أدت الحرب المندلعة في سوريا منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، إلى تردي كبير في الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ما دفع عدداً كبيراً من السوريين والسوريات إلى الهجرة من بلادهم. وبينما كانت هجرة الرجال في بداية الحرب أكبر لأسباب أمنية، أو خوفاً من التجنيد الإجباري أو الاعتقال، فقد تزايدت منذ أعوام قليلة هجرة السوريات بشكل كبير، بسبب الحالة المزرية التي وصلت إليها البلاد، خاصة من الناحية الاقتصادية والأمنية.
وقد أظهرت دراسة أن وسطي نسب الهجرة من العائلات السورية وصلت إلى ما بين (20 و70%)، في العامين 2022 و2023، وتكاد هذه الهجرة تكون يومية، من جميع الأحياء، بنسب تتفاوت بين مدينة وأخرى (طلال مصطفى، موجبات الهجرة المركّبة في سوريا وانعكاساتها المجتمعية).
وأظهرت الدراسة أن هناك ميلاً باتجاه هجرة النساء، إذ تصل النسبة إلى (40-50%)، مقارنة بالذكور، ومقارنة بالموجة الأولى من الهجرة السورية التي تمت بين أعوام 2012-2019، إذ كانت تطغى عليها هجرة الذكور، بسبب ظروف الحرب والخوف من التجنيد العسكري الإجباري والاعتقالات… إلخ، وكان من أبرز المتغيرات في منظور الهجرة ارتفاع نسبة الإناث المهاجرات والراغبات في الهجرة الكلية، أو الساعيات للعمل خارج البلاد لأسباب اقتصادية واجتماعية صعبة، وهنا تبرز إشكالية تحديد نوع هذا الانتقال، هل هو هجرة أو لجوء.
بالنسبة للمرأة السورية فإن خروجها من سوريا بسبب الحرب كان يُصنف على أنه لجوء، كون السبب المباشر له هو الهروب من القتل أو الاعتقال، لكن خروجها في السنوات الأربع الأخيرة لك يكن هرباً من الموت، بل كان لأسباب اقتصادية محضة
مهاجرة أم لاجئة؟
ميزت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بين اللاجئ والمهاجر، وأكدت أنه لا يمكن استخدام المصطلحين كمترادفين، فاللاجئون يغادرون بلادهم للفرار من تهديد ما لحياتهم أو حريتهم. وحالتهم معرّفة ومحمية في إطار قانوني دولي محدد. أما مصطلح "مهاجر"، فغير معرّف في القانون الدولي، وجرت العادة أن تستخدم كلمة "مهاجر" لوصف الأشخاص الذين ينتقلون باختيارهم بدلاً من الفرار من نزاع أو اضطهاد.
إلا أن معدل استخدام مصطلح مهاجر بوصفه مصطلحاً شاملاً للإشارة إلى أي شخص ينتقل من مكان إقامته الطبيعي، سواء داخلياً أو عبر الحدود، بصرف النظر عما إذا كان هذا الانتقال قسراً أو طواعية قد زاد في السنوات الأخيرة كثيراً؛ ما دفع المفوضية بأن توصي ألا تُستخدم كلمة "مهاجر" كمصطلح جامع للإشارة إلى المهاجرين أو الأشخاص الذين ربما يحتاجون إلى الحماية الدولية، ففعل ذلك قد يؤدي إلى إعاقة وصول أشكال الحماية القانونية المحددة التي تلتزم الدول بتقديمها إلى اللاجئين، لكننا نرى أن استخدام المصطلحين يكاد يكون مترادفاً في كثير من الأحيان، خاصة في وسائل الإعلام.
وبالنسبة للمرأة السورية فإن خروجها من سوريا بسبب الحرب كان يُصنف على أنه لجوء، كون السبب المباشر له هو الهروب من القتل أو الاعتقال، لكن خروجها في السنوات الأربع الأخيرة لك يكن هرباً من الموت، بل كان لأسباب اقتصادية محضة، وبالتالي هل يتم التعامل مع هذا التغيير من قبل الدول، واعتبار المرأة السورية مهاجرة وليست لاجئة؟
الملاحظ أنه مع ارتفاع عدد اللاجئين السوريين على مستوى العالم، كان هناك عدم تمييز بين اللاجئ منهم والمهاجر، إذ كان هناك ارتفاع في كراهية الأجانب والهجمات العنصرية ضدهم، كما يحدث في البلاد التي وصلوا إليها، التي شهدت أزمات اقتصادية متفاقمة، وقد أدت زيادة المشاعر المعادية للاجئين، إلى انتشار معلومات مضللة عنهم، حفزتها الخطابات التحريضية من الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة، ونتج عنها اعتداءات عنصرية على اللاجئين السوريين.
بالإضافة إلى ما يتعرضون له من مشاعر عنصرية في أوروبا بسبب تنامي "الإسلاموفوبيا"، وانتشار الصور الذهنية، المرتبطة بالإرهاب أو التخلف والتي تضعهم موضع المتهم المشكوك في أمره، الذي لا يؤتمن، مما عرض النساء خاصة لمخاطر كبيرة.
الحديث عن المرأة السوريا بمعزل عن أسرتها وأطفالها حديث مجتزأ، نظراً لطبيعة المجتمع السوري الذي تحتل الأسرة فيه مكانة مهمة، وتكون الأم محور هذه الأسرة، وتقع على عاتقها في غالب الأحيان مسؤولية الاهتمام بالأولاد
هجرة ومخاطر لا تنتهي
تتعرض النساء السوريات المهاجرات إلى مجموعة كبيرة من المخاطر، خاصة إذا كانت طريقة الهجرة غير نظامية، وقد اضطرت الكثيرات منهن لمغادرة بلادهن بطرق غير نظامية، خاصة بعد أن أُغلقت معظم الطرق النظامية أمامهن، وهذا ما جعلهن عرضة لشتى أنواع المشاكل والمخاطر، بدءاً من استغلال المهربين لهن، وصولاً إلى إجراءات الإقامة وتعقيداتها في البلد المضيف. وتحددت خيارات بعضهن للهجرة إلى أماكن معينة قريبة للسهولة النسبية للوصول إليها، وهذا ما أدى بالكثيرات للقبول بعمل متدني الأجر، أو يخلو من الحقوق والحماية.
ومن جهة أخرى تواجه الكثير من المهاجرات السوريات صعوبات في الاندماج مع المجتمعات المضيفة وتحصيل حياة كريمة، وذلك لأسباب كثيرة، منها عدم إتقان لغة البلد المضيف، والتأثير النفسي الذي خلفته الحرب في نفوسهن، والقلق الدائم الذي تشكله مسألة الحصول على الأوراق القانونية لإقامتهن في البلد. كما أن كثيراً من النساء السوريات لم يأخذن فرصتهن في العمل في بلادهن، وهو ما يزيد من صعوبة انخراطهن في سوق العمل. وأحياناً تكون العنصرية وكراهية الأجانب والإسلاموفوبيا أيضاً عوائق كبيرة أمام النساء السوريات المهاجرات وتحد من قدرتهن على تحصيل حياة كريمة في البلد المضيف، كما في أوروبا مثلاً، وهو ما يجعل مسألة حصولهن على عمل أمراً صعباً.
بالطبع فإن الحديث عن المرأة السوريا بمعزل عن أسرتها وأطفالها حديث مجتزأ، نظراً لطبيعة المجتمع السوري الذي تحتل الأسرة فيه مكانة مهمة، وتكون الأم محور هذه الأسرة، وتقع على عاتقها في غالب الأحيان مسؤولية الاهتمام بالأولاد، وبسبب ظروف الحرب التي مرت بها سوريا، فإن أعداداً أكبر من النساء بتن مسؤولات عن الأسرة رعاية وإنفاقاً، وهو ما يزيد من الصعوبات أمام النساء المهاجرات اللواتي يضطررن لاصطحاب أطفالهم، ويكون عليهن الاهتمام بهم أيضاً.
يجب على الحكومات المضيفة أن تضمن حقوق جميع النساء المتواجدات على أراضي الدولة بغض النظر عن وضعهن كمهاجرات أو لاجئات أو مشمولات بقوانين الحماية المؤقتة. وتشمل هذه الحقوق الحق في الوصول إلى التربية والتعليم، وإلى الرعاية الصحية
حلول ومقترحات
المسبب الأول لمعظم حالات اللجوء والهجرة من سوريا هي الحرب، وما تبعها من ظهور مناطق النفوذ المختلفة، لسلطات وقوى محلية ودولية سيطرت على البلد وتناحرت فيما بينها، مما أدى لانعدام الأمن وتدهور الاقتصاد، وتدني المستوى المعيشي والتعليمي والصحي، لذلك فإن جهود بناء السلام في سوريا سيكون مفتاح الحل للهجرة، وداعماً للاستقرار فيها، بالإضافة إلى ضرورة تكثيف الدعم الإنساني ومشاريع الاقتصاد والتعافي، خاصة للنساء المتضررات من الحرب، مما سيسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية المزرية في البلاد، وبالتالي سيخفف من الرغبة بالهجرة أو اللجوء.
كما يجب على الحكومات المضيفة أن تضمن حقوق جميع النساء المتواجدات على أراضي الدولة بغض النظر عن وضعهن كمهاجرات أو لاجئات أو مشمولات بقوانين الحماية المؤقتة. وتشمل هذه الحقوق الحق في الوصول إلى التربية والتعليم، وإلى الرعاية الصحية، والسكن والعدالة والعيش الكريم. وينبغي للحكومات أن تضع جدران حماية لتفادي نقل جميع مزودي الخدمات الاجتماعية، من القطاعين العام والخاص، لبيانات ذات طابع شخصي بشأن مهاجرات غير نظاميات لغرض مراقبة الهجرة وتدابير التطبيق، لتتمكن المهاجرات من التمتع بحقوقهن الأساسية دون الشعور بالخوف من أن يتم الإبلاغ عنهن لمصالح الهجرة، وهو ما يسهم في حمايتهن من الاستغلال والابتزاز.
أخيراً.. فإن التزام الدول المضيفة بالمبادئ والخطوط التوجيهية بشأن حماية حقوق الإنسان للمهاجرين في الأوضاع الهشة التي أصدرها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خاصة ما يتعلق بالفتيات والنساء المهاجرات، يعد أمراً مهماً لحماية المهاجرات السوريات، وتصميـم تشريعات وسياسـات، وبرامـج لتلبيـة الاحتياجـات والحقوق الخاصـة بالنسـاء، والفتيات المهاجرات عموماً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.