في سياق الحديث عن طبيعة حزب أمنو الماليزي وتوجهاته الفكرية والسياسية يذهب بعض الباحثين إلى أنه " رغم استمرار (باس) في المعارضة منذ خروجه من السلطة عام 1978م وتغييب أنور إبراهيم عن الحكم منذ عام 1998م، إلا أن تجربة الإسلام السياسي في حكم ماليزيا لم تتوقف. فقد تحول حزب (أمنو) خلال حكم الدكتور مهاتير من حزب قومي علماني إلى حزب قومي ذي صبغة إسلامية لا يختلف خطابه وأجندته كثيرا عن سائر أحزاب الإسلام السياسي العالمية. وجاءت فترة حكم عبد الله بدوي (2003-2009م) لتفتح الطريق أمام تبني الدولة رسميا لمشروع إسلامي تمثل في رؤية "الإسلام الحضاري". ويعني الإسلام الحضاري وفقا لصاحب الرؤية نفسه “الإسلام الذي يركز على جانب التمدن وبناء الحضارة.
وساهمت مشاركة الإسلاميين المبكرة في النظام السياسي الماليزي وحالة التنافس المستمرة بين الإسلاميين والقوميين في رفع سقف الخطاب الإسلامي الماليزي وأسلمة الدولة بشكل مستمر".
وإذا ركزنا على مشروع رئيس الوزراء عبد الله بدوي – المشار إليه آنفا- وهو الذي يعد أحد أقطاب حزب أمنو؛ فإنه لم يجد أفضل ما يقدمه كرؤية استراتيجية أو مشروع حضاري لحكومته التي سعى فيها لمتابعة سياسة سلفه مهاتير محمد سوى تلك الرؤية الموسومة بعنوان "الإسلام الحضاري"، ويأتي ذلك في إطار التنافس المحموم مع حزب (باس)، وكأنه يقول: الإسلام مشروعنا جميعا، وليس حكرا على الحزب الإسلامي، وهنا يتأكد لنا أن العلمانية تكاد تصبح خارج سياق المعادلة في المجتمع الماليزي.
ثمة العديد من الشواهد التي تشير إلى بروز مظاهر الأسلمة داخل حزب أمنو، منها أن عددا من الرموز الإسلامية المعروفة في حزب (باس) كانت منضوية في إطار أمنو.
ولعل هذا ما يفسر استخلاص أحد الباحثين بأنه " رغم انتشار الفرضية القائلة بأن مشاركة الإسلاميين في النظام الديمقراطي قد تدفعهم للبراغماتية والمساومة وتعديل سلوكهم السياسي بل وتعديل الأيديولوجيا التي يعتنقونها أحيانا؛ إلا أن تجربة ماليزيا توحي بأن ما حصل هو العكس حيث ساهمت مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية نحو دفع الدولة وحزبها الأهم لتسريع عملية الأسلمة ومحاولة التغلب على مطالب الإسلاميين عبر المزيد من الأسلمة".
والواقع أن ثمة العديد من الشواهد التي تشير إلى بروز مظاهر الأسلمة داخل حزب أمنو، منها أن عددا من الرموز الإسلامية المعروفة في حزب (باس) كانت منضوية في إطار أمنو، ومنهم -على سبيل المثال- الشخصية الاقتصادية البارزة أنور إبراهيم، الذي كان نائبا لرئيس الوزراء مهاتير محمد ووزيرا للمالية، ورئيسا لحركة الشباب الإسلامي، في الوقت الذي أصبح فيه قياديا كبيرا في حزب (أمنو)، وذلك قبل أن يندلع الخلاف الشهير المؤسف بينهما في 1998م، وينشق عنه بعد ذلك، ويقف حزب باس (الإسلامي) إلى صف أنور إبراهيم مؤيدا وداعما، ثم يحدث الالتئام بينهما ثانية في 2018م، بتحالفهما في ما يعرف بـ "تحالف الأمل"، ووعد مهاتير أنور إبراهيم بتسلمه مقاليد الحكم منه في غضون سنتين من فوز الأول، وهو مالم يتم، في إطار الخلافات السياسية المتجددة، التي تسببت في انشقاق أنور إبراهيم عن الائتلاف مع مهاتير.
وحين غادرت بعض الوجوه الإسلامية البارزة مربع (أمنو)، فإن الأمر لا يرجع إلى خلاف أيديولوجي وفكري بينها والحزب بقدر ما يُعزى إلى اعتبارات سياسية وحزبية أخرى، وإن تداخلت الأسباب أحياناً، خاصة فيما يتصل بتقدير بعض مايراه هذا الطرف أولوية على حين يرى الطرف الآخر الأولوية لسواه. ومن ذلك مسألة قانون العقوبات الشرعية – مثلاً- فلم يكن الخلاف بين حزبي (باس) أومن يمكن تصنيفهم عليه في إطار حزب (أمنو) يوماً منطلقاً من إيمان (باس) بمشروعية ذلك القانون وحتميته على حين يراه حزب (أمنو) عكس ذلك، وإنما كان الأمر يعود إلى تقدير الأولويات بين الطرفين، وتصور كل منهما لمدى توافر الشروط الملائمة للسعي نحو تطبيق ذلك أو انتفائها، أو قيام عوائق تحول دون ذلك، ليس أكثر.
تقدم الحزب الإسلامي بمشروع القانون للبرلمان في نوفمبر 2016م، ولكنه قام بسحبه بعد ذلك لتنقيحه. وكان من المتوقع أن يعيد الحزب تقديمه أمام جلسة مقبلة للبرلمان وسط دعم كبير، من قبل رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، الذي كان أبدى حماسة لافتة لذلك المشروع، رغم تهديد رؤساء حزب الجمعية الصينية الماليزية وحزب الكونغرس الهندي الماليزي بترك التحالف الحكومي الذي يقوده حزب أمنو الحاكم
ثم إن حزب (أمنو) الذي ظل هو الأكبر في البلاد وذا نفوذ مستمر في الحكومات المتعاقبة، وهو الذي كان على رأسه مهاتير محمد حين كان رئيسا للوزراء، حتى عام 2003م؛ ظل يتحين الفرصة إلى حين تزول تلك العوائق أو تكاد، وهو ما جاء في زمن حكومة نجيب عبد الرزاق، بعد 13 عاما من استقالة مهاتير، حيث طالبت الحكومة بتطبيق تلك الحدود في 2017م، بمعزل عن الجدية والنجاح في ذلك. وفي 3/3/2017م اتفق حزب منظمة وحدة الملايو الوطني الحاكم (أمنو) والحزب الإسلامي المعارض (باس) مجددا في مظاهرة تجمع فيها عشرات الآلاف من الماليزيين بالعاصمة كوالالمبور لتأييد تمرير مشروع قانون الحدود الذي اقترحه الحزب الإسلامي، وأيده الحزب الحاكم.
من جانبه قال رئيس حزب باس عبد الهادي أوانج: إن "علاقة العمل مع حزب أمنو في إجراء التعديلات المقترحة على قانون الشريعة الإسلامية حقيقة واقعة، وليست شيئا جديدا"، مفيدا بأن الطرفين كانا يعملان جنبا إلى جنب مع الأجهزة والمنظمات السياسية الأخرى منذ مرحلة ما قبل الاستقلال.
وتحدث عبد الهادي عن جهود أمنو وباس، والعديد من المنظمات الأخرى الذين ناضلوا لجعل الإسلام الدين الرئيس في البلاد، وليكون ذلك جزءا لا يتجزأ من الدستور الفيدرالي، مؤكدا أن هذا العمل هو "مسؤولية دينية يقع على عاتق جميع المسلمين في البلاد"، مضيفا أن الحزبين يناصران القضايا التي تتعلق بالأمة الإسلامية، مثل التعاون في نصرة الروهينغيا بميانمار".
من جانبه أوضح رئيس الجناح غير المسلم في حزب باس إن بالاسوبرامانيام أن غير المسلمين شاركوا بقوة في هذه المظاهرات لتوضيح ماهية التعديل القانوني وشرحه، مؤكدا أن التعديل لن يطال غير المسلمين، لأن الدستور الفيدرالي هو من يحمي حقوق غير المسلمين لممارسة شعائرهم الدينية. وقال بالاسوبرامانيام "أولئك الذين يخشون تعديل القانون إما أن يكونوا مجرمين، أو مقامرين يخشون خسارة زبائنهم وعملائهم من المسلمين"، مؤكدا بأن القانون لا علاقة له بغير المسلمين، ويطبق فقط على المسلمين المذنبين.
وتقدم الحزب الإسلامي بمشروع القانون للبرلمان في نوفمبر 2016م، ولكنه قام بسحبه بعد ذلك لتنقيحه. وكان من المتوقع أن يعيد الحزب تقديمه أمام جلسة مقبلة للبرلمان وسط دعم كبير، من قبل رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، الذي كان أبدى حماسة لافتة لذلك المشروع، رغم تهديد رؤساء حزب الجمعية الصينية الماليزية وحزب الكونغرس الهندي الماليزي بترك التحالف الحكومي (باريسان ناشيونال) الذي يقوده حزب أمنو الحاكم، إلا أن متابعين رأوا أن من الوارد اقتناع تلك الأحزاب الحكومية غير المسلمة بهذا التعديل، وإن لم يشاركوا في دعمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.