شعار قسم مدونات

رؤية تحليلية نقدية في فكر الجابري (2)

Mohammed Abed al-Jabri/ محمد عابد الجابري
المفكر المغربي محمد عابد الجابري (وسائل التواصل)
  • من الدعوة إلى الدولة (الغنيمة):

يبدأ الجابري الفصل بسؤال طرحه الخليفة الأموي "عبدالملك بن مرْوان" حول سبب تمسك قريش بأصنامها. وفي إجابته، يشير الجابري إلى ملاحظة هامة؛ إذ كان من أشد المعارضين لدعوة النبي محمد من قريش أولئك الذين يمتلكون المال.

وبالتالي، فإن الخطر لم يكن على الأصنام نفسها، بل كان يتعلق بالأموال والمصالح الاقتصادية التي كانت تدرها الأصنام، فلم تكن قريش تعتبر الأصنام أيقونات دينية يجب الدفاع عنها، بل كانت تعتبرها مصدرًا لجذب الناس وجني الأموال من خلال الهدايا وإقامة الأسواق.

وعليه، كان إشعاع مكة التجاري ينطلق أساسًا من الأصنام، وكان الخوف يكمن في أن يؤدي تدمير هذه الأصنام إلى تدمير المصالح الاقتصادية المرتبطة بها. ولهذا السبب، حاربت قريش الدعوة المحمدية التي أعلنت إيمانًا بإله واحد، في كل مكان، بما أن ذلك يُهدد مصالحها التجارية.

هنا يظهر دافع الغنيمة، وهو الخوف من فقدان المكاسب الاقتصادية، كأحد الأسباب الرئيسية لمعارضة قريش. ويذكر الجابري أن عرب الجاهلية لم يكن لديهم مفهوم عميق للدين، بل كان التركيز على الجانب المادي، فمكة لم تكن مركزًا دينيًا بالمعنى التام، بل كانت مدينة تجارية تهتم بمكاسب الحج والرحلات التجارية.

إعلان

وكانت وظيفة القائمين على الدين، مثل الكهانة، تنحصر في الرعاية المادية للمكان، ولم يكن لهم دور ديني بمعناه الكامل. وبالتالي، "لم يكن الحج عند عرب الجاهلية شعيرة دينية وحسب، بل كان أيضًا موسمًا تجاريًا بالغ الأهمية"، (نفسه، ص103).

أما بالنسبة لموقف قريش من الدعوة، فلم يكن نابعًا من عقيدة دينية بقدر ما كان سياسيًا واقتصاديًا فمما أثار قلق قريش ليس الدين الجديد ذاته، بل ما يمكن أن يحمله هذا الدين من تغيير في موازين القوى الاقتصادية والسياسية.

وبعد أن بدأ النبي في" ضرب مصالح قريش" عن طريق مهاجمة قوافلها التجارية، لم يكن ذلك دافعًا للغنيمة بقدر ما كان محاولة لإخضاع قريش للإسلام، ولكن الغنيمة بدأت تدخل في حسابات قادة الدعوة، وأصبحت أحد المحفزات القوية للجهاد، ومع تتابع الغزوات، أصبح أثر الغنيمة واضحًا، حيث استخدمها المسلمون ليس فقط لتجهيز الجيوش، ولكن أيضًا لتحفيزهم على المشاركة في المعارك.

وتوالت الأحداث، حيث حاول يهود بني النضير الغدر بالنبي، ولكن النبي تمكن من محاصرتهم وهزيمتهم، ففروا إلى الشام. ثم تحالفوا مع قريش ومع يهود بني قينقاع من أجل الانتقام، فشهد المسلمون معركة الأحزاب، التي انتهت بانتصارهم، مما وسع من دائرة الدولة وأعطاها انتصارًا معنويًا وماديًا.

ثم جاء حدث عظيم قلب كل الموازين، وهو تغيير القبلة من بيت المقدس إلى مكة. فبفضل هذا التحول، انتهى الخوف الذي كان يراود قريش من أن يتأثر مركزها التجاري، فالإسلام سيظل يحافظ على مكانة مكة كمركز للحج والتجارة.

وفيما بعد، وبفضل المفاوضات والصلح الذي تم في الحديبية، اعترفت قريش بمحمد وتنازلت عن موقفها العدائي، مما مهد الطريق لتعايش سلمي.

وفتحت مكة، وجمعت الغنائم في معركة حنين وغزوة تبوك. وعلى الرغم من ذلك، بدأ يظهر بعض التقاعس في صفوف المسلمين، خاصة عندما أراد النبي الهجوم على جيش الروم. فاضطر إلى الاستنجاد بأصحابه السابقين الذين تكفلوا بتمويل الجيش.

إعلان

وهنا برزت الحقيقة، وهي أن الغنيمة كانت الدافع الأساسي للمشاركة في الغزوات وليست العقيدة. ومع مرض النبي في أواخر حياته، بدأت العديد من القبائل في الارتداد، ما عدا مكة والطائف، الذي يدل على ضعف الإيمان لدى بعضهم، مما مهد للفتنة التي تلت وفاته.

  • من الردة إلى الفتنة (القبيلة):

كانت لحظة وفاة النبي مفاجأة كبيرة للصحابة، خاصة أنه لم يعين من يخلفه، فبدأت حركات التوتر والفتن تظهر بين المسلمين. اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليتشاوروا بشأن من سيخلف النبي ويحفظ الدولة الإسلامية. وانضم إليهم أبو بكر وعمر، وبدأ صراع محتدم حول من يجب أن يخلف النبي.

وقد كان هذا الصراع بين الأنصار والمهاجرين، وكلا الجسمين كان يضم شقوقًا داخلية، مما يزيد من تعقيد الموقف السياسي في المدينة. وفي النهاية تمخض عن حادث السقيفة تحديد الأسس المشروعية للخلافة المتمثلة في: الأساس القبلي، وهو الانتماء لقبيلة قريش، وأساس ديني هو السابقة في الاسلام.وكانت هذه الأسس في صف أبي بكر، والواضح هنا أن منطق القبيلة عاد لظهور مجددًا، و" أن الصحابة عالجوا مسألة الخلافة معالجة سياسية محضة" (نفسه، ص 136).

كما ظهر منطق القبيلة في صفوف المهاجرين من بني هاشم وغيرهم، وتختلف الروايات حول موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر، ويورد الجابري روايات مختلفة فيها ما تقول إن عليًا سارع لمبايعة أبي بكر، وفيها ما تقول إنه بايعه في وقت متأخر، وأخرى تقول أنه امتنع عن المبايعة.

لقد كان علي ابن عم وصهر النبي وأحد المسلمين الأوائل، ولكن لم ينفرد بهذه الخصوصيات كما أن العرب لم يكونوا يعتمدون الوراثة ولا يهتمون بالقرابة بل بالكفاءة السياسية، أما النبي ذاته لم يجعل لصحابة خاصية على مستوى العقيدة، فهو وحده النبي الذي يوحى إليه ولا يمكن لنبوة أن تورث.

وبهذا المعنى وقع الفصل في مسألة الخلافة بمنطق القبيلة واستطاع أبو بكر القضاء على الردة، أما طريقة مبايعة عمر فقد كانت أقل حيرة لتجنب صراع السقيفة، إذ قام أبو بكر بتعيينه لما مرض عن طريق المعاهدة، أما الخليفة الثالث فقد عين عن طريق الشورى بالاختيار من بين ستة من المبشرين بالجنة من بينهم علي وعثمان، ووقع الأمر على عثمان.

إعلان
  • ولكن لماذا ترك النبي أمر الخلافة وتعيين الخليفة لاجتهاد الصحابة؟

يجيب الجابري عن هذا السؤال، وهو أن النبي كان مبلغ رسالة دينية محضة، ولم يكن لا ملكًا ولا حاكمًا بل كان يكره أن ينعت بهذه الألقاب، وقد أدخل السياسة من أجل الضغط على قريش وتأسيس دولة إسلامية جوهرها إبلاغ الرسالة، ولما أتم رسالته مات تاركًا أمور الدنيا شورى بين الصحابة وآيات القرآن معبرة عن هذا "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى 38) "شاورهم في الأمر"(آل عمران 159).

وأثناء خلافة عثمان طفت القبيلة إلى السطح مجددًا بين بني هاشم الممثلين في علي بن أبي طالب، وبني أمية الممثلين في عثمان بن عفان، وقد كان بنو أمية وخاصة بني عبد شمس أكثر عددًا من بني هاشم؛ أي أن العددية كانت لصالح عثمان، خصوصًا بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار النفوذ السياسي والتجاري داخل الدولة بهذا الشكل، فستكون الكلمة الأولى والأخيرة لبني أمية.

وقد أكد الجابري أن دولة النبي دولة اتحادية الطبع قامت نواتها على صحيفة النبي، وهي أشبه ما تكون "بالدستور الاتحادي" وتكرس هذا الطابع عندما دخلت القبائل الإسلام سواء بمبادرة من زعمائهم، أم تلبية لدعوة مكتوبة من النبي، أو رضوخًا للدولة الجديدة والدخول للإسلام يعني الرضوخ للسلطان السياسي لدولة الدعوة، وقد أصبحت الدولة مع وفاة النبي تضم تقريبًا الجزيرة العربية كلها، ولكن بعد وفاته بدأت القبائل بالردة وكأنها تنتظر هذه اللحظة فتمردوا على عمال "الصدقات".

لكنّ أبا بكر نجح في قمع حركات الردة، وفي عصر عمر الخطاب بدأت الفتوحات، أما عهد في عثمان بن عفان فقد كسب كراهية الناس عندما جعل أقاربه يتولون المناصب العليا فتجمعت الثروة في يد قلة، وأصبح لعثمان أعداء تمردوا عليه إلى أن قتلوه يوم الدار، وانفجرت بعد هذه الأحداث الفتنة الكبرى وطالب معاوية بدم ابن عشيرته، وفي الأثناء بويع علي بن أبي طالب في المدينة، وكانت بيعة كما وصفها هشام جعيط ( 1935- 2021م)، "فوق جسد عثمان الدامي" (الفتنة، ص 142).

إعلان

ثم انتقل إلى الكوفة ليقاتل ثالوث الجمل، وانتهت المعركة بفوزه ثم واقعة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية وانتهت بالتحكيم وخروج بعض الجنود عن علي، ونشأ منهم الخوارج، ثم قُتل علي وظل ابنه الحسن العقبة الوحيدة أمام معاوية، لكن الحسن جنح لسلم وبايع معاوية وسمي ذلك العام بعام الجماعة، وهذه أبرز ملامح الفتنة الكبرى التي غذّتها القبيلة.

  • من الردة إلى الفتنة (الغنيمة):

بعد وفاة النبي امتنعت القبائل عن دفع "الإتاوة"، وهي عبارة عن ضريبة تدفعها القبائل لدولة الدعوة ما دامت موازين القوى لصالحها، وما إن تتغير هذه الموازين حتى تمتنع القبائل عن دفع هذه الإتاوة التي اعتبرتها دائمًا دليل خضوع، وكانت هنالك قبائل تطمح إلى سدة الحكم والسيطرة على دولة الدعوة، وهنالك من زعم النبوة.

وأمام هذا الوضع الشائك كان لزامًا على أبي بكر أن يظهر القوة حتى تخضع كل الأطراف، وهو ما فعله عندما حارب الردة، وأعاد سيادة الدولة، وقاد فتوحات نتجت عنها غنائم وزعها أبو بكر على أساس الخمسة التي ذكرها القرآن: "لله ورسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" (الأنفال41).

وبالتالي فإن الغنيمة كانت تلعب دورًا سياسيًا هامًا في زمن الخلفاء الراشدين، إذ إنها كانت تمثل "العدل" أي العدل في العطاء، كما مثلت سببًا في الانقلاب على عثمان، وعلى علي الذي لم يكن يهمه العطاء بقدر العقيدة، إذ مثل الأعراب جماعة ترتزق من الغنائم، كانوا شعب غنيمة، وكانت دولة الدعوة دولة فتوحات توفر هذه الغنيمة.

  • من الردة إلى الفتنة (العقيدة):

استهل الجابري الفصل بملاحظة عن الفصلين السابقين، وهي أن القبيلة والغنيمة كان لهما دور كبير في الردة والفتنة، فالقبيلة كانت تؤطر الحدثين، والغنيمة كانت المحرك الأساسي لهما.

كما مثلت الردة على غرار رفض دفع الاتاوة ارتدادًا عن العقيدة، فقد عرفت ظاهرة الردة ظهور مدعي النبوة الذين كانوا يقلدون النبي، ويطمحون لتأسيس دولة دعوة مثله، واعتبر الجابري أن هذه الظاهرة أي ظاهرة ادعاء النبوة ظهرت قبل قيام الدولة المحمدية بظهور حركة دينية واسعة النطاق أطلق على أصحابها اسم "الحنفاء"، ومن بينهم " خالد بن سنان العباسي" ومن الحنفاء المشهورين أيضًا "زيد بن عمرو" إضافة إلى ظهور "المسيحية الهرمسيّة".

إعلان

كل هذه الحركات ظهرت قبل النبي، لذلك كانت العرب تظنه أحد المنتسبين لهذه الحركات وأدرج الجابري مدعي النبوة في هذا الفصل، وأسهب في الحديث عنهم؛ لأنهم كانوا متسببين في ظهور الردة، ولكن الجابري يؤكد في نهاية الفصل أن العقيدة لم تلعب دورًا واضحًا في حادثة الردة والفتنة، كما لعبتها القبيلة والغنيمة، وقد وصف عصر الخلفاء الراشدين بعصر انتقال " من الوثنية إلى التوحيد من التنزيل إلى التأويل، ومن دولة الدعوة إلى دولة الفتح".

النقد

ربط الجابري محددات العقل السياسي العربي "العقيدة والقبيلة والغنيمة" بالإسلام وفترة الدعوة المحمدية وما حصل إثرها من فتن وردة، وبهذا الشكل يرتبط اللاوعي السياسي العربي بالموروث الديني الاسلامي.

ولا يخفى عن أحد طرافة هذا الثالوث والدراسة النقدية الفلسفية العميقة التي قام بها الجابري في بحثه عن كيفية تشكل اللاوعي السياسي العربي، ولكن ألم يظهر هذا الثالوث أي " العقيدة والقبيلة والغنيمة قبل الاسلام؟ لماذا إذًا ركز الجابري على فترة الدعوة وما بعدها وما حجة قوله: " إن الممارسة السياسية في الحضارة العربية الإسلامية بدأت مع ظهور الإسلام" (نفسه، ص 35). ألم يعتبر الممارسة السياسية في إحدى وجوهها ظاهرة فيما تقوم به قريش من استغلال لموسم الحج؛ لاستقطاب القبائل وتلقي الهدايا وإحياء التجارة.

أليس هذا تشكّلًا لمفهوم الغنيمة؟ ولكن متى ظهرت قريش ومتى بدأت تقوم بسقاية الحج؟ أجاب الجابري عن هذا السؤال من خلال العودة إلى نسب النبي وشجار الأخوين عبد مناف وعبد الدار على سقاية الحج، هذا يعني أن هذه الممارسة ظهرت حتى قبل وجود النبي محمد، وبالنسبة لمفهوم القبيلة فقد ظهرت القبائل بانشقاقاتها وتحالفاتها قبل الدعوة، أليست حروب القبائل والتحالفات والمصالح نوعًا من الممارسة السياسية؟

وأما العقيدة، فقد ظهرت عند الأعراب الذين كانوا موحدين، لكنهم يعتمدون الوساطة بين العبد والرب عن طريق الأوثان، وهو ما عبر عنه الجابري، وكذلك برزت من خلال حركة الحنفاء والمسيحية الهرمسية، ولو كان منطق العقيدة جديدًا على الأعراب لكان موقفهم من النبي مختلفًا تمامًا، وليس المقصود أنهم سيتقبلونه منذ البداية، ولكن كانت الدعوة ستلفت انتباههم بشكل أكبر ولآمن معه كثرة في مكة وليس قلة.

إعلان

إذًا اللاشعور السياسي موجود سلفًا عند العرب، ولم يكن مرتبطًا بظهور الإسلام، فحتى الآيات نزلت على النبي محمد لتقوده وتكشف له في كل مرة دسائس المجتمع، ومن حوله من المنافقين، فلم تكن مهمة النبي سهلة في بيئة تتجذر فيها الأعراف والحسابات القبلية، ولا يحظى فيها الدين والعبادة بمكانة هامة.

إذ لم يكن هناك رجال دين يطوفون حول الأصنام ويعلمون الناس طقوس العبادة، بل كانت مكة أشبه بمجتمع قبلي بدوي تحكمه التجارة يقوم بالحج إشباعًا للعاطفة الدينية مع جلب ما يمكن بيعه أثناء الحج من بضاعة،.

فالأعراب لا يدينون إلا بدين الأقوى، والدليل على ذلك أن النبي لما كان يدعو للإسلام في المرحلة المكية لم يؤمن به سوى قلة من أهله ومستضعفي القوم، وعندما أسس دولة الدعوة وكسب تحالف القبائل، وأصبح لديه جيش وغنائم دخل الأعراب في دين الله أفواجًا، ومع وفاة النبي شعروا بأن الدولة ستنهار، فارتدوا عن الإسلام؛ لأن الدين لم يكن يعنيهم بل الأقوى، الأقوى مالًا ونسبًا.

وهذه الأيديولوجيا موجودة سلفًا حتى قبل قدوم الإسلام، ومن الطبيعي بروزها عند قدوم الإسلام؛ لأنه ليس حدثًا عاديًا ولكن ربط الممارسة السياسية بالإسلام يعني ضمنيًا نفي وجودها قبل الإسلام، وهو ما لا يستقيم منطقيًا.

وبكل ما أسلفنا القول نخلص إلى أنه لا يكفي ربط العقل السياسي العربي بالموروث الديني حتى نفهم آليات اشتغاله، بل يجب ربطه أيضًا باللحظة الأولى التي تشكل فيها العرب من نسل إسماعيل وتركزهم في شبه الجزيرة العربية وطرق تكيفهم مع البيئة البدوية الصحراوية، هذه البيئة ستشكل – شئنا أم أبينا – جزءًا من لاشعورهم، إضافة إلى طرق تقسيم قبائلهم وصلاحيات قائد القبيلة، وكيف يعلنون حروبهم وتحالفاتهم.

كل هذه ممارسات سياسية سابقة للإسلام يمكن البحث فيها وليس النظر إليها انطلاقًا من الإسلام، لأن موروث العرب ليس فقط الدين الإسلامي بل القبلي البدوي الجاهلي أيضًا والنظر إلى ماضيهم على أنه فترة ظهور الإسلام فقط سيجعلنا نغيب كل ما حصل قبل تلك الفترة وأثر فيها لاحقًا.

إعلان

إذًا " لماذا يعتبر أغلب الدارسين فترة ظهور الإسلام هي بداية تاريخ العرب، صحيح أن العرب ارتبط نفوذهم وقوتهم بظهور الإسلام وما نشأ عنه من فتوحات وتوسع جغرافي ونفوذ سياسي، ونحن لا ننفي أهمية فترة ظهور الإسلام في تاريخ العرب، ولكن الدراسات الموضوعية يجب أن تتطرق إلى ما قبل الإسلام، فكما نعود لمرحلة الطفولة حتى نفهم تكوّن الشخصية يجب العودة إلى طفولة العرب لفهم كيفية اشتغال العقل العربي ماضيًا وحاضرًا وكيف نتجاوز أخطاءَه مستقبلًا.

ذكر محمد عابد الجابري ثلاثة محددات تحكم العقل السياسي العربي، وهي: "العقيدة، والقبيلة، والغنيمة"، في محاولة منه لفهم آليات اشتغال العقل السياسي العربي انطلاقًا من العودة إلى الموروث الذي ارتبط به، وهو الموروث الديني المتمثل في الإسلام الذي اعتبر ظهوره إيذانًا ببداية الممارسة السياسية لدى العرب إلّا أنه أغفل أنه هذه الممارسة وهذا الثالوث المحدد للعقل السياسي العربي موجود سلفًا، ومتجذر لدى الأعراب كما تتجذر النخلة في واحاتهم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان