من الكرد إلى جدعون ساعر

OR YEHUDA, ISRAEL - DECEMBER 16: Gideon Sa'ar, Likud Party member speaks at a campaign rally on December 16, 2019 in Or Yehuda, Israel. Sa'ar challenges Prime Minister Benjamin Netanyahu for the Likud leadership primary that will be hold on December 26 a head of the third Israeli elections. (Photo by Amir Levy/Getty Images)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (غيتي إيميجز)

وزير خارجية إسرائيل الجديد (جدعون ساعر) ذكر الشعب الكردي في أول خطاب له بعد توليه منصبه في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وقال إن إسرائيل "تمتعت منذ فترة طويلة بعلاقات إيجابية مع الأكراد منذ إنشائها"، أي في عام 1948، مشيرًا إلى رغبته في متابعة التطورات في المنطقة وتوسيع "دائرة السلام والتطبيع" فيها.

وقال ساعر، حسب وكالات الأنباء: "إن تواصل إسرائيل مع الأقليات في المنطقة له تاريخ طويل، موضحًا أن الشعب الكردي أمة عظيمة"، وقال: "إنها واحدة من كبرى الأمم التي لا تتمتع باستقلال سياسي"، مشيرًا إلى "وجود مصالح مشتركة بين اليهود والأكراد في المنطقة، باعتبارهما أقليات غالبًا ما تواجه الاضطهاد على أيدي الأعداء أنفسهم".

هناك اعتقاد شبه يقيني عند الكرد منذ أن تشكلت ما تسمى بإسرائيل في 1948، الكبار والصغار والنساء والأطفال والشيوخ والشباب منهم، بأن تحرير القدس وفلسطين مرة أخرى سيتم على أيدي أحفاد صلاح الدين

وهنا لا بد أن نرد على هذا التصريح، الذي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار العربية والكردية تثير النقاشات حوله، ولستُ هنا أتحدث ككردي بالنيابة عن الكرد، ولكني كمتابع للأحداث والتوترات والنزاعات السياسية والحروب في المنطقة، ومدرك لحقيقة رؤية الشارع الكردي لما تسمى بإسرائيل، أكتب ما أكتب رغم وضوحه:

  • الشعب الكردي، كغيره من شعوب المنطقة العربية أو الشرق أوسطية، لا يعترف بدولة إسرائيل من الأساس، سواء بحدودها في 1948، أو بحدودها المفتوحة ما بعد 1967. وهذه الحقيقة لا يتجادل حولها الشارع الكردي، لأنها أصبحت بديهيات عنده. والكرد ربما لم يكونوا طرفًا مباشرًا في الصراع العربي الفلسطيني- الإسرائيلي منذ بدايات القرن العشرين لسبب رئيس هو انشغالهم بهمومهم وأزماتهم وأحلامهم السياسية الذاتية، ولكنهم رغم هذا لا يرون مطلقًا أن وجود دولة صهيونية في المنطقة شيء طبيعي.
  • الشعب الكردي – أو الأمة الكردية – لا يعترف بشيء اسمه الشعب اليهودي؛ لأن الكرد يرون أن اليهود هم أصحاب ديانة لا غير، والدين عندهم لا يتحول إلى قومية، بعكس ما تعتقد الحركة الصهيونية التي تأسست على يديها ما تسمى بإسرائيل. فاحترام الديانة اليهودية شيء، وجعل أصحاب هذه الديانة أصحاب حقوق سياسية متعلقة مباشرة بأراضي غيرهم والاستيلاء عليها شيء آخر مختلف تماما.
  • هناك اعتقاد شبه يقيني عند الكرد منذ أن تشكلت ما تسمى بإسرائيل في 1948، الكبار والصغار والنساء والأطفال والشيوخ والشباب منهم، بأن تحرير القدس وفلسطين مرة أخرى سيتم على أيدي أحفاد صلاح الدين الأيوبي. ومعنى ذلك ببساطة أن الكرد إن سمحت لهم الظروف الواقعية بالوقوف ضد إسرائيل فلن يترددوا لحظة في ذلك، ولكنهم محكومون بحسابات وظروف سياسية معقدة تضيق عليهم الخناق، سواء داخلية أو خارجية.

بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكدليل على وقوف الكرد مع القضية الفلسطينية وترحيبهم بعملية (طوفان الأقصى)، ترى في غزة ناشطين مدنيين كرد يقدمون المساعدات الإنسانية لأهل غزة

  • طوال القرن العشرين، ومثلما عانت شعوب المنطقة العربية، عانى الشعب الكردي كذلك من النظم الاستبدادية والعميلة لدول الغرب أو الشرق، التي تحكم المنطقة الشرق- أوسطية، فإذا توجهت جهات كردية إلى إقامة علاقات سرية مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية من أجل محاربة هذه النظم، أو نيل حقوق سياسية، فذلك محكوم بالظروف التي كانت قائمة آنذاك. ورغم أن هذا لا يبرر إقامة علاقات سرية مع إسرائيل، فالحقيقة هي أن الشارع الكردي لم يكن حاضرًا في ذلك الوقت ليقول رأيه، أو يقف ضد مثل هذه العلاقات.
  • لا مصالح مشتركة بين الكرد وبين إسرائيل كما يدعي ساعر، فالكرد كما صرح الأخير هم فعلًا جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة، مختلطون بها عبر أزمنة طويلة، ومصيرهم هو ذات مصير أمم الشرق، ويجمعهم الدين الإسلامي، والثقافة الإسلامية، واللغة العربية – لغة القرآن الكريم- هي الأداة الثابتة الحية للتواصل بينهم. وعبر قرون عديدة كان الكرد مع العرب وغيرهم، يشتركون في الدفاع ضد الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي، مثل أخطار الحروب الصليبية، دون أن يفكر أحد بكرديته أو بعربيته.
إعلان

واليوم، بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكدليل على وقوف الكرد مع القضية الفلسطينية وترحيبهم بعملية (طوفان الأقصى)، ترى في غزة ناشطين مدنيين كرد يقدمون المساعدات الإنسانية لأهل غزة، وتسمع خطباء المنابر في كل يوم جمعة، في إقليم كردستان العراق، يدعون لأهل غزة بالنصر على أعدائهم – إسرائيل- والثبات على إيمانهم ومواقفهم البطولية.. وهذا الموقف هو موقف ذاتي نابع من الشارع الكردي، وليس الموقف الحكومي الرسمي.

وفي المقابل، ما يسمى بالشعب الإسرائيلي هو شعب دخيل في المنطقة، لا جذور موحدة له، فهو من كل بقاع الأرض تقريبًا، وفي حالة غريبة وشاذة تم جمعه في أرض فلسطين بدعم من القوى الاستعمارية الكبرى، ولا حقيقة لادعاءاته بامتلاك الأرض، وكل الشعوب المحيطة به ترى في وجوده خطرًا عليها.

  • بسبب تعصب الصهاينة لأفكارهم، وانغلاقهم على أنفسهم، وإيمانهم المطلق باستخدام القوة فقط مع الآخرين (الذين هم مواطنو الشرق الأوسط) لنيل ما يعتقدون أنها حقوقهم الدينية، وبسبب دفاع القوى الغربية غير المحدود – وعلى رأسها أميركا- عن دولتهم المزعومة، وضمان بقائها القوة الكبرى في المنطقة.. بسبب كل هذا، يظنون أن الشرق الأوسط لعبة في أيديهم، يشكلونه كما يشاؤون، ويحركونه كما يريدون.

لا بد من القول إن النظم السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن إرادة وأحلام شعوبها، وكلما زادت من علاقاتها التطبيعية مع إسرائيل، فهي تزيد من نسب كراهية الشعوب لها

والأفظع أنهم يظنون أن كل ما يقولونه ينبغي أن يصدقه الآخرون، ويركضوا خلفه حتى تتحقق مصالحهم الذاتية، وهذا ظاهر في أقوال جدعون ساعر عن الكرد؛ فهو يظن أن تصريحه عن العلاقات الإسرائيلية- الكردية قد يدفع الشعبين العربي والكردي، أو الشعوب الكردي والفارسي والتركي، إلى المواجهة، فتكثر الاتهامات بين شعوب المنطقة، وتتجدد الخلافات، ثم تتحول إلى أزمات كبيرة، وتأتي إسرائيل في النهاية لتستغلها وتضرب الكل بالكل، وتصير هي المنتصرة!. وما يدري، وبالذات فيما يتعلق بوعي شعوب المنطقة تجاه إسرائيل، بأن ألاعيب إسرائيل لتوتير وتمزيق وتعنيف علاقات شعوب المنطقة البينية باتت مكشوفة للجميع.

وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، بعد أن شنت إسرائيل أبشع حرب إبادة ضد قطاع غزة، تؤكد كل شعوب المنطقة لأنفسها ولغيرها بأن الخطر الأكبر على المنطقة هو وجود دولة إسرائيل، وما لم تلجم فلن يعود للمنطقة السلام والأمان والرخاء والتقدم.

وفي النهاية، لا بد من القول إن النظم السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن إرادة وأحلام شعوبها، وكلما زادت من علاقاتها التطبيعية مع إسرائيل، فهي تزيد من نسب كراهية الشعوب لها، ويحدث هذا تحديدًا جراء مواقفها المخزية جدًا تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة.

الأمر لا يتعلق بالكرد أو العرب أو غيرهم، بل برؤية الشعوب مجتمعة أن إسرائيل تحاول أن تفرض كل ما تريد على المنطقة وبالأشكال التي تريد، ولا تحاول النظم الحاكمة أن تتحرك لوقفها، بل تقف مع إسرائيل ضد الشعوب التي تحكمها.. وعاجلًا أو آجلًا ستصل الشعوب إلى النقطة التي لا يمكن التراجع معها، لتثور على كل ما أدى إلى خذلان أهل غزة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان