أصبح تصوير الذات عبر الهاتف المحمول أو ما يطلق عليه "سلفي" ظاهرة عالمية تعكس رغبة الشخص في الظهور الدائم عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتعبير عن الذات، وقد زاد الشغف بالتقاط صور السلفي مع انتشار استخدام وسائل التواصل، لاسيما بين أوساط الشباب، كوسيلة لمتابعة الأصدقاء ومعرفة أخبارهم، وطورت شركات الهواتف المحمولة الكاميرات الأمامية في الهواتف لجذب مزيد من الشباب الذين يرون في هذه الصور وسيلة لمشاركة تجاربهم وعواطفهم والمعالم التي يزورنها مع مجتمعاتهم عبر الإنترنت، ولعلك وافقت أحدهم يستأذنك، بابتسامة رقيقة في أن تتحرك قليلا لكي تخرج من "كادر" الصورة حتى يتمكن من أخذ صورة له مع المنظر الذي تفسده بوقوفك في منتصفه.
وقف موشية تحت التاريخ ليذكر محبوبته ويعدها بأنه سيكون معها في ذلك التاريخ، لكن الخبر السيء لخطيبته أنه لن يفي بوعده، لأنه ببساطة، قتل.
وفي ظل هذا الهوس الشبابي بالـ "سلفي" انتقلت هذه الهواية إلى ساحات القتال في غزة بين جنود الاحتلال إذ يريد جندي أن يتفاخر بانخراطه في قتل المدنيين وتدمير مساكنهم، أو إرسال رسالة لأهله أنه بخير، وتعمل مخابرات الاحتلال على تشجيع الجنود على إرسال تلك الرسائل؛ بل وتروج لها؛ لرسم صورة ذهنية لدى جماهيرها بأن جيشهم مسيطر على الأوضاع، وفي أعلى حالات الجهوزية والروح المعنوية، لاسيما أن الأصوات المناهضة للحرب تتعالى بين صفوف هذه الجماهير مع تزايد أعداد القتلى والجرحى، وهروب جنود الاحتياط من الخدمة أو رفضهم الذهاب إلى غزة للقتال.
في 21 مارس الماضي أقدم الملازم أوشري موشيه على خطبة فتاة كان يحبها، وانخرط الملازم في العمل القتالي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى، وأراد الرجل أن يخلد ذكرى خطوبته من الفتاة التي أحبها فكتب تاريخ الخطبة على جدار أحد المنازل التي تم تدميرها وطرد أهلها منها ومن ثم الاستيلاء عليها ووقف موشية تحت التاريخ ليذكر محبوبته ويعدها بأنه سيكون معها في ذلك التاريخ، لكن الخبر السيء لخطيبته أنه لن يفي بوعده، لأنه ببساطة، قتل.
المقدم نيتان هزموع، نائب قائد كتيبة المظليين بلواء جولاني، والنقيب القناص جعفان شالوم، قائد وحدة القناصة بكتيبة النمور، قبل خمسة أيام من التقاط صورة لهما أمام من ادعو أنه منزل لأحد قادة حماس في غزة وكتبا عبارات نابية على جدار المنزل المذكور، متفاخران بأنهما سيطرا على المنزل ودمراه، إلا أن المفارقة أنهما قتلا، بعد الصورة الـــ "سلفي".
المقاومة كانت تعرف الكثير من المعلومات والأسرار عن جيش الاحتلال قبل عملية طوفان الأقصى، واستطاع المهاجمون الوصول إلى غرفة الخوادم في أحد مراكز جيش الاحتلال من خلال تلك المعلومات
تساءلت الصحافة العبرية، بعد أن تزايد اللغط في شارع الكيان المحتل، لماذا كلما ظهر ضابط أو جندي من جيشهم، في صورة من قطاع غزة يتم قتله؟! هذه القصة جرت مع 50 ضابطا وجنديا التقطوا صورا أو خرجوا في بث مباشر من غزة، ولعلى آخرهم، حتى كتبة هذه السطور، الضابط إلكانا نويلاند الذي التقط صورة قال إنها من منزل قيادي في حماس، واليوم قتل.
في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، كشف عن لقطات مصورة مأخوذة من كاميرات لمقاومين من حماس استشهدوا، لاحقا، تظهر أن المقاومة كانت تعرف الكثير من المعلومات والأسرار عن جيش الاحتلال قبل عملية طوفان الأقصى، واستطاع المهاجمون الوصول إلى غرفة الخوادم في أحد مراكز جيش الاحتلال من خلال تلك المعلومات، وفي مقال "طوفان الأقصى الذي أغرق الجميع" تحدثنا عن دور القوة السيبرانية في المقاومة في التمهيد، بل والتجهيز لعملية طوفان الأقصى، يمكن الرجوع له لعدم الإطالة، لكن قد لا يعرف الكثيرون عن هذه القوة التي تعمل في الظل ومهامها، ويرجع الأصل في الحاجة لهذه القوة، هو معادلة قوة العدو ومناظرته، إذ يستخدم المحتل قوته السيبرانية في مهام عدة، تشمل التجسس وإيقاع الأهداف الثمينة من قادة المقاومة وتجنيد العملاء وتحديد مراكز القيادة والسيطرة، وغيرها من المهام، ومن ثم كان لزاماً على المقاومة أن يكون لها درعها بعد أن طورت السيف -المنظومة الصاروخية- فأطلقت المقاومة مشروعها لإنشاء قوتها السيبرانية، وكما بدأ مشروع المنظومة الصاروخية بدائيًا، بدأت القوة السيبراني وتطورت مع الوقت، لكنها عرف عنها مثابرة عناصرها ورغبتهم في التطور مدفوعين بمبادئ سياسية وعقدية.
هل المقاومة قررت أن تقول لمن أراد أن يلتقط لنفسه صورة في غزة، بابتسامة خفيفة، لو سمحت اخرج من الكادر، لكن هذه المرة للأبد؟! ممكن..
المعارك السيبرانية بين المقاومة والاحتلال ليست وليدة اليوم، فقد اعترف الاحتلال بعمليات سابقة للمقاومة في صراع الأدمغة الممتد على مستويات مختلفة، بإعلان إحباطه لبعض العمليات، لكنه في المقابل لم يعلن عن كثير، والتي قد تظهر للعلن جبرا في إطار إثبات الوجود، كتلك العلمية التي نفذها جنود الظل في القسام في 2021 إبان عملية سيف القدس، عندما اخترقوا إحدى القنوات العبرية ونشروا تحذيرات باللغة العبرية من صواريخ المقاومة، والتي سبقها علميات أخرى اخترقت فيها المقاومة وزارات في حكومة الاحتلال، كما اخترقت هواتف المئات من جنود وضباط الاحتلال، وهو ما جعل مؤسس القوة السيبرانية، الشهيد جمعة الطحلة، في بنك أهداف جيش الاحتلال في هذا العام.
تساؤلات على خلفية المعطيات، قد تكون مشروعة، وقد تتحول لحقائق إذا ما تمت الإجابة عليها، فيما لا يضر المقاومة، إذ إن الحوادث متكررة لدرجة قد تضعها في تصنيف الظاهرة، لماذا كلما خرج جندي أو ضابط في غزة ببث مباشر أو التقط لنفسه صورة يتم قتله؟!
هل المقاومة قررت أن تقول لمن أراد أن يلتقط لنفسه صورة في غزة، بابتسامة خفيفة، لو سمحت اخرج من الكادر، لكن هذه المرة للأبد؟! ممكن..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.