شعار قسم مدونات

كتاب "أسياد البلاد".. الاستيطان جوهر الكيان العبري (2)

اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى - الأحد 28 أبريل 2024 في اليوم السادس من أيام عيد الفصح اليهودي
اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى أيام عيد الفصح اليهودي الشهر الماضي (الجزيرة)

هذه هي الحلقة الثانية التي نتناول فيها كتاب (أسياد البلاد، المستوطنون ودولة إسرائيل 1967-2004) لكاتبيه عقيبا الدار وعديت زرطال.

مشروع منذ بداية الاحتلال

ومن وجهة نظر الكتاب فإن لاءات قمة الخرطوم التي أعقبت هزيمة العرب ساهمت في خفوت آمال السلام وخططه التي كانت متداولة في أوساط المؤسسة الإسرائيلية، وبالتالي تعزيز مشاريع الاستيطان.

وهذا تناقض مع واقع إسرائيل، ومع ما يؤكده المؤلفان حين يسردان قصة أي مستوطنة مثل كريات أربع وألون موريه وغيرها وغيرها، فإسرائيل هي بحد ذاتها مستوطنة كبيرة.

الاعتداءات اليومية والمستمرة التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية، هي اعتداءات لا يعاقب عليها القضاء الإسرائيلي، كما أن أجهزة (إنفاذ القانون) من شرطة وحرس حدود وغيرها تغض الطرف عنها

مؤسسات الدولة تخدم المستوطنين.. وفتوى الحاخام طابو

الجهاز العسكري والأمني والطبقات السياسية، والجهاز القضائي وعلى رأسه محكمة العدل العليا الإسرائيلية، جميعهم كما يوضح الكتاب في حالة توافق على دعم المستوطنين وتشجيع الاستيطان، وأما فتاوى الحاخامات التي تدعو إلى رفض أوامر إخلاء بؤرة استيطانية ولو كانت فارغة، فهي عند الجندي الإسرائيلي مقدسة أكثر من أمر قادته ومؤسسته.

توقفت عند هذا الأمر وقد مللت من علمانيين عرب صدعوا رؤوسنا بضرورة إخراج الدين من كل حياتنا خاصة من مؤسساتنا، ومن منظومة عسكرية عربية تعتبر أمر القائد إلى الجندي غير قابل للنقاش سواء أوافق الدين أم تعارض مع شريعته، فأخرجت لنا كائنات ممسوخة منفصلة عن هويتها وتاريخها وارتباطها العاطفي بأهلها ووطنها.

في مقابل جندي يلتزم فتوى الحاخام، ولا يتم زجه في السجن لأنه خالف أمر(الباشا).

قانون الغاب أو قانون المستوطنين

حين ننظر إلى الاعتداءات اليومية والمستمرة التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية؛ ربما يخطر ببال بعض من يجهل الحقائق أنها حديثة أو جديدة من حيث المبدأ (طبعا هي أوسع وأعنف ومتواصلة منذ سنين) أو أنها نتيجة التطورات الميدانية أو السياسية.

وهذا خطأ كبير، فهي سابقة لأي تصعيد ميداني شهدته الضفة الغربية بزمن طويل.

وهي اعتداءات لا يعاقب عليها القضاء الإسرائيلي، كما أن أجهزة (إنفاذ القانون) من شرطة وحرس حدود وغيرها تغض الطرف عن تلك الاعتداءات؛ وهذا معناه أن المستوطنين معهم نوع من التصريح بل التشجيع من مؤسسات الدولة المختلفة ليقتلوا ويحرقوا ويخربوا.

فمما يذكره الكتاب: في زمن رئاسة (مناحيم بيغن) للحكومة الإسرائيلية في 1981(لاحظ التاريخ) وبعد 70 شكوى من العرب ضد المستوطنين تضمنت التهديد بالسلاح (التهديد عبر السنين صار ممارسة يومية) وتخريب الممتلكات، لم تقدم سوى 15 لائحة اتهام.

وقد شكلت لجنة برئاسة (يهوديت كراب، المستشارة القانونية للحكومة) لبحث اعتداءات المستوطنين في الخليل، وقد توصلت إلى: "القانون هو قانون المستوطنين وأن يد الشرطة قصيرة جدا في معالجة الخلافات العنيفة ومن ضمن ما ذكرته اللجنة في تقريرها أن الشرطة لا تقوم بما هو مطلوب من أجل منع الأعمال غير القانونية" ص454.

ويؤكد الكتاب ونقلا عن الضباط المسئولين مباشرة عن إدارة القانون في (المناطق) أنه لا يوجد قانون ولا قضاء خارج الخط الأخضر.

قام أحد أساطين الاستيطان الذي يفرد له الكتاب مساحة واسعة وهو الحاخام (موشيه ليفنغر) بقتل المواطن الفلسطيني ابن مدينة الخليل (كايد صلاح) في 1988 بدم بارد ليحصل على حكم مخفف.

رفض عنيف من المستوطنين وداعميهم

طبعا واجه المستوطنون وأنصارهم في الطبقة السياسية والمؤسسات تقرير كراب واللجنة بالرفض الشديد والاتهامات القاسية.

فالمستوطنون لا يقبلون من يقف معهم ويدعمهم بنسبة تقل عن 100% وإلا فهو (خائن ويساري) وغير إنساني ورزمة جاهزة من التهم والأوصاف والاغتيال المعنوي، وأحيانا الاعتداء الجسدي، وصولا إلى الاغتيال كما في حالة رئيس الوزراء المقتول (إسحاق رابين).

طبعا هذا يوضح كيف تطورت الأمور حتى قام المستوطن الحاقد (باروخ غولدشتاين) بارتكاب مذبحة داخل المسجد الإبراهيمي في الخليل بعد هذه اللجنة بثلاث عشرة سنة.

ولكن قبل ذلك قام أحد أساطين الاستيطان الذي يفرد له الكتاب مساحة واسعة وهو الحاخام (موشيه ليفنغر) بقتل المواطن الفلسطيني ابن مدينة الخليل (كايد صلاح) في 1988 بدم بارد ليحصل على حكم مخفف.

فهي لبنات من تغول المستوطنين، ومراحل وسلسلة مرتبطة ببعضها، كما نرى.

بن غفير وقتها كان مجرد فتى على الهامش، أي أنه اليوم عندما صار وزيرا وعمد إلى زيادة تسليح المستوطنين، جاء إلى بيئة جاهزة لما يصدر عنه وعنهم.

عنصرية وتمييز واستهانة بدم الفلسطينيين

في ص458 وما بعدها شرح عن حالات التمييز بين دم الفلسطيني العربي والمستوطن اليهودي، حيث يسرد الكتاب حالات قتل عمد قام بها مستوطنون راح ضحيتها مواطنون فلسطينيون (منهم مثلا طفل عمره 14 ربيعا، وراعي أغنام وغيرهما).

فكان أن حكمت المحكمة الإسرائيلية أحكاما تدعو إلى السخرية على القتلة: 6 شهور سجن وبعد الاحتجاج عدلت إلى ثلاث سنوات أو سنة ونصف.

كما أن المحاكم الإسرائيلية عمدت إلى تبرئة القتلة وهم يحملون السلاح المشهر في وجه مواطنين عزّل من تهمة القتل العمل، واستبدالها بتهم مخففة من قبيل (الإهمال الذي تسبب بالموت).

وكان هذا متبعا قبل انتفاضة الحجارة (اندلعت في أواخر 1987)، وتعزز بعدها هذا النهج في المحاكم الإسرائيلية، بل صار السجن يستبدل أحيانا بقضاء المستوطن القاتل فترة في الخدمة العامة.

ويؤكد الكتاب أن الأمثلة المضروبة قليلة مقارنة مع العدد الحقيقي لهذه الحالات.

ويؤكد المؤلفان أن التراخي والتساهل القضائي هو الذي (هيأ لظهور الميليشيا المسلحة التي تتجول في شوارع الضفة)

نلاحظ هنا أن بن غفير وقتها كان مجرد فتى على الهامش، أي أنه اليوم عندما صار وزيرا وعمد إلى زيادة تسليح "قطعان" المستوطنين، جاء إلى بيئة جاهزة لما يصدر عنه وعنهم.

الكاتبان يستخدمان عبارات مثيرة، إلا أنهما اختارا وصفا مخففا جدا للتساهل بل التعاون القضائي مع مجرمي المستوطنين، ألا وهو (القبضة القانونية اللينة) مع أن ما أورداه يقول إن لا قانون على المستوطنين سواء بقبضة لينة أو صلبة

كل أجهزة الدولة على ذات النهج

التساهل القضائي المشار إليه يسبقه تعاطف وتضامن من أجهزة الدولة العبرية الأخرى؛ ويورد الكتاب حادثة (بطلها) هذه المرة هو (عميرام متسناع) حين كان قائدا للمنطقة الوسطى في 1988 حيث أبدى تعاطفا وبرر قتل المواطن الفلسطيني (رباح غانم حامد) من قرية بيتين قرب رام الله، وهذه المرة برصاص قائد بارز من قادة المستوطنين (بنحاس فالرشتاين)، وتلا التبرير حكم على القاتل ببضعة شهور يقضيها في الخدمة العامة.

ويسخر المؤلفان من متسناع (ويشيران أنه يساري) وكيف أنه أطلق حكما مسبقا من أمر هو اختصاص الشرطة، كما يفترض.

أما عن التساهل العلني تجاه انتهاكات المستوطنين فينقل المؤلفان (ص466) عن عضو الكنيست (أمنون روبنشتاين): في يهودا والسامرة وقطاع غزة يوجد نوعين من البشر. فهناك المدنيون الإسرائيليون الذين يتمتعون بكامل الحقوق وغير الإسرائيليين من دون أي شيء.

ومع أن الكاتبان يستخدمان عبارات مثيرة، إلا أنهما اختارا وصفا مخففا جدا للتساهل بل التعاون القضائي مع مجرمي المستوطنين، ألا وهو (القبضة القانونية اللينة) مع أن ما أورداه يقول إن لا قانون على المستوطنين سواء بقبضة لينة أو صلبة أو بين بين.. يتبع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان