توفيت والدتي الحبيبة في الأول من ديسمبر عام 2023، وإنني أُحمل الرئيس جو بايدن المسؤولية عن هذه الفاجعة الكبيرة لأسرتي.
أعتبر نفسي محظوظا للغاية لأن والدتي وافقت على العيش في منزلي بعد وفاة والدي الغالي عام 2006. فعلى مدار سنوات عديدة، تطورت علاقة عاطفية قوية بينها وبين أفراد أسرتي، ولقد كانت كريمة وحنونة ومحبة للخير لجميع الناس، وإننا نستذكر جيدا مشاركتها المميزة في مناسباتنا الاجتماعية من أعراس، وأعياد ميلاد، وحتى رحلات إلى البحر وحديقة الحيوان والمتنزهات.
في سبتمبر 2023، مرضت والدتي وأُدخلت إلى مستشفى الوفاء، وهو مركز تخصصي للتأهيل الطبي والجراحة في غزة، وخضعت لعملية جراحية ناجحة، وبعد بضعة أيام غادرت المستشفى لمواصلة علاج خاص في المنزل. ووفقا لنصيحة طبية، اشتريت لها جهاز تبخير تنفسي، وبدأت حالتها الصحية في تحسن ملحوظ.
عندما بدأت إسرائيل شن حربها الوحشية على غزة في أكتوبر 2023، قامت بتدمير آلاف المباني المدنية الفلسطينية، ملحقة خسائر فادحة جدا في الأرواح والممتلكات، ولقد تعرض منزلي، مع العديد من المنازل الأخرى في الحي، للقصف من قبل طائرات حربية إسرائيلية، فاضطررت لنقل والدتي إلى منزل شقيقي إياد، ولجأت مع عائلتي إلى مركز إيواء في إحدى المدارس التابعة لوكالة الغوث (الأونروا)، وعلى الرغم من أن التنقل كان محفوفا بالمخاطر، تمكنا من القيام بزيارات لوالدتي في سكنها الجديد للاطمئنان على صحتها.
من أجل تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية في منزل أخي (مثل جهاز التبخير التنفسي وشواحن البطاريات)، قمنا بشراء مولد كهربائي، ولكن للأسف الشديد، فإن الندرة الشديدة للوقود جعلت ذلك شبه مستحيل.
من المؤلم جدا أن الأوضاع في غزة استمرت في التفاقم بشكل كبير، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، مما ألحق أضرارا جسيمة بسيارات الإسعاف والمعدات الحيوية، كما استشهد وجرح عدد من أفراد الطواقم الطبية والمرضى، وتم طرد الآخرين بالقوة.
بالإضافة إلى ذلك وبسبب الحصار الإسرائيلي القاسي وغير القانوني على غزة، فقد انهارت تماما القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، وكان من الصعب للغاية على الفلسطينيين أن يجدوا أبسط احتياجاتهم، مثل الطعام والمياه والكهرباء والاتصالات والوقود والأدوية، والحصول على بعض المياه استغرق ساعات طويلة جدا من العمل الشاق، وبالتالي فإن قلة المياه أدت إلى نظافة أقل وأمراض أكثر.
ومن أجل تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية في منزل أخي (مثل جهاز التبخير التنفسي وشواحن البطاريات)، قمنا بشراء مولد كهربائي، ولكن للأسف الشديد، فإن الندرة الشديدة للوقود جعلت ذلك شبه مستحيل، وعلاوة عليه، فإن الأدوية التي كانت والدتي تتناولها لم تعد متوفرة في الصيدليات، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.
بالفعل، كنا نعيش أياما يكللها الحزن والإحباط الشديدين، ولقد تمكنا من استدعاء طبيب مختص لفحص حالة والدتي والذي أشار إلى أنها بحاجة ماسة إلى عناية مركزة في المستشفى، لكن ومع خروج جميع المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة عن الخدمة، أصبحنا عاجزين تماما.
في صباح الأول من ديسمبر 2023، تعرض الحي الذي يقطن فيه أخي إياد لقصف إسرائيلي عنيف، مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بمنزله، وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف، اتصل بي وكان يبكي بمرارة وأبلغني بأصعب خبر سمعته في حياتي: "لقد توفيت والدتنا!".
إن حياة أمي تقدم توضيحا لما اقترفه الإسرائيليون من ظلم وقسوة تجاه الفلسطينيين عبر عقود من الزمن.
حضرة الرئيس جو بايدن..
بصفتك رئيس الولايات المتحدة الأميركية، أنت مسؤول عن الوفاة المأساوية لوالدتي، وهذا الاتهام له في الحقيقة أسباب منطقية عديدة:
أولها أنك قمت وبشكل صادم بتقديم كامل الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل، وذلك منذ اليوم الأول الذي قامت فيه بشن حربها الوحشية على غزة، وتبنيت دون تمحيص الرواية الإسرائيلية للأحداث والتي اتضح أنها مليئة بأكاذيب سافرة.
ومن ناحية أخرى، فقد تعمدت تجاهل معاناة الفلسطينيين المستمرة على مدار 76 عاما، ومن المجحف أنك اتخذت موقفا مزدوج المعايير تجاه ما يحدث في فلسطين وأوكرانيا، حيث إن الفظائع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ عام 1948 موثقة جيدا، والعديد من كبار المسؤولين في العالم، يا حضرة الرئيس، تحدثوا بصراحة عن الصراع.
فعلى سبيل المثال، قال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، مؤخرا: "لم يبدأ التاريخ في السابع من أكتوبر 2023." كما علق أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، قائلا: "ليست حماس من أوجد الصراع، بل الصراع هو من أوجدها".
إن حياة أمي تقدم توضيحا لما اقترفه الإسرائيليون من ظلم وقسوة تجاه الفلسطينيين عبر عقود من الزمن، وفيما يلي بعض من المحن التي عايشتها:
عندما قامت إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين التاريخية عام 1948، كانت والدتي مجرد طفلة تعيش في ترف وسلام مع عائلتها في قرية الكوفخة والتي تبعد بضعة أميال عن غزة، حينذاك قام الجنود الإسرائيليون بتدمير القرية بوحشية، مما أجبر عائلة والدتي لترك ممتلكاتهم والفرار بحياتهم إلى غزة.
عاشت أمي مع عائلتها حياة لجوء بائسة جدا في غزة، ولقد حرمت من الذهاب إلى المدرسة، وتعلمت حياكة الصوف بالصنارة لمساعدة والدها الكفيف وأمها المريضة وشقيقها الوحيد صلاح، ولأن والدتها لم يتوفر لها الرعاية الطبية اللازمة، فقد توفيت بعد فترة وجيزة من وصول العائلة إلى غزة. وفي عام 1965، سافر شقيقها صلاح للعمل في دولة الكويت لإعالة الأسرة، ولكن بعد أشهر قليلة توفي والدها.
في عام 1967، قامت إسرائيل بغزو واحتلال ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية (أي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس)، وحيث أن خالي صلاح كان في الخارج آنذاك، فقد حرمه الاحتلال الإسرائيلي من حق العودة والعيش في غزة، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، فكما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "كل شخص له الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده".
ومما يثير الاستغراب أن تسمح إسرائيل لأي يهودي في العالم بالهجرة والاستيطان في فلسطين التاريخية، في حين انفطر قلب أمي حزنا عندما توفي خالي صلاح في المنفى قبل عدة سنوات.
بالإضافة إلى حربي 1948 و1967، مرت والدتي بتجارب شخصية مؤلمة للغاية خلال خمس حروب عدوانية إسرائيلية أخرى (في الأعوام 2008-09 و2012 و2014 و2021 و2023-24). ففي حربي 2014 و2023-24، دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلي الجميل، حيث عاشت والدتي بعد وفاة والدي، مما أدى إلى إصابات خطيرة ومصاعب صادمة من التشرد والنزوح، ولأن والدتي قد فارقت الحياة الآن، فهي لن تشهد مزيدا من الحروب الإسرائيلية وأعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، رحم الله والدتي.
يتوق الشعب الفلسطيني إلى ما هو أكبر من مجرد وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقتة لتلقي مساعدات إنسانية (ضمادات وأدوية، إلخ)، هم لا يحبون الحرب، وفي المقابل هم يكرهون الاحتلال ولديهم أمل كبير في العيش مثل الشعوب الأخرى في حرية وسلام.
ثانيا، بالإضافة لدعمك السياسي لإسرائيل، قدمت دعما عسكريا واسعا ومتواصلا، حيث صادقت على إرسال الحكومة الأميركية لإسرائيل مئات الدبابات والطائرات وآلاف الأطنان من الأسلحة شديدة التدمير، وقد كلف هذا الدعم مليارات الدولارات، لكن تلقته إسرائيل مجانا واستخدمته في تدميرها العشوائي الواسع في غزة وقتلها لعشرات الألاف من المدنيين الفلسطينيين.
أخيرا، وخلال الحرب الإسرائيلية القاسية الجارية على غزة، استخدم مندوب الولايات المتحدة والتابع لحكومتك في مجلس الأمن حق النقض (الفيتو) عدة مرات لتعطيل قرار بوقف إطلاق النار، وهو أمر تعارض مع إرادة المجتمع الدولي، وكان هذا الفيتو بمثابة دعوة لقتل أكثر وتدمير أفظع وحصار أشد قسوة على غزة.
بحلول التاسع من فبراير 2024 (اليوم 126 من الحرب)، وصلت الحصيلة الرسمية للضحايا الفلسطينيين إلى 27947 شهيداً 67459 جريحا و7000 مفقودا (معظمهم عالقون تحت الأنقاض)، وجل هؤلاء الضحايا هم من الأطفال والنساء، وإنني أتساءل كم من الفلسطينيين يجب أن يقتلوا على يد الإسرائيليين (بأسلحة أميركية) قبل أن تقرر، يا حضرة الرئيس، تأييد وقف إطلاق النار؟
في الواقع، يتوق الشعب الفلسطيني إلى ما هو أكبر من مجرد وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقتة لتلقي مساعدات إنسانية (ضمادات وأدوية، إلخ)، هم لا يحبون الحرب، وفي المقابل هم يكرهون الاحتلال ولديهم أمل كبير في العيش مثل الشعوب الأخرى في حرية وسلام.
إن دعمك للحرب الإسرائيلية على غزة يعتبر من وجهة النظر القانونية بمثابة تواطؤ مع إسرائيل في انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، مما أدى لاندلاع مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، كما عبّر الكثير من الأميركيين الناشطين في مجال حقوق الإنسان بصراحة عن شعورهم بالخزي من حكومتهم لدعمها الواسع للهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة.
وكما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "يستحق كل شخص مستوى كافيا من المعيشة للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد حرمت والدتي والكثير من الفلسطينيين الأبرياء من هذه الحقوق، وتعتبر حكايتها المأساوية شهادة يعتد بها على ذلك.
حضره الرئيس..
احتفلت بعيد ميلادك الحادي والثمانين في نوفمبر 2023، عيد ميلاد سعيد! ولقد جرى هذا الاحتفال وسط سعادة غامرة بينما كان الكثير من الفلسطينيين في حداد وألم شديد لمقتل أعزائهم من أقارب وأصدقاء، ضحايا المجازر الإسرائيلية في غزة، وكنت تتناول الكعك اللذيذ بينما كان الكثير من الفلسطينيين يموتون بسبب الجوع وعدم توفر الرعاية الطبية. وكنت تتلقى هدايا جميلة بينما الكثير من الفلسطينيين كانوا يتلقون قنابل وصواريخ إسرائيلية فتاكة صنعت في الولايات المتحدة وتحملت تكلفتها حكومتك، هل هذا منصف يا حضرة الرئيس؟
جميع البشر غير مخلدين، وأنت أيضا ستموت يا حضرة الرئيس، وإنني أعتقد جازما أنه لا يزال بإمكانك قبل وفاتك تصحيح ما اقترفته من مظالم ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التسبب في النهاية المأساوية لأمي العزيزة، وذلك من خلال وقف شراكتك الصريحة مع إسرائيل في فظائعها ضد الفلسطينيين.
كما أعتقد جازما أنه بإمكانك، بصفتك رئيس الولايات المتحدة، إجبار إسرائيل على احترام قوانين حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة. وهذا، بالطبع سيساعد على تحقيق الاستقرار والسلام لجميع شعوب المنطقة، وعند قيامك بذلك، ستحظى بمكانة في كتب التاريخ كقائد عظيم بحق، ومن المتوقع أن تفوز بجائزة نوبل للسلام ويعاد انتخابك رئيسا للولايات المتحدة.
إننا يحدونا الأمل أن ينتهي الاحتلال والقمع، وتنتصر العدالة، ويعم السلام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.