عودة على طوفان الجامعة كمبادرة تونسية، باسم الحرية التي قدمنا في سبيلها أرواحا، باسم الأصوات التي علت بالحق صياحا، باسم العزائم التي اجتاحت العدو الغاشم اجتياحا، باسم الثورة، باسم فلسطين البلد التي كانت وستبقى رغم الاحتلال حرة.
بهذه الكلمات كنت أفتتح كل فعالية وتظاهرة أشارك فيها منذ أحداث الـ 7 من أكتوبر، إيمانا راسخا مني، وإدراكا مؤكدا، ويقينا لا يمسه أي شك، بأن الحرية أغلى ما نملك، وأن لا حياة بلا حرية، ولا عيش كريم بلا حرية، حتى الماء يتغير طعمه وأنت مقيد، والهواء يخنقك استنشاقه خلف قضبان السجن والاحتلال.
المظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني والمنددة بالحرب على غزة شديدة التقييد ومكثفة الحراسة والمراقبة في جل بلداننا العربية.
وإن كنا نرغب في أن يكون وجودنا كاملا وحقيقيا، فليس لنا أي خيار سوى المحاربة بكل السبل السلمية، وكل الوسائل، لنيل ما نريد، ولتحقيق كل حلم وأخذ كل حق، مهما اعتقدنا أنه صعب أو بعيد.
نشرت منذ ما يفوق شهرين مدونة تحت عنوان طوفان الجامعة رسالة من تونس إلى كل العالم، وضمنتها مبادرة لجمع التبرعات لفائدة الطلبة، ونداء لكل العالم للوقوف والتضامن مع المرابطين في غزة.
كانت هذه المبادرة بمثابة الشمعة التي أوقدها طلاب جامعتنا، أملا في أن تصل شعلتها إلى كل العالم، ولا أعلم إن كان هذا يسعدني، لأن الحراك الطلابي الأول كان عربي، أو يؤسفني لأنه فعلا لم يرتقي للمستوى الذي كنت أتخيله وكنا قد عملنا على تحقيقه.
وأنا أقر أن الحراك الطلابي الحقيقي، مع التأكيد على كلمة الحقيقي، انطلق من دول الغرب، وليس من العرب، رغم المسيرات التي خرجت. ولقت الرد والرفض والصد التحركات التي انطلقت في صفوف الطلاب في عدة جامعات عدة، باختصار كانت المظاهرات الداعمة للحق والمنددة بالحرب شديدة التقييد ومكثفة الحراسة والمراقبة في جل بلداننا العربية.
بتقصير منا أو بإجبار منهم لم نستطع أن نفعل ما فعله شباب أميركيا، وطلاب جامعة هارفرد، ومعهد العلوم السياسية بباريس والقائمة تطول.
نحن لم نفشل فقط في التظاهر كما فعلوا بل فشلنا فشلا ذريعا في الحفاظ على مكاسب ثورة الربيع العربي، والمحافظة على الهدف أصعب بكثير من تحقيقه، والبقاء في القمة أشد تعقيدا من الوصول إليها، وعدنا كما كنا تحكمنا سلطات ديكتاتورية وحكومات قمعية، عدنا إلى سنوات الظلم و الظلام.
الشعوب لم تألف المشهد رغم تكراره، ولا يبدو لها عاديا رغم تواصله لأكثر من 8 أشهر منذ بداية طوفان الأقصى، وما يفوق السبعون عاما منذ الاحتلال.
هل يستطيع الطلاب قلب الموازين؟ وهل تأثيرهم يفوق تأثير باقي المتظاهرين؟
أنا مؤمنة منذ بداية الحرب أن الحراك الطلابي قوة وقدرة وجب علينا حتما استغلالها وحسن توظيفها و الاستعانة بها عند الشدائد، لماذا؟
- أولا، لأنها وسيلة ضغط قوية على الحكومات وسياساتها، وذلك بوقف سير الدروس، بمقاطعة الامتحانات، بنصب خيم، والقيام باعتصامات نهارا وليلا، بالمطالبة بتجريم التطبيع الأكاديمي، أي مقاطعة أي أنشطة أكاديمية تتعاون مع المؤسسات الإسرائيلية، سوى في أنشطة تعليمية أو تثقيفية أو مسابقات عالمية، وهو ما يعزز الضغط على الحكومات والمؤسسات لاتخاذ مواقف صارمة، ومنع الاعتراف بتواجد الكيان بكل أشكاله.
- ثانيا، لأن الفئة التي تقدم هذه المطالب وتنادي بها هي الشباب، الشباب الذي راهنت الحكومات والأنظمة على فشله وسعت بمناهجها وبث سمومها في المحطات التلفزية والإعلامية إلى تهميشه وتشتيته وتشجيع التفاهة، والانحلال على تصدر المشهد، وهذا عمل وجهد وتخطيط سنوات يعجزون حتى على تصديق أنهم فشلوا رغم كل السبل الرخيصة التي اعتمدوها في غرس ما أرادوا في الناشئة وأنهم وجها لوجه مع جيل واعي.
- ثالثا، الوعي الكبير الذي نراه، وعدم الاعتياد، وهنا أكتب عدم الاعتياد بالأحمر مع ألف سطر تحتها، ذلك أن الشعوب لم تألف المشهد رغم تكراره، ولا يبدو لها عاديا رغم تواصله لأكثر من 8 أشهر منذ بداية طوفان الأقصى، وما يفوق السبعون عاما منذ الاحتلال.
يكمن نجاح الحراك في أن نعتبره جزءا من وجداننا، ونؤمن به بكل ثقة ونتشبث بمواقفنا حتى النهاية. حينها لن تقف عربات الشرطة في طريقنا، ولن تكتم السلطات هتافاتنا، ولا يمكن للضرب أو الغازات المسيلة للدموع أن تفرقنا
متى ينجح الحراك حقا؟
عزيزي القارئ كلانا يعلم أن الإنسان يندفع بشغف وحماس، وفي البدايات يشتعل اهتمامه وتنطلق رغبته في التغيير والمساهمة في تطوير الأمور من حوله.
إلى أن تسحبه الحياة والانشغالات والالتزامات، فيجد نفسه غالبا سرعان ما يغوص في متاهات اليومية، وينسى ما كان يؤيده وينتقده، والقناعات التي كان يدافع عنها ولا يجد لها مكان وسط زحام الأفكار. وهنا تكمن أهمية الحراك الشبابي؛ فهو يجسد النيران التي يجب أن تشتعل بلا رحمة لتلتهم كل ما يعترضها.
يكمن نجاح الحراك في أن نعتبره جزءا من وجداننا، ونؤمن به بكل ثقة ونتشبث بمواقفنا حتى النهاية. حينها لن تقف عربات الشرطة في طريقنا، ولن تكتم السلطات هتافاتنا، ولا يمكن للضرب أو الغازات المسيلة للدموع أن تفرقنا، ولا يمنعنا عن الحق ترهيب أو تخويف أو تهديد.
يحقق الحراك النجاح الذي نحن بحاجة له ونريده، النجاح الذي يوقف هذه الحرب وكل حرب، فقط عند استمراره وتواصله، وزيادة أعداد المشاركين فيه.
عندها يكون له وجود مستدام وتأثير حقيقي. عندها يكون الحراك ذلك النور الذي يضيء طريق الثورة. قوته هي قدرته على إشعال شرارة الإصلاح والتغيير، ولكن يجب أن تكون هذه الشرارة مشتعلة بشكل مستمر، دافعها الشغف والعزيمة نعم وأكثر منهما الإيمان الصادق والثبات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.