شعار قسم مدونات

الإنسان العربي!

blogs العولمة
يسعى النظام الليبرالي للربح السريع دون أن يحقق أي تنمية ويلقي الفقر والاستبداد على البلدان النامية (مواقع التواصل الاجتماعي)

في عز اشتداد العلة بالرجل المريض، دبرت اتفاقية سايكس بيكو بين روسيا وبريطانيا وفرنسا لاقتسام التركة، وتوزع عدد من الدول العربية فيما بينها، لتصنف هذه الدول لاحقا بعد الاستقلال مع مجموعة الدول النامية، أو ما أطلق عليه العالم الثالث، ويكون إنسان العالم الثالث -وعلى وجه خاص الإنسان العربي- هو الإنسان العربي.

ذلك الإنسان ليس هو المحرم قتله في نص "لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق"، أو في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنَّم خالداً فيها..} [النساء:93]؛ بل هو الإنسان المستثنى المعزول والهامشي الذي لا قيمة له، والحرام حياته وليس موته.

في سياسة الحياة الحديثة: السيادي هو الذي يقرر قيمة الحياة أو انعدامها؛ فالحياة نفسها الآن تصبح موضع قرار سيادي، بعدما أضفي عليها مبدأ السيادة بموجب إعلان حقوق الإنسان.

فإذا كانت حياة الإنسان العربي غير مهمة، فإن ذلك يبرر قتله وسلبه ونهبه، وإزالته من الخريطة السكانية لدواعي سيادة السلطة، أو قوة الدولة التي تقرر استباحة دمه إذا ما عارضها والتضحية به دون خوف من العقاب، فأي عقاب يعلو على السلطة؟

هذه السردية للإنسان العربي نشأت بذورها منذ زمن الاحتلال، أو الاستعمار، أو الانتداب الذي أحدثته الدول الإمبريالية لأهداف إجرامية، ولكن هذه السردية أخذت منحى أكثر دموية مع ثورات الربيع العربي، وكذلك الأمر مع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، إذ رأينا الإنسان العربي هو الموضوع وراء حدود القانون البشري والإلهي، والذي لا يملك سلطة على مصيره، ولا حرية انتخاب السلطة، ولا أملا بالتغيير، ولا رجاء بالدعاء، ولا هدنة لوقف إطلاق النار.

يعتقد كثيرون أنه يجب قتل الإنسان العربي، أو تحقيق العدالة فيه، لا لشيء، إنما رغبة بالتخلص منه، فهو إنسان مستباح، ووجوده لا يعني أي شيء سوى عرقلة سيادة الاستعمار الخارجي أو الداخلي، فكلما أكثرنا من قتله نظفنا العالم منه، لأنه فضلة المجتمعات البشرية.

هذا القرار تنفذه دولة سيادية ما، هي المسؤولة بشكل مباشر عن وضع هذا الإنسان على خارطة هامشية، ثم تقوم بعد ذلك باستباحته وتبرر ذلك بمفاهيم الأخلاقيات النفعية، أو قوانين مستندة على العنف، أو أدوات سياسية أخرى.

في سياسة الحياة الحديثة: السيادي هو الذي يقرر قيمة الحياة أو انعدامها؛ فالحياة نفسها الآن تصبح موضع قرار سيادي، بعدما أضفي عليها مبدأ السيادة بموجب إعلان حقوق الإنسان. ولكن من يملك السيادة في الدولة الحديثة؟ أهو الشعب الممثل بالمجلس التشريعي (البرلمان)، أم الدولة في سلطتها التنفيذية، والتي تملك تعليق القانون والدستور بحالات الاستثناء (معارضة سيادتها)؟

قوى التدمير الراهنة في العالم كله، والعالم العربي بشكل خاص، تمنع تحقيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل شامل وموضوعي بعد أكثر من نصف قرن.

إن البشر يولدون أحرارا ومتساوين، ولكن ليس جميعهم يبقون كذلك بعد ولادتهم، إذ هناك دول تقودها أنظمة سياسية متناقضة، لا تتوقف عن الحروب المباشرة أو بالوكالة إلا لالتقاط الأنفاس، وهي الدول الرأسمالية الديمقراطية الاستعمارية التي دعت إلى الحريات الفردية وحرية اختيار الحاكم، مع استثناء المستعمرات (العالم الثالث) لأن شعوب هذه المستعمرات -برأيهم- متخلفة ومتوحشة، فهي تربط القانون بالعنف المبرر على أسس فكرية متحيزة لا إنسانية، مانعة تحقيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في هذه الدول باعتبار سكانها برابرة.

إن هذا الوضع المأساوي الراهن ليس نتيجة أمر حتمي لا فكاك منه، وإنما نتيجة مسؤوليات لم يتم الاضطلاع بها. وإن قوى التدمير الراهنة في العالم كله، والعالم العربي بشكل خاص، تمنع تحقيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل شامل وموضوعي بعد أكثر من نصف قرن.

وذلك بسبب الليبرالية الجديدة التي يقودها رجال السياسة، ورجال المال بشركاتهم الاستبدادية العولمية الجديدة، ورجال الدين الذين يسوغون إجراءات النظام الليبرالي ويفتون لرجال السياسة والمال، إذ يسعى هذا النظام للربح السريع دون أن يحقق أي تنمية، ويلقي الضغينة والفقر والاستبداد على البلدان النامية (العالم الثالث) أي داخل أطر بلد النظام هذا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان