مما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، حث أمته على لبس الأبيض من الألوان، فقال صلى الله عليه وسلم: (البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ). رواه الترمذي
وذكر في بيان تعليل ذلك ما رواه النسائي عن سمرة رضي الله عنه بقوله: (الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُم).
وطهارته بظهور أي نجاسة تعلق به، وأما طيبه فهو يشع طمأنينة وهدوء وراحة، ويعتبر اللون الأبيض لونا روحانيا يبعث في النفس السلام والانسجام والراحة والطمأنينة، ولا يتوقف اتصالنا بالملابس البيضاء عند الشعائر الدينية كصلاة الجمعة والحج، بل نكفن بالأبيض.
كتبت الأستاذة جواهر الهياس في جريدة الشرق الأوسط العدد 9903: (في ذروة أيام الحج نشاهد الحجيج وهم يرتدون تلك الملابس البيضاء التي تخلو من أية مظاهر تدل على الزينة أوالبهرجة، في منظر مهيب يدل على تساوي الجميع باختلاف طبقاتهم، مما يوضح المضامين التي يحث عليها الدين الإسلامي من عدم التفرقة والمساواة وعدم التباهي، كل ذلك نشاهده من خلال توحد زي الحجاج المسلمين بملابسهم البيضاء التي جعلت منظر التجمع أكثر وحدة وتماسكا).
قال علماء النفس: ومن يظن أنه ليس لثياب الإحرام البيضاء تأثير ضمني على نفوس الحجيج فإن تفكيره في منأى عن الحقيقة، لأن الحقيقة هي أن اللون الأبيض عندما ينتشر في محيطك، وترى الآخرين حولك في ثيابهم البيضاء، فإنه يطلق إشعاعات قوية إلى نفسك وروحك بأن يا نفس كوني بيضاء كلباسي
تأثير عجيب على النفس
ومعلوم أن للألوان تأثيرها على الإنسان، فاللون يسمو بالروح ويغذي الأعصاب، ويريح الوجدان، وله تأثير واضح في حياة البشر، فمنه ما يبعث في النفس السرور والسعادة، ومنه ما يبعث الملل والاضطراب، ومنه ما يحفز الهمة، ومنه ما يحبطها، ومنه ما يوحي بالدفء ومنه ما يوحي بالبرد.
وكما قال علماء النفس: "ومن يظن أنه ليس لثياب الإحرام البيضاء تأثير ضمني على نفوس الحجيج فإن تفكيره في منأى عن الحقيقة، لأن الحقيقة هي أن اللون الأبيض عندما ينتشر في محيطك، وترى الآخرين حولك في ثيابهم البيضاء، فإنه يطلق إشعاعات قوية إلى نفسك وروحك بأن يا نفس كوني بيضاء كلباسي، وأن يا قلب تحرر من سوادك وحقدك وضغينتك، إلى بر الطهر والنقاء والصفاء، وأن يا إنسان لا يزال لسانك رطبا بهذا الدعاء المأثور عن أطهر الخلق صلى الله عليه وسلم: اللهم نقّني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".
علامة المساواة
والأبيض في الحج، هو اللون السائد للمدرسة التي نتعلم منها الكثير، وفيه إعلاء لقيمة المساواة بين البشر وبين المسلمين، فالكل لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ونجد المساواة في الحج واضحة بينة، فالرجال يتجردون من ملابسهم العادية، ويلبسون ثوبين إزارا ورداء، والكل عاري الرأس، يلهج بالذكر والدعاء فقيرا إلى ربه، متجردا من جاهه ونسبه وثروته ومكانته، لا حرس ولا حماية ولا منصب ولا استعلاء.
الحاج حينما يلبس الإحرام فإنه يشابه تلك الأكفان التي يكفن بها الميت ليلحد فيقبر فيمضي حيا بكفن الأموات، كما أن ذلك الجمع الغفير من الحجاج في مكان واحد وكل واحد منهم يلهج لسانه بدعاء ربه أن يتقبله ويعتقه من ناره، يذكره بموقف المحشر الذي يجمع فيه جميع الخلق وكل فرد قد شغل بنفسه عن غيره
- الدكتور بدر عبد الحميد
نقاء وصفاء
وفيه يقول فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله في كتابه "مناسك الحج" عن هذا المعنى: (ومن الرموز لقطع الصلة بالماضي واستقبال عهد جديد، أن يتخلَّى الإنسان عن ملابسه ليلبس ملابس الإحرام بيضاء ناصعة طاهرة نقية؛ توجيها لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في سره وعلانيته من الصفاء والطهر، وإن لم يعتبر اللون شرطا في الإحرام).
انتقال إلى الآخرة
أما الدكتور بدر عبد الحميد هميسة في كتابه "في مدرسة الحج" يربط بين حياتنا على الأرض وانتقالنا للحياة الآخرة: (يذكر المسلم بحقيقة غابت عن تفكيرنا وكرهتها نفوسنا وكم نهرب منها ولا بد لها أن تدركنا وأن نشرب من كأسها، إنها مفارقة هذه الحياة والانتقال إلى حياة البرزخ ثم الحياة الآخرة) ويقول: (فالحاج حينما يلبس الإحرام فإنه يشابه تلك الأكفان التي يكفن بها الميت ليلحد فيقبر فيمضي حيا بكفن الأموات، كما أن ذلك الجمع الغفير من الحجاج في مكان واحد وكل واحد منهم يلهج لسانه بدعاء ربه أن يتقبله ويعتقه من ناره، يذكره بموقف المحشر الذي يجمع فيه جميع الخلق وكل فرد قد شغل بنفسه عن غيره).
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.