سؤال شهير في البرامج التدريبية، أيهما أهم البوصلة أم الساعة؟ وبعد نقاشات واختلاف في الرأي نخلص أن البوصلة تأتي أولا. أي أن تحدد اتجاهك وطريقك ثم تبدأ في بذل جهدك في الاتجاه الصحيح.لن أنسى وأنا في بداية حياتي العملية لقائي مع زميل أكبر سنا وتبدوا عليه علامات السكينة والوقار، ودار الحوار ووصل إلى نقطة كثيرا ما استحضرها رغم كل هذه السنين، لقد قال: (أن كل الناس تسعى، ولكن المهم فعلا ليس مجرد السعي ولكن أن يكون سعيك في الاتجاه الصحيح). ليس المهم فقط أن يكون لديك هدف ولكن أن يكون لديك هدف صحيح.
النفوس عموما تميل للراحة والبحث عن اللذة، وتكره بذل الجهد والحرمان، لكن يأتي الإسلام فيهذب هذه النفوس ويرتقي بها. فلا يحرمك من المتعة ولكنه يضع لها الإطار الصحيح الذي يحقق منها المنفعة ويمنع الضرر، فيوضح لك أن لديك مهمة وعندك تعليمات بما يجب أن تفعله أو لا تفعله كبرنامج إرشادي لك لتتمكن من أداء مهمتك بنجاح.
وبالتأكيد هناك تحديات عليك أن تتغلب عليها لتنجح في مهمتك، وأكبرها هي حب الراحة (الكسل) وطلب اللذة. خاصة عندما تكون اللذة في معصية، تغريك وتجذبك وتشدك، ولكن فلتعلم أنه سيعقب تلك اللذة غم ونكد وخسارة، فلقد تعقبنا كل حرام ووجدنا له خسارة في كل من صحة الجسد والروح والعلاقات والمجتمع. وكل أمر فوجدنا به منافع كبيرة لصحة الجسد والروح وبناء الشخصية وفوق ذلك أجر وثواب ومغفرة ذنب. ومع الطاعة نعم المسلم قد يألم، وقد يحترق قلبه بالفقد وينصهر فؤاده بالابتلاء، بل قد يكونون أشد الناس ابتلاء لقول رسول الله (سُئِلَ رسولُ اللهِ أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ يُبتَلى الناسُ على قدرِ دِينِهم فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ) حديث صحيح.
من لطف الله ورحمته فيعطي كل منا ابتلاء بقدر طاقته فإن الله لا يأمرنا إلا بمقدور ولا يحاسبنا إلا على قدر الوسع. ولكن مع المعصية غم وضيق، ومع الطاعة سيكون هناك ألم لكنه مصحوب برضا واحتساب للأجر والثواب.
وهذا من لطف الله ورحمته فيعطي كل منا ابتلاء بقدر طاقته فإن الله لا يأمرنا إلا بمقدور ولا يحاسبنا إلا على قدر الوسع. ولكن مع المعصية غم وضيق، ومع الطاعة سيكون هناك ألم لكنه مصحوب برضا واحتساب للأجر والثواب، ومع المعصية سيكون الغم والرعب من الحساب والجزاء، ومع الطاعة ألم يحوطه الصبر وشعور بمعية الله تعالى وثقة في خير خفي ولو مغفرة ذنب ورفع درجات، أما مع غم المعصية شعور بالوحدة والقلق.
نعم مع الطاعة سيكون هناك شدائد واختبارات وسيكون هناك قدر من المعاناة والألم، هذا أمر حتمي وأكيد، لأن هذه هي طبيعة الطريق: فلقد أخبرنا الله مسبقا أن هذه هي قوانين الحياة الدنيا: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، و(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، فالدنيا دار اختبار والاختبار يستوجب قدرا من المشقة والتحدي. وهذا الكَبَد هو أصل ثابت لكل من أهل الطاعة وأهل المعصية.
مع المعصية ستفقد كل مميزات دعم الله وهدايته وستعاني من كل أضرار المحرمات والشهوات وفوق ذلك كله شعور بالضياع عن الطريق وجوع الشهوة الذي لا يلبث إذا هدأ أن يثور ويحرق صاحبه.
لكن عندما تضع في حساباتك أن الله لا يحرم إلا كل خبيث ولا يأمر إلا بكل نافع مفيد، بالتالي سينعم أهل الطاعة بالحياة الطيبة في الدنيا والخلود بالجنة في الآخرة، والحياة الطيبة التي لن تخلوا من جهد وصبر. لأنها ليست الجنة، والنعيم المطلق سيكون في الآخرة فقط، والجهد مطلوب لأنك مكلف بمهمة وهي نشر العدالة والحق وأن هناك من سيحاربك ليمنعك من القيام بها.
وأن هناك نفسا وشهوات ستحاول جذبك بعيدا عن مهمتك، وستزين لك الراحة بل تؤكد لك عجزك وعدم قدرتك على الحركة من أجلها، وأن هناك شياطين الإنس والجن الذين سيبتكرون وسائل عجيبة ليزينوا لك الخطأ ويحرفوك عن الطريق، فعليك أن تكون منتبها.
مع غم المعصية، ستظل هناك تلك المعاناة لكنها أعنف وأشرس، ومع المعصية، ستفقد كل مميزات دعم الله وهدايته وستعاني من كل أضرار المحرمات والشهوات وفوق ذلك كله شعور بالضياع عن الطريق وجوع الشهوة الذي لا يلبث إذا هدأ أن يثور ويحرق صاحبه. أما في الطاعة مع ألم الابتلاء تكتشف نقاط ضعفك فتعالجها ونقاط قوتك تنمو فتزيد وتبرز وتزدهر وتكون مأجورا راضيا.
وبعد أن عرفت أن الحياة ابتلاء واختبار وأنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فيسألك: فيم كنت مشغولا وعلى أي أساس كنت تختار أفعالك؟ اجتهد حتى يكون لديك جواب للسؤال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.