ربما تكون الحروب هي أبشع ما يقدم عليه بنو البشر، فيدمرون ما بناه الآباء والأجداد، ويصدرون ما يفيض من آثار سلبية إلى الأبناء والأحفاد. لكن الحروب على غلظتها لا تخلو من غرائب بل وربما طرائف، سواء فيما يتعلق بأسباب قيامها أو ملابسات دورانها.
ولذلك لم يكن غريبا أن يشهد العالم حروبا لأسباب عبثية، يتعلق بعضها بخنزير أو كلب ويتعلق بعضها الآخر بخلاف على دلو خشبي أو مباراة لكرة القدم ناهيك عن حرب نشبت بسبب قطع أذن أحد الأشخاص. ولا تقتصر الغرابة على الأسباب، وإنما تجدها أيضا في ثنايا التفاصيل وطبيعة التكتيكات.
في الحرب العالمية الثانية استخدمت روسيا الكلاب كألغام مضادة للدبابات عن طريق ربط المتفجرات حول أجسادها، بينما استخدمت الولايات المتحدة الوطاويط ضد اليابان التي استخدمت بدورها ما عرف بمناطيد النار.
صحيح أن الأسلحة التقليدية تبقى هي الأساس، سواء كانت قديمة مثل السيف والسهم والرمح، أو حديثة مثل البندقية والمدفع حتى الدبابة والطائرة والصاروخ، لكن بعض الدول قد تلجأ خلال الحروب والصراعات إلى ما يخرج عن هذا النطاق!
فعلى سبيل المثال، شهدت الحرب العالمية الأولى استمرار ما كان مألوفا من الاعتماد على الحيوانات كالأحصنة، والطيور كالحمام الزاجل، لكن الجديد كان الاعتماد على القطط خصوصا من جانب العسكريين المحتمين بالخنادق، في مهام محددة كان منها المهمة الأثيرة لدى القطط وهي مطاردة الفئران والتخلص منها لتسهيل المكث في الخنادق.
وفي الحرب العالمية الثانية استخدمت روسيا الكلاب كألغام مضادة للدبابات عن طريق ربط المتفجرات حول أجسادها، بينما استخدمت الولايات المتحدة الوطاويط ضد اليابان التي استخدمت بدورها ما عرف بمناطيد النار.
لجأت كوريا الجنوبية أيضا إلى إرسال المناطيد المحملة بالمنشورات الدعائية إلى أجواء كوريا الشمالية وهو ما أغضب الأخيرة قبل أن يتفق الجانبان في لحظة انفراج أخرى عام 2018 على الوقف التام لجميع الأعمال العدائية في جميع المجالات
مكبرات الصوت
وفي العقود الماضية برز الصراع الطويل بين الأشقاء في شطري شبه الجزيرة الكورية بما يحويه من غرائب كان آخرها ما تجدد خلال الأيام الماضية. فمن بين هذه الغرائب كان هناك سلاحان نادران تم استخدامهما من جانب الطرفين وهما مكبرات الصوت والمناطيد المحملة بالنفايات.
الشطر الجنوبي كان البادئ عبر مكبرات الصوت التي نصب منها العشرات على الحدود وجعلها تدوي بكل شيء بدءا من الموسيقى الغربية وحتى الأخبار والتقارير المنتقدة لكوريا الشمالية والتي تتهمها بالفساد وسوء الإدارة، بينما تتغنى في المقابل بالديمقراطية والرأسمالية وسهولة الحياة في كوريا الجنوبية.

ونظرا لقوة مكبرات الصوت هذه فقد كانت الأصوات تصل إلى مسامع قوات كوريا الشمالية المرابطة على الحدود وكذلك إلى سكان المناطقة الحدودية. وتم إيقاف هذه المكبرات في عام 2004 ضمن اتفاق توصل إليه البلدان لكن الأمر ما لبث أن عاد كما كان.
أيضا، لجأت كوريا الجنوبية أيضا إلى إرسال المناطيد المحملة بالمنشورات الدعائية إلى أجواء كوريا الشمالية وهو ما أغضب الأخيرة قبل أن يتفق الجانبان في لحظة انفراج أخرى عام 2018 على الوقف التام لجميع الأعمال العدائية في جميع المجالات، وكان من بينها بالطبع سلاحي المنشورات الدعائية ومكبرات الصوت.
برلمان كوريا الجنوبية كان قد أقر قانونا في عام 2020 يجرم إرسال منشورات إلى الشمال، لكن السلطات بررت ما حدث من انتهاكات للقانون بأن من قاموا بذلك هم نشطاء وليس السلطات
مناطيد النفايات
ومنذ بداية الشهر الجاري، تجدد الصراع وكان السلاح المستخدم هو المناطيد المحملة بالنفايات، حيث قالت كوريا الجنوبية إن كوريا الشمالية أرسلت إليها المئات من هذه المناطيد حاملة نفايات تتنوع ما بين أعقاب السجائر والنفايات الورق والبلاستيك والقماش.
وردت سول بغضب واضح حيث وصفت إرسال هذه المناطيد بأنها خطوة دنيئة وخطيرة، بينما ردت بيونغ يانغ بشكل ساخر واصفة الأمر بأنه هدايا صادقة للجار الجنوبي.
واعتبر وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك أن إرسال المناطيد يعد انتهاكا لاتفاق الهدنة بين البلدين الموقع في عام 1953، بل ووصل الأمر إلى أنه بحث مع نظيره الأميركي أوستن لويد ما جرى وأكدا ضرورة التنسيق للرد على أي تهديدات واستفزازات من كوريا الشمالية.
وما هي إلا أيام قليلة حتى أرسلت كوريا الجنوبية بدورها عشر مناطيد محملة بنحو 200 ألف منشور مناهض لرئيس كوري الشمالية كيم جونغ أون، لكن سول تقول إن المناطيد يتم إرسالها من جانب ناشطين,
الجدير بالذكر أن برلمان كوريا الجنوبية كان قد أقر قانونا في عام 2020 يجرم إرسال منشورات إلى الشمال، لكن السلطات بررت ما حدث من انتهاكات للقانون بأن من قاموا بذلك هم نشطاء وليس السلطات، ثم انتهى الأمر بإلغاء القانون في عام 2023 بدعوى أنه ينتهك حرية التعبير.
ولذلك فقد استغلت كيم يو جونغ شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، إرسال المناطيد للسخرية من الجارة الجنوبية وقالت تعليقا على المناطيد المرسلة إلى أجوائها بأن الكوريين الشماليين كانوا هم أيضا يمارسون حرية التعبير.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.