أصبح التخلص من التبعية الاقتصادية عن الغرب وضرورة وجود نموذج تنموي مختلف ومتفرد للمنطقة العربية أمرا ملحا بعدما تكشف الكثير عقب السابع من أكتوبر٢٠٢٣، فقد علمنا التاريخ كيف يوظف الغرب أسلحته عسكريا وتقنيا وعلميا ومعرفيا، لخدمة الهيمنة الغربية واستغلال النفوذ وتكريس التبعية.
أثبتت عملية طوفان الأقصى رغم ضعف بل نكاد نقول انعدام الإمكانات المادية والحصار المفروض على فلسطين المحتلة وقطاع غزة المحاصر، بأن الإرادة والرغبة الصادقة في الانعتاق من التبعية هي حجر الأساس لأي مشروع تنموي يرتكز على خصوصية وتفرد أي مجتمع، ولدينا في نماذج (بوتسوانا، سنغافورة، ماليزيا، فيتنام، البرازيل، وتركيا) الكثير من التجارب الملهمة.
عملية طوفان الأقصى تجربة ملهمة في التحرر الاقتصادي والتقني والعسكري، وتفكير خارج الأطر التقليدية، فلو تم الاستثمار الحقيقي في صناعة الطيران والدفاع الجوي، لتوافر لدينا قوة ردع حقيقية في عالم لا يعي ولا يحترم إلا لغة القوة وفرض الكلمة بالعلم والسلاح والتقدم التقني.
الدول العربية لديها ثروة بشرية هائلة فقرابة نصف السكان في سن العمل مع معدلات خصوبة مرتفعة تعطي مجتمعاتنا خصوصية وميزة نسبية مقارنة بالأميركتين وأوروبا.
والفوائض المالية الكبيرة التي تمتلكها بعض صناديق الثروة السيادية العربية تجعل هذه الدول من أكبر المستثمرين الحكوميين دوليا، مثل صندوق الثروة النرويجي وصندوق سنغافورة السيادي، وهناك عدد كبير من الطلاب العرب المبتعثين في دول متقدمة تقنيا ومعلوماتيا وصناعيا، وباقي المجالات الضرورية للنهوض وعمل تنموي حقيقي يرتكز على الاكتفاء الذاتي وعدم استيراد كل شيء تقريبا، كما هو الحال الآن وتصدير المواد الخام دون القيام بصناعات تحويلية حقيقية تضاعف المردود الاقتصادي لهذ الثروات.
عملية طوفان الأقصى تجربة ملهمة في التحرر الاقتصادي والتقني والعسكري، وتفكير خارج الأطر التقليدية، فلو تم الاستثمار الحقيقي في صناعة الطيران والدفاع الجوي، لتوافر لدينا قوة ردع حقيقية في عالم لا يعي ولا يحترم إلا لغة القوة وفرض الكلمة بالعلم والسلاح والتقدم التقني، ولنا في تجربة المسيرات التركية بيرقدار خير مثال.
الولايات المتحدة أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى هذه اللحظة ضد الصين ضد تطبيق تيك توك، والحجة المعلنة هي الخوف على خصوصية المستخدمين، والحقيقية هي رعب الولايات المتحدة من أن تتحول صناعة التطبيقات ووسائل التواصل من هيمنة أميركية غربية صهيونية إسرائيلية إلى دول أخرى.
فاليوم تيك توك الصيني وتليجرام الروسي -وغدا كما نتمنى- تطبيقات وشبكات ووسائل تواصل عربية تنشر الأخبار بصدق ومهنية وموضوعية بعيدا عن حظر وتقييد الحسابات التي يقوم بها فيسبوك وكثير من وسائل الإعلام الغربية، التي تردد أكاذيب وترهات منذ حرب العراق ٢٠٠٣، وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل (التي تم على إثرها غزو وتدمير بلد بحجم العراق لضمان التفوق الإسرائيلي)، وتقوم نفس وسائل الإعلام والكثير من وسائل التواصل الاجتماعي بمحاولة شيطنة المقاومة وحرمان العالم من خبر صادق ومهني وموضوعي، والتعتيم على وسائل الإعلام المهنية والتضييق عليها، بل وغلق مكاتبها واغتيال صحافييها ومراسليها (وشبكة الجزيرة أكبر مثال على ذلك).
وجود تنمية اقتصادية حقيقية أصبح ضرورة حتمية، ولو كان لدينا من الشبكات والتطبيقات وشركات الذكاء الصناعي والبرمجيات وعلوم الحاسوب المتطورة، لاستطعنا تحويل الرأي العام العالمي لصالح قضايانا العادلة، بدلا من سيطرة نخب فاسدة في الغرب على هذه الصناعات، ومحاولة حرماننا من الوصول لهذه التقنيات، وعمل فارق قيمي حقيقي بعيدا عن حضارة استئصالية وعنصرية بغيضة (حروب فيتنام وأفغانستان والعراق والحروب المستمرة ضد الفلسطينيين) مثالا.
التكتلات الاقتصادية -البريكس على سبيل المثال- تحاول كسر الهيمنة الغربية التي قد بدأت تتوسع. حيث أن تعارض الرؤى بين المعسكر الغربي وباقي دول العالم يزداد، والهوة تتسع يوميا دون انقطاع
النماذج الملهمة المستقلة موجودة، ومن الممكن تطبيقها (قامت روسيا بتطوير تيليجرام والصين بتطوير تيك توك) إذا توافرت الإرادة والرغبة الصادقة.
مادامت دولنا العربية تتبع الغرب صناعيا وزراعيا وتقنيا ومعلوماتيا، ولا تكتفي ذاتيا صناعيا ومعرفيا وعلميا وزراعيا وتقنيا، وليست لدينا شباكتنا الإعلامية (إذا استثنينا شبكة الجزيرة) ووسائل التواصل التي تسمح للجميع بالتعبير عن الرأي دون حجر أو حجب، ما دمت دولنا تدور فلك التبعية فلن تقوم لنا قائمة.
التكتلات الاقتصادية -البريكس على سبيل المثال- تحاول كسر الهيمنة الغربية التي قد بدأت تتوسع. حيث أن تعارض الرؤى بين المعسكر الغربي وباقي دول العالم يزداد، والهوة تتسع يوميا دون انقطاع، فالولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لحرمان الصين من التقنيات المتقدمة في مجال الشرائح والرقائق الإلكترونية المتقدمة، وتدمير صناعة النفط والغاز الروسية. فقامت دول البريكس بالتعاون بينها للتحرر من الهيمنة الغربية، فما هو الحل للعرب للتحرر من الهيمنة والتبعية؟
التقارب والانفتاح جنوبا وشرقا، لدينا تجارب جديرة بالدراسة والتعلم في الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وسنغافورة وفيتنام وتركيا وماليزيا. والاهتمام المكثف بصناعة البرمجيات والروبوتات والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في القطاعات الزراعية والثروة الحيوانية وكذا الصناعات الدوائية والكيميائية والأسمدة، والتعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال.
إضافة إلى التركيز على الشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر (تجربة محمد يونس وبنك الفقراء في بنجلاديش). وأخيرا استقطاب العقول المهاجرة في البلدان الغربية كما فعلت الصين لإدارة التجربة التنموية على أسس علمية بأيدي محلية لديها نفس الطموحات، خصوصا بعد تفشي العنصرية وازدواجية المعايير والتي اتضحت بشكل لا لبس فيه بعد عملية طوفان الأقصى.
نحن نستطيع التطور والتحرر اقتصاديا كما فعلت المقاومة دون إمكانات تذكر، إذا توفرت الرغبة والإرادة الصادقة، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ولدينا من الإمكانات المادية والبشرية والثروات الطبيعية ما يمكننا من ذلك، فهل من مجيب؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.