شعار قسم مدونات

مستغرقون في الشهوة.. محرومون من السعادة

هذا هو أخطر سلاح يواجه به الشيطان الإنسان ورسالة لمن هزمه اليأس بسبب كثرة ذنوبه (فيديو)
من أعظم أسباب السعادة معرفة الإنسان سبب وجوده ويقينه بمستقبله فيما بعد هذه الحياة (غيتي)

خلق الله سبحانه وتعالى الخلق بأمره وحكمته وأقدراه، وسن فيه السنن والتي لا تعرف التبديل والتحويل والتحوير. الكون كله في حاله من الخضوع والعبادة والتسبيح للخالق سبحانه وتعالى طاعة وإذعان.

"ثمّ استوىٰ إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين" (فصلت: 11)، "وإن مّن شيء إلّا يسبّح بحمده ولٰكن لّا تفقهون تسبيحهم" (الإسراء: 44).

يتعجل كثير من البشر ومنهم مسلمون المتع واللذائذ وتستغرقهم النزوات والشهوات، وتغرهم الحياة الدنيا ويغرهم في الله الغرور، فيبتعدون عن المنهج الرباني وينتكبون الصراط المستقيم

أما الإنسان فله في هذه الحياة الدنيا الخيار وعليه الاختيار، "وهديناه النّجدين" (البلد: 10)، " إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا" (الإنسان: 3). للإنسان في هذه الدنيا الحرية المطلقة، ولكن التبعات كبيرة وخطيرة. فإما أن يتبع سبيل الهدى والهداية والرشاد فيدخل ضمن المنظومة الكونية المنشغلة بالتسبيح والمطيعة لله سبحانه وتعالى والمنصاعة له، فيحيا منسجما مع المحيط والبيئة متناغما مع السنن، أو أن يعصى ربه وينتكب منهجه ويغرق في أوحال المعاصي وقيعان الخطايا، فيعاني الاغتراب والاكتئاب وضيق الصدر والحياة البائسة "ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمىٰ" (طه: 124).

يتعجل كثير من البشر ومنهم مسلمون المتع واللذائذ وتستغرقهم النزوات والشهوات، وتغرهم الحياة الدنيا ويغرهم في الله الغرور، فيبتعدون عن المنهج الرباني وينتكبون الصراط المستقيم، فيستحوذ عليهم الشيطان فينسيهم ذكر الله ويزين لهم الشهوات والملذات "استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه ۚ أولٰئك حزب الشّيطان ۚ ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون" (المجادلة: 19).

يعيشون اللحظة ويقعون في أسرها وأسارها ولا يريدون التفكير بغيرها، فهم أبناؤها المنقطعون عن ماضيهم والمتخاصمون مع مستقبلهم، أعطاهم الله العقول فطمست الشهوات البصيرة منهم فأصبحوا لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتدبرون. منهمكون في "الآن" دونما تفكير بالعواقب والتبعات، كمريض السكري، تجذبه الحلوى وتشده فيستجيب مستمتعا بها وقد طمست متعته الآنية على تفكيره في المآلات الخطيرة والتي قد تؤدي به لخسارة عافيته وربما حياته، لاستعجاله المتعة وضعف إرادته أمامها. اتبعوا الشهوات وكانوا عبيدها واختلت موازينهم واعتلت فلا هم كسبوا الدنيا ولا فازوا في الآخرة.

تتحول حياة الإنسان إلى الضنك والبؤس وهو يبتعد عن الهدف الذي خلقه الله له، ويشعر بالعزلة والوحدة وقد يلجأ للمسكرات والمخدرات، لتهوي به إلى مزيد من الغرق في وحل المعاصي

غالبية متع الدنيا تفقد الكثير من قيمتها ويخبو بريقها حتى في مقاييس اللذة والمتعة إن كانت بلا معيار أو ميزان. كالطعام الممتع، إن تكرر عرضه وازدادت وفرته وأسرف الإنسان في تناوله تعفه النفس وتنأى عنه بل ويسبب لها التخمة والأمراض والأسقام. ومن هنا ينطلق الشيطان ليزين للإنسان المزيد من سبل الغواية والشذوذ والمزيد من الانحلال والانحراف، فيقع الإنسان في الضلال المبين والبعيد ويهوي في الخسران المبين والكبير.

تتحول حياة الإنسان إلى الضنك والبؤس وهو يبتعد عن الهدف الذي خلقه الله له، ويشعر بالعزلة والوحدة وقد يلجأ للمسكرات والمخدرات، لتهوي به إلى مزيد من الغرق في وحل المعاصي ولمزيد من تعطيل عقله وتفكيره، وقتل بقايا الفطرة السليمة فيه. لذلك تنتشر في المجتمعات المترفة الأمراض النفسية وترتفع فيها حالات الانتحار ونسب الطلاق.

تغيب السعادة في الحياة الدنيا عن عبيد الشهوات ويشتد البؤس عليهم، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. ويصبح التقدم في العمر كابوسا يستحوذ على الشهوانيين، أما ذكر الموت فيسبب الهلع والجزع والخوف والقلق.

الإيمان وطاعة الله سبحانه وتعالى سبيل السعادة في الدارين، وطريق الحياة الطيبة، والاطمئنان والسكينة، ونضارة الوجه، والطيب من القول

أما المؤمن فهو يسير في المنهج الرباني ويهتدي بنوره، يمضي على بصيرة بقلب مطمئن ونفس ذاكرة راضية مطمئنة، ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مّثله في الظّلمات ليس بخارج مّنها ۚ كذٰلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون﴾.

إن من أعظم أسباب السعادة والحياة المطمئنة معرفة الإنسان سبب وجوده، ويقينه بمستقبله فيما بعد هذه الحياة وإلى أين من بعد المصير. تمضي الأيام وتعمل السنوات في الإنسان عملها، وتهجر بدنه العافية رويدا رويدا، ويشتعل الرأس شيبا، وقد يفقد منصبه ومركزه وإقبال الناس عليه، فيجد في ذكر الله والتضرع إليه الملجأ والملاذ والسكينة والاطمئنان "ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب" (الرعد: 28). ويلقى في صحبة القرآن الأنس وهدوء البال وانشراح الصدر "يا أيّها النّاس قد جاءتكم مّوعظة مّن رّبّكم وشفاء لّما في الصّدور وهدى ورحمة لّلمؤمنين" (يونس: 57).

الإيمان وطاعة الله سبحانه وتعالى سبيل السعادة في الدارين، وطريق الحياة الطيبة، والاطمئنان والسكينة، ونضارة الوجه، والطيب من القول، والرشاد في العمل وحسن الخاتمة والعاقبة، والعاقبة للمتقين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان