شعار قسم مدونات

الفاكهة والقطة.. بساطة رفعت أصحابها

العم ربيع بائع فاكهة مصري قام بإلقاء حبات برتقال على شاحنات إغاثة مرت أمامه بعد أن علم أنها متجهة إلى قطاع غزة. (مواقع التواصل)

عم ربيع، هذا الرجل البسيط يبيع الفاكهة، وربما لا يتابع من الأخبار إلا ما ندر، لا يعنيه أمر الشهرة ولا التقاط الصور ليضعها في العالم الأزرق لينال "الليكات" ويدخل عالم "الشيرات"، لكنه في لحظة نحسبها عفوية بسيطة خرج من عالمه الصغير إلى عالم أكبر وأكبر، فصار حديث القاصي والداني والتقطت له مشاهد وهو يلقي بعض حبات اليوسفي على سيارة تحمل المواد الغذائية لأهالي غزة.

الإعجاب والانبهار ليس بهذه الحبات التي ألقيت، ولكن بالقلب الذي حملها، وبهذه الرسالة الماتعة الرائعة أننا ممكن وإن حالت بيننا الحواجز. رسالة عفوية وبسيطة فتحت له القلوب وجعلته حديث الناس.

العجيب أننا نرى من يدفع جل وقته وماله لينال جزء من هذه الشهرة، لكن البساطة والعفوية أوصلت الرجل. ألا تذكر معي هذا الشيخ الجزائري الذي ألهب مواقع التواصل بمقطع فيديو من صلاة التراويح مع قطته التي قفزت على صدره واحتضنها بلطف ثم صعدت إلى كتفه وقبلته قبل أن تغادر في هدوء وسكينة. فالبساطة خلق رائع جميل محبوب للقلوب، والإنسان البسيط في كلامه وأفعاله يلج قلوب من حوله، أما التصنع والتجمل فيرتبط بالخداع والنفاق.

كان صلى الله عليه وسلم يصف نفسه بأنه بسيط ليس متكلفا: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [سورة ص: 86 ],ومواضع أخرى تكلمت عن خلق البساطة فقال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [سورة لقمان:18]، وقال في موقع آخر:( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الشعراء:215].

 

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه "ليس من الإسلام": (إن البساطة سُّنَّة الإسلام في كل شيء).

كانت حياته صلى الله عليه وسلم مثالا واقعيا للبساطة، في مسكنه ومأكله وملبسه، وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها: كانت ضجعة "أي فراش نوم" رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف. وقالت أيضا: كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبو داود

إعلان

ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه "ليس من الإسلام": (إن البساطة سُّنَّة الإسلام في كل شيء)، وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "نهينا عن التكلف". وعن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا هلك المتنطعون" ثلاث مرات.

والتنطع مجانبة الفطرة بالمزيد من التكلف والاستقصاء، قال الفضيل بن عياض: "إنما تقاطع الناس بالتكلف، يدعو أحدهم أخاه فيتكلف له، فيقطعه عن الرجوع إليه ".

وروي عن أنس بن مالك وغيره من الصحابة "أنهم كانوا يقدمون لإخوانهم ما حضر، من الكسر اليابسة وحشف التمر، ويقولون: لا ندري أيهم أعظم وزرا؟ الذي يحتقر ما قدم إليه، أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه".

وهذه الآثار تعنى أن يجود المرء بما عنده، لا أن يحرج نفسه بالاضطرار والمصانعة. وليست تعنى أن ينحجر المرء في المهارب الشح فيقدم التافه وهو يستطيع تقريب النفيس. وما أروع ما كتبه الدكتور سلمان بن فهد العودة – فك الله أسره بالعزة: (أحب العفوية والبساطة والوضوح والصفاء، وأكره اللغة الممسوسة بالتحليل والتفسير والاستبطان، المولعة بقراءة المقاصد والنوايا وملء الفراغات بما تشتهي).

المدرسة النبوية تريد البساطة في الدعاء، والرجل لا يحسن دندنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا دندنة معاذ ويعرفون الدندنة بأنها الكلام الذى يسمع نغمته ولا يفهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد البساطة في الدعاء.

بساطة الجيل القرآني

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى الأخرى، فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، فقال: من يضيف هذا الليلة، رحمه الله ، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا، يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبيتي ، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا، فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد عجب الله من صَنِيعِكُما بضيفِكُما الليلة". رواه مسلم

إعلان

وقد فقه السلف الصالح أهمية خلق التواضع عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع" (أورده الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين). وعن ابنته عائشة رضي الله عنها قالت: "تغفلون أفضل العبادة: التواضع". (أخرجه وكيع في الزهد)

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من تواضع لله تخشعا رفعه الله يوم القيامة ومن تطاول تعظماً وضعه الله يوم القيامة". (أخرجه وكيع في الزهد)، ويلخص ذلك كله ما جاء في مدارج السالكين من قول إبراهيم بن شيبان: "الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة".

"حولها ندندن".. البساطة في الدعاء

قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: كيف تقول في الصلاة، قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن. رواه أبو داود

المدرسة النبوية تريد البساطة في الدعاء، والرجل لا يحسن دندنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا دندنة معاذ ويعرفون الدندنة بأنها الكلام الذى يسمع نغمته ولا يفهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد البساطة في الدعاء.

 

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان