لولا أنه بولندي الأصل لتوقعنا أنه إيطالي، وذلك لإتقانه أسلوب الــــ "كاتيناتشيو" الذي اشتهر به المنتخب الإيطالي لكرة القدم، وهو أسلوب لعب دفاعي يتضمن تكتيكات إضاعة الوقت.
فقد نجح نتنياهو خلال الأشهر الثمانية الماضية أن يضيع الوقت، ويفوت فرص إبرام اتفاق ينهي الأزمة في غزة، بعد عدوانه عليها وارتكابه جرائم حرب، صدر على إثرها، هذا الأسبوع قرار من المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، بالقبض عليه، لكن أخر جولاته في إضاعة الوقت، كانت في مباحثات القاهرة، بعد أن أقصى الوسيط القطري، وأفشل بطلباته التعجيزية وساطة المصري، على الرغم من المرونة التي أبدتها المقاومة فأحرجته.
لم يكن لدى الاحتلال إلا تحقيق انتصاراته على المدنيين بقصف بيوتهم ومخيماتهم، وهو ما جعل الحلفاء لديه يأخذون خطوة إلى الخلف لا سيما فيما يتعلق برفح.
ولعل نجاح نتنياهو في أسلوب الــــ "كاتيناتشيو" هو النجاح الوحيد الذي يستطيع تحقيق نتائج فيه، ونحمد الله أنه فعل، فمنذ فشل مفاوضات القاهرة، تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة في قطاعات مختلفة على جبهة غزة وفي رفح، لكن الخسائر الأكبر لجيشه كانت على محور جباليا شمال القطاع، على الرغم من إعلانه منذ خمسة أشهر أنه سيطر على شمال القطاع، وجفف منابع المقاومة، وأنهى بنيتها التحتية، لكن الوضع أصعب بكثير مما يتخيله نتنياهو نفسه، حتى وصل الحال إلى قتل جنود الاحتلال بعضهم بعضا جراء عشوائية الأداء.
فبحسب تقارير الاحتلال نفسه، فقد قتل خمسة جنود من الكتيبة 202 من لواء المظليين بنيران صديقة من دبابة في أثناء تنفيذهم عملية في جباليا، بالإضافة إلى كثير من العمليات النوعية والمعقدة التي نفذتها المقاومة في جباليا وصورتها ومنها ما لم يصور، وانتشرت المقاطع على نطاق واسع وبكثافة خلال الأسبوعين الماضيين، ليزيد من الضغط على الاحتلال وجمهوره في الداخل والخارج، بخروج هادم اللذات ومفرق المجندين والمجندات، الملثم، في مقطع مصور ليحطم قلوب "العذارى" ويبدد أحلام الحيارى ويؤكد أننا باقون.
وفي محور رفح، تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة، منذ إعلانه بدء العمليات في المدينة، أبرزها مقتل أربعة جنود من لواء ناحال، وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة شرق رفح وحي الزيتون، ناهيك عن المتساقطين من الاحتلال قتلى أو جرحى بفعل الكمائن التي تنصب لهم من المقاومة، البكر والعفية بفعل خطة المحاور التي نفذتها المقاومة بتقسيم القطاع إلى قطاعات، في مقابل جيش منهك لم يعتد على الحروب الطويلة، وفي المقابل لم يكن لدى الاحتلال إلا تحقيق انتصاراته على المدنيين بقصف بيوتهم ومخيماتهم، وهو ما جعل الحلفاء لديه يأخذون خطوة إلى الخلف لا سيما فيما يتعلق برفح.
الاحتلال وحلفائه من الغرب والشرق مجتمعون على هدف الخلاص من المقاومة، وقد جرت عدة جولات من المشاورات غير الحاسمة في هذا الشأن، يفشلها بطبيعة الحال عنصران، الأول هو صمود الحاضنة الشعبية للمقاومة، والثاني بطبيعة الحالة الإدارة العسكرية والسياسية غير الطبيعية والمدعومة بدعم رباني
في أثناء ذلك اتخذ الاحتلال خطوات لإثبات أنه يستمع إلى مخاوف الولايات المتحدة، بشأن المدنيين بعد المجازر التي شهدها القطاع خلال الثمانية أشهر الماضية، من خلال الادعاء بفتح معابر لإدخال المساعدات الإنسانية، رغم احتلاله معبر رفح، وتشير التقارير إلى أن زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، للمنطقة الأسبوع الماضي، كانت منصبة على أمرين الأول يخص تل أبيب، ومحاولة بناء جسور الثقة بين نتنياهو وبايدن، والثاني هو التركيز على رفح والتخطيط لليوم التالي في غزة.
وتحاول حكومة الاحتلال إقناع الأميركيين بأنهم قادرون على إجلاء ما يقارب الـــــــ 450 ألف فلسطيني من رفح، ما يسمح لجيشها أن ينهي على أخر معقل للمقاومة في رفح، وهو طرح أنهت أسطورته المقاطع المصورة للمقاومة في جباليا ورفح، وضربت معه منظومة التفكير الإستراتيجي في الكيان المحتل في مقتل بعد تعاليه على الأميركي الذي عرض غرفة عمليات مشتركة للخلاص من المقاومة، وليتهم فعلوا ليسقط الجميع، ويتخلص العرب والمسلمون بل والعالم أجمع من وهم القوى العظمى والجيش الذي لا يقهر.
لا شك أن الاحتلال وحلفائه من الغرب والشرق مجتمعون على هدف الخلاص من المقاومة، وقد جرت عدة جولات من المشاورات غير الحاسمة في هذا الشأن، يفشلها بطبيعة الحال عنصران، الأول هو صمود الحاضنة الشعبية للمقاومة، والثاني بطبيعة الحالة الإدارة العسكرية والسياسية غير الطبيعية والمدعومة بدعم رباني، لا يستطيع أعظم مستشرف سياسي أن يتوقعها بحسابات البشر، لذا فإن الأولية الثانية في رحلة سوليفان، والمتمثلة في مرحلة ما بعد الحرب في غزة مرهونة بهذه المعطيات التي لا يستطيعون فك رموزها.
في أبريل الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الشركات الاستشارية ووكالات التنمية والمؤسسات المالية، بدأت جهودا لتخطيط لإعادة إعمار غزة، جمعت خلال عدة لقاءات خبراء تنمية وممثلين عن القطاع الخاص وممولين دوليين لرسم مستقبل بديل لغزة
المعضلة القائمة بين الأميركي وحكومة الاحتلال فيما يتعلق بــــــــ "اليوم التالي"، بالإضافة إلى المعادلة صعبة فك الرموز هو أن حكومة الاحتلال تريد أن تعرف ما إذا كانت أميركا ملتزمة بتحقيق نصر عسكري للاحتلال وإنهاء المقاومة، وواشنطن تريد أن تعرف أن كان الاحتلال ملتزما بترتيبات لقطاع غزة يفرض حالة كحالة الضفة الغربية فيما بعد أوسلو، ويرى نتنياهو أن حتمية الخلاص من المقاومة يفتح له المجال أمام استقرار مقبول وخروج آمن من غزة، وإلا فكيف يمكنه أن ينتصر إذا استمرت المقاومة في ملء الفراغ في غزة، ما يضطر الاحتلال لإعادة اجتياح غزة بهذه الكلفة، في ظل قناعة أنه، إذا أجبر الفلسطينيون على الاختيار بين المقاومة والفوضى فسيختارون المقاومة.
في شهر أبريل الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الشركات الاستشارية ووكالات التنمية والمؤسسات المالية، بدأت جهودا لتخطيط لإعادة إعمار غزة، جمعت خلال عدة لقاءات خبراء تنمية وممثلين عن القطاع الخاص وممولين دوليين لرسم مستقبل بديل لغزة، لكن كل العادلات والمخططات كانت تستبعد وجود محتمل للمقاومة بعد انتهاء الحرب، بل وتخطط لبدائل لضمان عدم لعب المقاومة لأي دور في غزة ما بعد الحرب، سواءً على المستوى السياسي أو حتى الاقتصادي، لكن المقاومة خلال الأسبوعين الأخيرين أبت إلا أن تقول كلمتها.
يقول المارشال الألماني، هيلموت فون: (لا توجد خطة تنجو من الاحتكاك بالعدو) فعلى واضعي الخطط أن يتكيفوا مع الواقع، والواقع في غزة يقول إن الله ناصر المقاومة وحافظ هذه الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.