ما يدهشنا في الآونة الأخيرة وبعد حادثة السابع من أكتوبر أن كل من يتصدى لدعم القضية الفلسطينية، سيكون مصيره إما الطرد أوالهجوم الإعلامي والثقافي والسياسي الذي يفضي إلى الطرد و النبذ بلا رحمة، ولعل حادثة استقالة رئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي خير مثال للإرهاب الصهيوني الذي يمارس بكل حتمية على أي شخصية دون استثناء إذا ما عارض توجهات السياسة الإسرائيلية بوضوح وتعاطف مع المدنيين الفلسطينيين.
على المستوى الإعلامي فقد كان الإرهاب الصهيوني أكثر وضوحا حتى على اليهود الذين يناوئون الحرب، فقد تمت إقالة رئيس تحرير مجلة آرت فورم المشهورة ديفيد فيلاسكو بعد نشر رسالة مناهضة للحرب الإسرائيلية الهمجية
كلودين غاي كاتبة وباحثة، وهي عميدة كلية الآداب في هارفارد منذ عام ٢٠١٨ ورئيسة جامعة هارفارد منذ عام ٢٠٢٣، تم استجوابها في الكونغرس فقط لأنها -ومجموعة من رؤساء الجامعات الأخرى- اعتبرت المظاهرات المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي ضمن حرية التعبير. لكن اللوبي الصهيوني مارس أقسى أنواع الضغط الإعلامي على كلودين، بل ووصل الأمر للتشهير بها والشك بمؤلفاتها وأبحاثها وذلك عبر إطلاق الاتهامات وبث الأكاذيب عبر الإعلام المأجور، بل وعبر المشرعين الذين يقف ورائهم الصهاينة المتنفذين.
ولم يقف الحد عند استقالة كلودين، بل وطالب ٧٤ مشرعا في الكونغرس بدعم من الملياردير الصهيوني بيل آكمان بإقالة كل من رئيسة معهد ماساشوستس سالي كورنبلوث، ورئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل، لنفس السبب الذي أجبر كلودين على الاستقالة، رغم أن الأخيرة حظيت بدعم كبير من إدارة الجامعة ولكنها في نهاية الأمر استقالت بسبب الضغوط غير الاعتيادية التي مارسها الصهاينة عليها، وعلى كل من يحاول أن يخرج عن قاعدة "دعم إسرائيل واجب على الغرب/ العالم الحر"، وهذا ما يردده نتنياهو وحكومته عن وجوب أن يقف العالم الغربي معه ضد ما يسميه محور الشر.
أما على المستوى الإعلامي فقد كان الإرهاب الصهيوني أكثر وضوحا حتى على اليهود الذين يناوئون الحرب، فقد تمت إقالة رئيس تحرير مجلة آرت فورم المشهورة ديفيد فيلاسكو بعد نشر رسالة مناهضة للحرب الإسرائيلية الهمجية، وكذلك تمت إقالة رئيس تحرير مجلة أيلايف العلمية مايكل آيسن رغم أنه يهودي، وذلك بسبب إعادة تغريده بتغريدة تدعو فقط لإعادة النظر في موضوع المدنيين الفلسطينيين، أما مها دخيل الوكيلة والمنتجة في وكالة الفنانين المبدعين "CAA" فقد أقيلت من منصبها في الوكالة إثر نشرها فيديو يدعم الفلسطينيين على انستغرام بشكل صريح.
الإرهاب الصهيوني الذي نعرف أنه متجذر في السياسية الإسرائيلية أخذ يتبلور بصورة منظمة على مدى عقود من الصراع ليصل إلى أروقة الجامعات والهيئات الإعلامية، ومضى يسكت المعارضين لإسرائيل وسياساتها بشتى الوسائل
ولم يتوقف الإرهاب الصهيوني على مستوى الإعلام والتمثيل، بل وصل حتى الفنون التشكيلية، فمثلا تم منع الفنانة فلسطينية الأصل سامية الحلبي من إقامة معرضها في جامعة انديانا، حيث فرض نوع من الوصاية على المبدعين الفلسطينيين في الغرب، أو الداعمين للقضية الفلسطينية بشكل خاص.
يتضح مما سبق أن الإرهاب الصهيوني الذي نعرف أنه متجذر في السياسية الإسرائيلية أخذ يتبلور بصورة منظمة على مدى عقود من الصراع ليصل إلى أروقة الجامعات والهيئات الإعلامية، ومضى يسكت المعارضين لإسرائيل وسياساتها بشتى الوسائل، ليس هذا وحسب بل إن هذا الإرهاب الغاشم يرفض حتى احترام تصريحات الدول الأخرى وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الموقع عليها ويضربها عرض الحائط. كل ذلك يحصل بمساعدة الولايات المتحدة بالدرجة الأساس، التي تمثل صمام الأمان لوجود المستعمرة الإسرائيلية في الشرق الأوسط حيث "إن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل حارسا أمينا لمصالحها في المنطقة العربية لذلك تدعمها بالمال والسلاح".
الولايات المتحدة نفسها التي تدعي في كل حرب تخوضها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن بأنها إنما تخوض الحروب للتحرير والبناء الديموقراطي كذبا وبهتانا، فما هي إلا دولة مارقة كما يسميها نعوم تشومسكي تدعم الديكتاتوريات في العالم وتمدهم بالسلاح وتبقيهم في السلطة ما داموا يحمون مصالحها، ومتى ما فقد هؤلاء عنصر الحماية الأميركي ظهرت في بلدانهم بوادر الثورات والإرهاب والفوضى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.