تغريبة القافر سردية من ماء، وللماء حيث لا يوجد إلا بمقدار الحاجة، قلما يفيض عنها، وإن فاض جرف معه كل شيء. سردية للماء في أرض جافة وقت المحل عندما تقبض السماء وتحل مواسم الجفاف لتأتي على كل أخضر ويابس، وحين تهجر الأفراح والأهازيج والأغاني إلى غير رجعة، فيحتل مكانها الخوف والتوجس مما يحمله غذ المحل، ليمتحن الإنسان في قدرته على الصمود وعلى النجاة.
وهي أيضا احتفاء بالماء حين الخصب، لما تجود السماء لتعيد الحياة لكل شيء، البشر والشجر والحجر. فتتلون الجبال والتلال والوديان، بفضل ماء لا لون له بألوان الطبيعة الزاهية، ليتأهب الإنسان في لحظة شعور بالرخاء ويمنح فرصة للحياة، لتستأنف دورتها.
تغريبه القافر عنوان رحلة بحث أزلي عن الماء، هذا الماء الذي يغور في أعماق الأرض تارة، وتارة أخرى يسيل عبر الأفلاج التي تضرب قنواتها في أعماق الوديان، والتي تختلف أشكالها ومساراتها.
وليس هناك أفضل من الحب، حب القافر الباحث عن الماء، ليدفئ القلوب، ولتسري طمأنينة ما بعد فرج السماء في مسام الأجساد، وتدق الطبول وتسمع الأهازيج، وتذبح المواشي قربانا لحلول سنوات الرخاء.
يرسم زهران القاسمي، كاتب الرواية، بفنية مميزة جدلية تتجاذب حياة إنسان المداشر والقرى المعزولة والبعيدة، حياة بين اليباس والأخضر. هذه الحياة ٧ المرتبطة دوما بقدر عطاء السماء من الماء، الماء الذي يختار بعناية كيف يبدأ مرحلة لينهي أخرى أو العكس في دورته السرمدية.
تغريبه القافر عنوان رحلة بحث أزلي عن الماء، هذا الماء الذي يغور في أعماق الأرض تارة، وتارة أخرى يسيل عبر الأفلاج التي تضرب قنواتها في أعماق الوديان، والتي تختلف أشكالها ومساراتها.
يبحث عن أي فرصة تتاح أو جهد أي قافر، باحثا عن الماء بعد أن أنهكه تعب الحفر بحثا عن النجاة تحت الأرض. الماء بمقدار غوره تحت الأرض، بمقدار ما يكافئ العطشى ويمنحهم وقت انفجاره من باطنها، من بين الرمل والحصى ومن أعماق الصخر الذي يتفتت وتتشعب التشققات خلاله، سبب واحد أو أسباب كثيرة للاحتفال وإعداد الولائم.
سالم بن عبد الله (ود الغريقة) بطل الرواية وقافرها، له حظ ومنذ صرخته الأولى حين خرج من بطن أم غريقة، من حاسة سمع خارقة تفصله عن عالم ما يدرك بالحواس الأخرى، ليسافر إلى عالم الأصوات المتداخلة حتى صار يدرك بدقة خرافية ماهية الأصوات ويميز بينها، إذ كان يسمع حتى دبيب النمل وهو يتسلق جدوع الأشجار.
تلخص الرواية في قالب سردي إبداعي أنيق وملفت، حياة إنسان القرى في علاقته مع الماء، وكيف تؤثر وفرته أو ندرته في محيطه وكذا أحاسيسه، وعلاقاته الاجتماعية، وحتى طبيعة تفكيره، فالماء هو الذي يعطي معنى لكل شيء، للفرح والحزن، وأيضا للحياة والموت معا.
القافر رمز الرواية الكبرى. فمهنة القافر، هذا إن صح التعبير، مهنة لا يخلو ربع من ربوع الصحراء الممتدة من الخليج إلى المحيط من ممتهنيها، تحمل دلالات عديدة لحياة إنسان يعيش على طبيعة الندرة في كل مناحي حياته، وليس الماء وندرته وتعاقب سنوات الجفاف بعد الخصب أو العكس ضمن معايير الصحراء.
هذا القافر، الإنسان الموهوب ذو الحواس الاستثنائية يكاد يميز بين الناس من وقع خطواتهم على الأرض، يعتمد على موهبته وحواسه الاستثنائية وقت المحل والجفاف في إيجاد منابع المياه في جوف الأرض، بعد أن تقبض السماء أو تجف مياه سطحها، واقتفاء أثره في الأرض القفار – وبالتحايل كذلك على الماء المندس في باطن الصخور بالالتفاف حول مخزونه، والبحث في كل الجهات عن مفاتيحه، ليكون الضفر نقطة تستأنف منها الحياة دورتها في الصحراء وتنسي الإنسان عذاباته وقهره إلى حين.
تلخص الرواية في قالب سردي إبداعي أنيق وملفت، حياة إنسان القرى في علاقته مع الماء، وكيف تؤثر وفرته أو ندرته في محيطه وكذا أحاسيسه، وعلاقاته الاجتماعية، وحتى طبيعة تفكيره، فالماء هو الذي يعطي معنى لكل شيء، للفرح والحزن، وأيضا للحياة والموت معا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.