سيحتفظ الزمان في سجلاته بجملة من المعطيات البارزة التي رافقت حراك الطوفان وتضحيات غزة وجهود أبناء فلسطين وهم يحفرون في الصخر ويقاسون الصعاب للوصول إلى الصباح المشرق وتحقيق أمل التحرير، وفي المقدمة من هذه المعطيات مواكبة الصوت الأدبي لهذه المحطات الفاصلة، فقد زخر الديوان الفلسطيني عموما بالأشعار والنصوص العربية المكتوبة من كل الأقطار، وكان الشعر الخاص بغزة وواقعها مكابدة ومقاومة فصلا عظيم الشأن في هذا الديوان، يأخذ استقلاليته في المضمون الشعري الفلسطيني منذ مطالع الألفية الثانية وإلى اليوم، ويتسم بالخصائص التي طبعته والتي تأتي انطلاقا من المركزية التي باتت تمثلها غزة في الشأن الفلسطيني.
وما كنت أدري قبل غزة ما البكا
ولا موجعات القلب حتى تولت
لقد أفعمت المرحلة الغزية نصوص الأشعار، بروح من الأمل المنساب، وعززت جوانب المراهنة على نجاح الفعل المقاوم، من بعد أن كانت نصوص الأدب الفلسطيني متمحضة بشكل عام للصبغة التراجيدية، وهو ما يمكن الوقوف عليه بشكل واضح عبر القصائد والأشعار التي تأتي في سياق التفاعل مع الأحداث المتعلقة بغزة، ومن ذلك أنه كان من الدارج أحيانا أن يتم تغيير اسم "عزة" إلى غزة في بيت الشاعر كُثيِّر:
وما كنت أدري قبل غزة ما البكا .. ولا موجعات القلب حتى تولت
غير أن الطابع الجديد المتنامي داخل الأدب الغزي، لا يحشر غزة في مسألة استدرار الدمع فقط، وإنما يراها أيقونة إلهام ليعمد النص الشعري بذلك إذن إلى تعديل مفهوم البكاء في البيت وإنتاجه بشكل جديد كما حدث لأحد الشعراء مع هذا البيت قبل سنين، حتى غدت نسخته الأحدث:
ما كنت أدري قبل غزة ما الإبا .. فلأي جرح بعدها سأطأطئ
ويبلغ الأمر ذروته، حين تأتي القصائد المكتوبة في أجواء طوفان الأقصى، حيث لا تعمد إلى تسويق الأمل بشكل عمومي دون تفصيل، وإنما تستعرض وتقدم اللقطات والصور التي تؤكد هذه الحقيقة، لتكون تلك اللقطات المتحدث الرسمي عن التغيير الجديد في المعادلة، ألسنا نرى الشاعر يسجل المشهد للأجيال اللاحقة متحدثا عن اللحظة:
جرّت كتائب عز الدين في الطين .. في عز تشرين إخوان الشياطين
إن الزمان الذي قد كان يمنعني .. -قالت فلسطين- أضحى اليوم يعطيني
أطربَ النفس لحن ذا الطوفان
عَلِّلاني بوقعه علّلاني
ويدخل على الخط مترنم آخر ليقبس جذوة من القول الأدبي راسما بها لقطة من الطوفان:
أطربَ النفس لحن ذا الطوفان .. عَلِّلاني بوقعه علّلاني
أنشدونا ورددوا اللحن هذا: .. أطرب النفس لحن ذا الطوفان
وفي هذا الصدد، نقرأ في المقدمة التي رافقت هذه النماذج الشعرية التي تأتي اقتباسا من ديوان طوفان الأقصى الذي أصدره اتحاد أدباء موريتانيا، ما نصه "في لحظة فارقة كان طوفان الأقصى، فكتب الفدائيون القصائد العصماء" وأن ذلك في إطار "التحدي والتصدي" اللذين يعتبران ميزة استطاعت غزة النجاح في تحقيقها فأسهم الأمر في فصل أدبي خاص ضمن منظومة أشعار القضية الفلسطينية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.