البحرية في عهد معاوية، إلى رودس.
وعبد الله بن قيس الحارثي، الذي قاد شاتية سنة 57هـ. وعمرو بن مرة الجهني، الذي قاد آخر الشواتي البرية في عهد معاوية. بجانب غزوات عديدة في الربيع، كغزوة عقبة بن عامر (48هـ)، وكغزوة يزيد للقسطنطينية (49هـ). وبوفاة معاوية (60هـ)، توقفت الغزوات، بسبب الفتن التي حدثت في عهد يزيد وبعده.
تجدد التهديد الرومي للشام، لكن عبدالملك بن مروان الذي سد مسد معاوية، كان لهم بالمرصاد، وبمجرد اخماده للفتن، سنة 73هـ، بادر باستئناف غزوات الشواتي والصوائف على هذه الجبهة
عبدالملك واستئناف الشواتي والصوائف
ونتيجة لتلك الفتن، ولتوقف الشواتي والصوائف في جبهة آسيا الصغرى، فقد تجدد التهديد الرومي للشام، لكن عبدالملك بن مروان الذي سد مسد معاوية، كان لهم بالمرصاد، وبمجرد اخماده للفتن، سنة 73هـ، بادر باستئناف غزوات الشواتي والصوائف على هذه الجبهة، وتولى قيادتها أخوه محمد بن مروان، الذي عرف بقائد الصوائف، إذ حقق في إحداها انتصارا على الروم سنة 73هـ، وتصدى لهم في غزوة ثانية سنة 75هـ، بعد تجاوزهم الحدود عند مرعش. وبعد هذه الغزوات الرادعة، هدأت الحرب في هذه الجبهة، وانصراف الخليفة عبدالملك للإصلاحات الداخلية، التي كانت دولته بأمس الحاجة إليها، وقد استمر ذلك الهدوء، حتى سنة 83هـ، حيث تطالعنا فيها غزوة قادها عبدالله بن محمد بن مروان، وكانت غزوة بعيدة المدى.
فقد توغل فيها في أعماق البلاد الرومية، حتى طرندة، فأفتتحها واسكنها المسلمين، حيث ظلوا مقيمين بها إلى سنة 100هـ، حين اجلاهم منها الخليفة عمر بن عبدالعزيز إلى ملطية، خوفا على أرواحهم، لبعد طرندة وانقطاعها التام في الشتاء بسبب الثلوج. ولكن بموت عبدالملك سنة 86هـ، وتولي الوليد، استؤنفت الشواتي والصوائف بصورة منظمة وقوية في هذه الجبهة.
في سنة 91هـ، خرج في صائفة، تلتها غزوة في العام التالي (92هـ)، وافتتح خلالها ثلاثة حصون. وتلتها غزوة في العام الذي يليه (93هـ) وافتتح خلالها، أربعة حصون بناحية ملطية.
مسلمة وذروة غزوات الشواتي والصوائف
وخلال هذه الفترة تألق نجم مسلمة بن عبدالملك، واقترنت باسمه معظم الغزوات في عهد أخيه الوليد وما بعده، ودشن مسلمة حروبه بغزو بلاد الروم غزوتين متتاليتين سنة 87هـ، افتتح خلالهما عدة معاقل بنواحي المصيصة، وفي سنة 88هـ غزا طوانة وافتتحها. وفي سنة 90هـ افتتح حصن سورية، وسحق جيش الروم في معركة طاحنة جرت عند عمورية، التي دخلها ظافرا بعد ذلك.
وفي سنة 91هـ، خرج في صائفة، تلتها غزوة في العام التالي (92هـ)، وافتتح خلالها ثلاثة حصون. وتلتها غزوة في العام الذي يليه (93هـ) وافتتح خلالها، أربعة حصون بناحية ملطية. وخلال السنتين التاليتين، توقف مسلمة عن الغزو، وتناوب في الخروج فيهما بدلا عنه اثنان من أبناء الخليفة الوليد، لكن مسلمة استأنف نشاطه بصائفة سنة 96هـ، وهو العام الذي مات فيه الوليد، وتولى الخلافة أخوه سليمان، والذي أوقف الشواتي والصوائف، وجهز حملة ضخمة لفتح القسطنطينية سنة 98هـ، بقيادة مسلمة نفسه، حيث امره بأن يقيم عليها حتى يفتتحها، ولكن الحملة انتهت إلى الإخفاق. وعاد مسلمة بعد ذلك يغزو هذه المنطقة صيفا وشتاء، وبخاصة في عهد أخيه هشام (105-123هـ). وهذا بجانب غزوات قادها أبناء الخلفاء.
هؤلاء الأبناء إما أنهم كانوا يتناوبون في الخروج للغزو كمساعدين لعمهم مسلمة، أو أنهم كانوا يتولون قيادة الجيوش والخروج إلى الغزو بأنفسهم. وهذا بجانب قادة آخرون من البيت الأموي
أبناء الخلفاء وغزوات الشواتي والصوائف
وكان أبناء الخلفاء الأمويين مشاركين مشاركة فعالة في هذه الغزوات، بجانب مسلمة، فقد كان الخلفاء يلزمونهم بالخروج، أو يمنعون عنهم العطاء. وبالإضافة إلى محمد بن مروان، وابنه عبدالله، ومسلمة الذين ذكرناهم آنفا، عرفنا العديد من أبناء الخلفاء على هذه الجبهة، فمن أبناء عبدالملك عرفنا أيضا سعيد بن عبدالملك، وكان قائدا لصائفة في عهد أخيه يزيد (105هـ)، وأخرى في عهد أخيه هشام (106هـ).
ومن أبناء الوليد، عرفنا خمسة، العباس بن الوليد، فقد كان اليد اليمنى لعمه مسلمة في غزوتين الأولى سنة 88هـ، والثانية سنة 90هـ، ثم عرفناه قائدا مطلقا لثلاث غزوات متتالية (93هـ)، (94هـ)، (95هـ). ومن أبناء الوليد أيضا عرفنا عبدالعزيز وعمر ومروان وبشر ومن أبناء سليمان عرفنا داود وأيوب.
ومن أبناء يزيد عرفنا النعمان. ومن أبناء هشام عرفنا خمسة: معاوية (والد عبدالرحمن الداخل)، وإبراهيم، وسعيد، وسليمان، ومسلمة. وهؤلاء الأبناء إما أنهم كانوا يتناوبون في الخروج للغزو كمساعدين لعمهم مسلمة، أو أنهم كانوا يتولون قيادة الجيوش والخروج إلى الغزو بأنفسهم. وهذا بجانب قادة آخرون من البيت الأموي، ومن بقية المسلمين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.