يعيش المسلمون أياما هي من أعظم أيام الله قال تعالى (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ) قال قتادة أيام الله: هو حال العبد، إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
يتنفس المسلمون نفحة ربانية وتفضلا من الله الفضيل سبحانه، والعاقل الكيس من تعرض لها كما ذكر رسول الله (ألا إنَّ لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتَعَرَّضُوا لها) ومن ضمن هذا الفضل الذي يعاملنا به ولا يعاملنا بعدله.
هذه الشهور ربطها الله بالتقويم القمري لا بالشمسي يأتي ليدور مع مواسم العام في حر الصيف تارة أو الربيع أو الخريف أو برد الشتاء تارة أخرى في تعبير عن طبيعة هذا الدين بشموليته
ولو عاملنا بعدله لهلكنا جميعا، أن نعيش نفحات أياما يقام فيها ركن من أركان الإسلام والأيام هنا هي شهر شوال وذي القعدة وعشر ذي الحجة، نتزود فيها بالتقوى لتزيدنا معرفة بالله وليتعرف الحجاج على شعائر الله وليجددوا العهد مع الله وليشهدوا منافع لهم، كما قال ربنا (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
ونلمح أن هذه الشهور ربطها الله بالتقويم القمري لا بالشمسي يأتي ليدور مع مواسم العام في حر الصيف تارة أو الربيع أو الخريف أو برد الشتاء تارة أخرى في تعبير عن طبيعة هذا الدين بشموليته، فلا يحكمه ظرف أو زمن، وهكذا منذ أن أمر الله الخليل إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج، تتقلب الشعائر مع تقلب الأزمنة.
نعيش أياما طيبة أقسم الله بها فقال (والفجر وليال عشر) أيام تبتل وانقطاع لله عز وجل تأتي مصحوبة بفضائل الله، فكما يتفضل سبحانه علينا في رمضان فيأتي رمضان مصحوبا بالعشر الأواخر منه ومنه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، تفضل بعشر ذي الحجة ومنها يوم عرفه خير يوم طلعت عليه الشمس وأيام العمل الصالح فيها أعظم من غيرها، فعن بن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهاد في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ).
وفي رواية (فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ) كل حسب استطاعته يبذل ويجد في هذه الأيام، فهناك من يسر الله له في كثير صلاة وذكر وإنفاق وآخر يفتح له في عبادات أخرى بكثير صيام وصلة رحم، وهناك من فتح الله لهم أعظم الأعمال وهو الجهاد في سبيله ضد أبناء القردة والخنازير، بالجهاد بالنفس والمال وبكل شيء كما هو الواقع في البقعة المباركة حيث التي جمعت المحاسن ببركة الزمان أيام الحج وبركة العمل بالجهاد في سبيل الله وبركة المكان في الأرض المباركة بفلسطين.
الحج فريضه جمعت ما بين الشعائر البدنية التعبدية كالصلاة والصيام ومشقة السفر والشعائر المعاملاتية ببذل المال والخلفية بالصبر والحلم
والحج عرفه كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو من أحب أيام الله وأحب الأعمال فيه هو صيامه روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، ذلك اليوم الذي يؤدى فيه الركن الأعظم وهو الوقوف بعرفه حيث يعترف المسلم بذنوبه فيطلب المغفرة ويجدد العهد مع الله ويعلن توبته، وفيه يباهي الله عز وجل بهم ملائكته.
فما هي حقيقة الحج ومنافعه؟ وما هي حقيقة المعرفة في عرفه؟
الحج فريضه جمعت ما بين الشعائر البدنية التعبدية كالصلاة والصيام ومشقة السفر والشعائر المعاملاتية ببذل المال والخلفية بالصبر والحلم، قال تعالى (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، وهكذا تتحقق المعرفة والغاية من هذا الدين العظيم في منهجية تقوم شخصية المسلم بأن يكون متوازنا في مسيره إلى الله وإلى رضوانه فيجمع الإيمان بالعمل الصالح، والصلاة بالزكاة والذكر بالشكر.
ومن حقائق المعرفة في عرفات الله، أن يعرف المسلمون أن سر قوة هذا الدين في وحدتهم واعتصامهم بخالقهم وذلك يتحقق في الحج، حين يأتون ملبيين تلبية شعارها واحد (لبيك اللهم لبيك) بملبس واحد كالكفن، يطوفون حول حجر ويسعون حول حجر ويقفون حول حجر ويرمون بحجر في مكان واحد في قمة التسليم والإذعان لأمر الله، يعبدون إله واحد ويتبعون رسول واحد، ويلتفون حول كتاب ومنهج واحد لتتحقق وحدة الأمة التي عرفها الله فقال (وإن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) جسد واحد بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا بذلك تكمن قوتهم، وحين تغيب الغاية من العبادات والشعائر كان ما كان ، والحج يجسد تلك الحقيقه.
ومن حقائق الحج أن يتزود الحجاج بشحنة روحية هائلة عالية جدا وفي الأيام العشر نتفرغ نحن للذكر والصوم ويتفرغ فيها الحاج للعبادة متجردا من ثيابه الأنيقة، والروائح والزينة، لابسا الكفن متجردا من قيود الدنيا وزخرفها ومن معركة الحياة التي ضاقت بالناس ليأنسوا بالله، فتهدأ النفس بالله (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) في حين أن بعض فلاسفة الغرب يدعون الناس للعودة إلى الطبيعة ويتركوا المدنية بصخبها وقسوتها، هذا ليعلب اليوجا وهذا يسلم نفسه للطبيعة ويسترخي، وهذا نجده في ديننا بزاده الروحي من تسليم وانشراح للقلب وطمأنينة نفس، تتحقق في عرفات الله.
حين يتعرف المسلمون على حقيقة الحج والغاية من مناسكه والمراد منها من خلال التسليم والخضوع لله سبحانه والتعرف على خَلقه الذين جمعهم الله من كل بقاع الأرض في عرفات.
ومن المعارف الجليلة للحج وعرفات الله وعلى هذا الجبل عقد أول مؤتمر لهذه الأمة، لم يدعوا له أمير ولا رئيس إنما دعا ملك الملوك سبحانه فاستجابت الأمة في شتى بقاع الأرض، دعوا ليلتقوا على كلمة سواء، وقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وهذا المشهد المهيب في حجة الوداع بعرفه ليعلن فيه مبادئ الإسلام العالمية وحقوق الإنسان، وقرارت عظمى قال فيه، من حديث أبي بكرة أن رسول الله ﷺ قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: إن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت متفق عليه.
وقال أيضا: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ)، ثم ختم ليشهد الله والدنيا على هذه المبادئ السمحة، ألا هل بلغت ألا هل بلغت؟ فقالوا شهدنا فقال رسول الله اللهم فاشهد.
يا حبذا لو استُثمر هذا المؤتمر ليستفيد منه المسلمون، يتدارسون فيه مشكلاتهم وأولوياتهم وهموم أجيالهم ويضعون النقاط الحرجة التي تمر بها أمتنا، ويطرحون الحلول العملية ويأخذون الرأي والمشورة من المختصين، ليكن هذا المؤتمر محضن تربية وتوعيه، لشباب الأمه فالحج بمثابة معسكر تربية وبحث لتتخذ فيه القرارات الحاسمة من العلماء الراسخين وأهل الرأي، لحفظ هويتهم ومقدساتهم وحرماتهم، وموسم يوظف للتربية الروحية والخلقية وكذلك العمرة.
فلا يأتي الناس ويذهبون ولم يستفيدون سوى بالشعائر ولم يتعرفوا على حقيقة الحج كما حقيقة الصلاة تنهى عن الصلاة والمنكر فالحج بمثابة بداية انطلاق وتصحيح لكل عام، لقد أدرك أعداء الإسلام ذلك حتى قال أحد المبشرين كلمة مدويه (طالما أن القرآن والصلاة والحج والجمعة والأزهر، هذه الخمس قائمة فلن نستطيع استئصال هذه الأمة)، وللأسف نجحوا أن يجعلوها مظاهر شكلية فقدت الهدف فكان ما كان فينا من خلل ووهن ليعبث بنا وبدمائنا وبمقدراتنا.
حين يتعرف المسلمون على حقيقة الحج والغاية من مناسكه والمراد منها من خلال التسليم والخضوع لله سبحانه والتعرف على خَلقه الذين جمعهم الله من كل بقاع الأرض في عرفات، ليعلنوا وحدتهم وأنهم لن يتخلوا عن ثوابتهم ولا عن مقدساتهم ولن يخذلوا غزة العزة، بذلك أدركوا البوصلة وحقيقة هذا الدين العظيم وعمق هذا الحدث الجليل(الحج)، فليست المنافع في التجارة والكسب والعلم البحت وفي المناسك وفقط ولكن هناك منافع أوسع وأشمل تحتاجها أمتنا في ذلك الحال التي تعيشه.
حين ندرك ذلك نعرف حقيقة عرفات الله، وما هي المنافع المرجوة من الحج، وندرك معنى [ليشهدوا منافع لهم] وأدركنا حقيقة الحج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.