العيد يوم اشتق اسمه من العود لأنه يعود في كل عام، وهو يوم فرح سرور تقام فيه مراسم معينة، ولكل ملة من الملل أعيادها، والعيد من اختصاصات الملة، فقد قال رسول الله ﷺ: "إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا" [البخاري (952) ومسلم (892)]، ولكونه دائم العود فهو يعود بأحوال مختلفة، كاليسر والعسر، والخصب والجذب، والرخاء والشدة، والسلم والحرب، فكما قال أبو الطيب المتنبي:
عيدٌ بأي حال عدت يا عيد .. بما مضى أم بأمر فيه تجديد
رغم الألم نرى الأمل لائحا في الأفق، فما بعد الضيق إلا الفرج، وليس بعد العسر إلا اليسر، كما قال تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا﴾ [الشرح: 5-6]
ويمر علينا عيد الفطر في هذا العام في ظل وضع متأزم، فإخواننا في غزة شردوا من ديارهم وهدمت منازلهم، وفقد الكثير منهم أحبابهم وأهليهم، ولو ظلت الأزمة على ذلك لهانت وما هي هينة، ولكن ما لا يهون ويصعب على نفس المسلم ويشعر بغصة في نفسه حياله، هو الخذلان الذي لقيه أهلنا في غزة خلال شهور الحرب الستة، ولكن ما يعزي النفوس هو الإيمان بالله وتصديق وعد رسوله ﷺ: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك " قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: " ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس" [مسند احمد (22320)].
ولكن رغم الألم نرى الأمل لائحا في الأفق، فما بعد الضيق إلا الفرج، وليس بعد العسر إلا اليسر، كما قال تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا﴾ [الشرح: 5-6] ، وقد عبر الشاعر ابن النحوي في معنى الانفراج بعد الشدة:
اشتدي أزمة تنفرجي .. قـد آذن ليــلك بالبلـــج
وظلام الليل له سُرج .. حتى يغشاه أبو السُرج
فلا ريب ولا شك أن نصر الله للمستضعفين آت وعذاب الظالم آت، ولعلنا في ظل هذه الأزمة نقف وقفات حول نصر غزة في مظاهر العيد:
- الفرح بالعيد
إن الفرح بقدوم العيد ليس فرحا لتحصيل أمر دنيوي زائل أو عارض، إنما هو فرح بتمام الطاعة وتوفيق الله الانسان للعبادة، فقد قال رسول الله ﷺ: " للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" [مسلم (1151)] ، ويشرع للإظهار الفرحة عدد من الأمور أهمها التكبير ، قال تعالى: ﴿وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٨٥ ﴾ [البقرة: 185]، وهذا التكبير مشروع عن اظهار الأفراح كنصر الله للمؤمنين فهو تسلية للمؤمنين تخويفا للكافرين.
فأهل غزة رغم ما أصابهم هم أولى الناس بإظهار الفرح بهذا العيد، فقد جمع الله لهم في هذا العام صيام رمضان وقيامه، والجهاد في سبيله، والرباط على ثغر، ولعل الله يتمم فرحتهم بفرحة النصر القريب.
فكأنما الفضائل قد جمعت لهم، وحازوها من أطرافها، لما بذلوا ما بذلوا وكانوا طليعة الأمة في الدفاع عن مقدساتها، فحق فيهم قول الشاعر:
أعطى فجاوز بالعطاء الأنجما .. فسما فحاز من الفضائل مغنمًا
خلال اجتماع الناس في المجالس وإكثار الحديث قد يتحدث البعض بذم أهل غزة أو مجاهديها، بعدد من الشبهات المتكررة كلوم الضحية دون الجلاد أو المساوة بينهما، فالمطلوب من المسلم دفع هذه الشبهات والذب عن إخوانه المسلمين
- تذكر غزة
على المسلمين في سائر أنحاء العالم عدم نسيان غزة في انشغالهم بالفرح والتزاور، فتكون غزة حاضرة في دعائهم، وحاضرة عن جلوسهم بين أبنائهم يذكونها ويتذكرونها، حاضرة في حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، حاضرة في أموالهم بأن يخصصوا نصيبا للدعم مع تعليم الأبناء ذلك، وذلك لكون المسلمين كالجسد الواحد، كما قال النبي ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [مسلم (2586)]، فالعيد فرصة مهمة لتعزيز هذه المفاهيم في نفوس الأبناء.
- دفع الشبهات
خلال اجتماع الناس في المجالس وإكثار الحديث قد يتحدث البعض بذم أهل غزة أو مجاهديها، بعدد من الشبهات المتكررة كلوم الضحية دون الجلاد أو المساوة بينهما، فالمطلوب من المسلم دفع هذه الشبهات والذب عن إخوانه المسلمين، بل إن الذب عنهم من نصرهم ، فقد قال النبي ﷺ: " من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه النار عذاب النار يوم القيامة" [الترمذي (1931)].
- الاستمرار في المقاطعة
ولا شك أن المقاطعة سلاح فعال، قد بدأت تتضح معالم نتائجه، فلا ننسى ولا نتجاهل استمرار المقاطعة في العيد، فإنها للعدو موجعة، فالسلاح الاقتصادي ضروري ومهم في مواجهة العدو، وبالأخص مع توفر البدائل التي حلت محل تلك الشركات.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل صالح الأعمال من الجميع، وأن يشفي صدور المؤمنين بنصر قريب يزيد العيد بهجة، والأيام رونقا وجمالا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.